مع ارتفاع حظوظ عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض عقب المناظرة الرئاسية الأولى، والأداء الكارثي لمنافسه الديمقراطي، جو بايدن، اقترح عدد من المسؤولين الجمهوريين السابقين بإدارة ترامب الأولى، ومؤيدي المرشح الجمهوري مشروع 2025 الذي يهدف إلى إعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية بشكل جذري في حالة فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر عقدها في الخامس من نوفمبر 2024.
ملامح المشروع
صاغت مؤسسة هيريتيج (التراث) اليمينية، أحد أبرز مراكز الفكر والرأي الأمريكية المؤثرة، خطة شاملة تتكون من 1000 صفحة بالتعاون مع أكثر من 100 منظمة محافظة و400 باحث وخبير سياسي من جميع أطياف الحركة المحافظة الأمريكية، ومنهم مسؤولون سابقون في إدارة ترامب الأولى، وشخصيات يمينية بارزة، مثل القائم بأعمال وزير الدفاع السابق كريستوفر ميلر، ونائب وزير الأمن الداخلي السابق كين كوتشينيلي، وكبير المستشارين التجاريين السابق لترامب بيتر نافارو، والمستشار السابق لترامب ستيفن ميلر. ويحدد المشروع جملة من السياسات التي يبدأ في تنفيذها مباشرة بعد تنصيب ترامب في يناير القادم، وتمكين الإدارة الجمهورية المستقبلية من اتخاذ الإجراءات بشكل سريع وجذري. ويشمل هذا المشروع عدة أهداف يمكن توضيحها فيما يلي:
1- هيمنة السلطة التنفيذية على مؤسسات الحكم الأمريكية: يروج المشروع لفكرة أن الرئيس الأمريكي يجب أن تكون له السيطرة المطلقة على السلطة التنفيذية، مع توسيع صلاحياته الرئاسية، وسيؤدي ذلك إلى تبسيط عملية صنع القرار الأمريكي، مما يسمح للرئيس بتنفيذ السياسات بشكل مباشر في عدد من المجالات.
2- إعادة هيكلة الحكومة الفيدرالية: يهدف المشروع إلى تقليص حجم الحكومة الفيدرالية من خلال إلغاء بعض الوكالات والوزارات، مثل وزارة التعليم، ووضع وكالات أمريكية مستقلة أخرى مثل لجنة التجارة الفيدرالية، ولجنة الاتصالات الفيدرالية، ووزارة العدل، تحت سيطرة الرئيس المباشرة. ويدعو إلى إلغاء الحماية لآلاف الموظفين الذين يمكن استبدالهم بواسطة سياسيين.
3- تخفيض الضرائب والمخصصات المالية للمناخ والصحة: يدعو المشروع إلى تخفيض الضرائب على الشركات والدخل والعودة إلى العملة المدعومة بالذهب، وتقليل اللوائح البيئية لتعزيز إنتاج الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى إعادة تشكيل المعاهد الوطنية للصحة وفق المبادئ المحافظة، وتخفيض الأموال المخصصة لأبحاث المناخ والاستثمار في الطاقة المتجددة. ويطالب المشروع الرئيس الجمهوري المقبل بوقف الحرب التي تقودها الإدارة الديمقراطية على النفط والغاز الطبيعي.
4- تقييد حقوق الإجهاض ومعاقبة الداعمين له: يهدف المشروع إلى تقييد حقوق الإجهاض، وسحب الموافقة على حبوب الإجهاض، ومعاقبة النساء اللاتي تقمن بالإجهاض، في حين أنه يدعو إلى استعادة قانون كومسترك لحظر وتتبع وسائل الإجهاض عبر البريد، واستعادة الأسرة مكانتها باعتبارها محور الحياة الأمريكية وحماية الأطفال الأمريكيين.
5- زيادة الحريات الفردية: يسعى المشروع إلى تفكيك الدولة الإدارية وإعادة الحكم الذاتي إلى الشعب الأمريكي، بالإضافة إلى تقليل نفوذ الحكومة الفيدرالية التي تعادي المواطنين الأمريكيين وتسببت في وضع حرياتهم تحت الحصار، بالإضافة إلى أنها فرضت عليهم القيم الليبرالية الغربية.
6- تبني سياسات حكومية تدخلية جديدة: يهدف المشروع إلى اتّباع الحكومة الجديدة سياسة تدخلية في كافة المجالات من خلال قيامها بطرد ما يصل إلى 500 ألف موظف فيدرالي، وطرد المتحولين جنسياً من الجيش، وإلغاء الإشارة إلى التنوع والمساواة، وترحيل الأشخاص غير المسجلين، وإنهاء إجراءات حماية العمال، وإسقاط الملاحقات القضائية ضد قادة اليمين المتطرف، الأمر الذي جعل رئيس مؤسسة هيريتيج كيفن روبرتس يصف المشروع بأنه بمثابة "ثورة أمريكية ثانية".
7- تقييد الهجرة من الحدود الجنوبية الأمريكية: يقترح المشروع زيادة التمويل لبناء جدار على الحدود بين الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك، بالإضافة إلى توحيد وكالات الهجرة المختلفة والتوسع الكبير في صلاحياتها، وزيادة الرسوم على المهاجرين، والسماح بتقديم طلبات سريعة للمهاجرين الذين يدفعون رسوماً أكبر.
معارضة ترامب
على الرغم من أن العديد من الأشخاص المشاركين في مشروع 2025 عملوا في البيت الأبيض خلال فترة ولاية ترامب السابقة ومن الموالين له، ومن المحتمل أن يساعدوا في تشكيل إدارته في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2024؛ إلا أن ترامب عارض ونفى أية صلة بينه وبين هذا المشروع، وذلك لعدة أسباب يمكن توضيحها فيما يلي:
1- رغبة ترامب في المحافظة على قاعدته الانتخابية: حاول ترامب أن ينأى بنفسه عن مشروع 2025 حفاظاً على قاعدته الانتخابية حتى لا يخسرها، خاصة بعد النجاح الذي حققه في المناظرة الرئاسية الأولى بينه وبين الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن وأداء الأخير السيئ، وهو ما أدى إلى رفع حظوظ ترامب في العودة إلى البيت الأبيض مرة أخرى، وذلك نتيجة ما أظهرته استطلاعات الرأي من تزايد شعبيته بعد المناظرة. فقد أوضح استطلاع للرأي أجرته شبكة "سي بي إس نيوز" تقدم ترامب على بايدن بفارق (6) نقاط (48% مقابل 42%)، وهذا الأمر جعل ترامب ينفي أي صلة بينه وبين مشروع 2025، ومن أن تؤثر أفكار المشروع التي يعارضها قطاع من الناخبين الأمريكية على شعبيته المتزايدة.
2- استغلال حملة بايدن المشروع لكسب أصوات الناخبين: استغلت حملة إعادة انتخاب بايدن مشروع 2025 بتكثيف جهودها لربط حملة ترامب به، حيث إنها وصفت المشروع بأنه دليل على السياسات المتطرفة التي يسعى ترامب إلى تنفيذها في ولايته الثانية، وذلك لتخويف الأمريكيين من خطر ترامب على الدولة والديمقراطية الأمريكية. في محاولة لاستعادة شعبية بايدن التي تراجعت في أعقاب المناظرة الرئاسية الأولى التي كشفت عن عدم قدرته على الحديث ومتابعة المناظرة بحيوية ونشاط.
3- تأكيد ترامب لقاعدته الانتخابية بأنه غير متطرف: وذلك من خلال ما نشره ترامب عبر منصته الاجتماعية تروث سوشيال: "إنني لا أعرف شيئاً عن مشروع 2025، وليس لدى أي فكرة عمن يقف وراء ذلك، وأنا لا أتفق مع بعض الأشياء التي يقولونها، وبعض الأشياء التي يقولونها سخيفة للغاية عن أي شيء يفعلونه، أتمنى لهم التوفيق، لكن ليس لدي أي علاقة بهم"، وهذا كان رداً على الاتهامات التي وجهتها له حملة بايدن الانتخابية التي حاولت استخدام المشروع 2025 كأداة انتخابية ضد ترامب لتخويف الأمريكيين من رئاسته الثانية.
4- تأكيد ترامب أن ولايته الثانية ستكون مختلفة عن الأولى: وذلك من خلال رفض ترامب مشروع 2025 رغم أن العديد من المشاركين فيه موالون له. ويؤكد هذا الأمر على أن فترة ولايته الثانية ستكون مختلفة، وأن حكومته ستكون مليئة بالأشخاص الذين يوافقون على سياساته وأفكاره وليس الذين يساعدونه على التطرف. كما أنه سيكون مختلفاً عن فترة ولايته الأولى لأنه سيكون أكثر خبرة، وهذا ما ظهر في نهجه خلال الانتخابات التمهيدية لعام 2024، والمناظرة الرئاسية الأولى، وأنه سيكون أكثر براعة في استخدام أدوات السلطة.
5- محاولة ترامب منع تكرار أعمال الشغب من قبل أنصاره: حاول ترامب تهدئة الناخبين الأمريكيين من خلال تصريحه الذي نفى فيه وجود أي علاقة بينه وبين مشروع 2025، وذلك للحفاظ على ما أحرزه من تقدم في الانتخابات التمهيدية التي أظهرته الكثير من الاستطلاعات، في حين زادت مخاوفه من خلال ما أثاره رئيس مؤسسة التراث كيفن روبرتس بأن قبول ترامب بهذا المشروع سيؤدي إلى أعمال عنف سياسية وسيحدث ثورة أمريكية، بالإضافة إلى تصريحات عضو الكونجرس الديمقراطي جاريد هوفمان الذي ندد فيها بضرورة وقف مشروع 2025، ووصفه بأنه مؤامرة بائسة لتفكيك المؤسسات الأمريكية الديمقراطية، في حين أن البعض رأى أن هذا المشروع سيُحدث حرباً أهلية أمريكية، وأنه من المحتمل أن يؤدي إلى تقسيم الولايات المتحدة الأمريكية.
6- مخاوف من تصاعد المطالب لترامب بالانسحاب من الانتخابات: من بين الأسباب التي من المتوقع أنها دفعت ترامب إلى تصريحاته بأنه لا يعرف أي شيء عن مشروع 2025، أنه يخشى من أن الناخبين الأمريكيين يطالبونه بالانسحاب من الانتخابات خوفاً من السياسات المتطرفة التي يتضمنها المشروع التي من المحتمل أن تؤدي إلى ثورة عنيفة في الولايات المتحدة وإلى تفكيك المؤسسات الديمقراطية.
آثار سلبية
خلاصة القول، إن موافقة ترامب على مشروع 2025 ستكون له آثار سلبية كثيرة ستجعله يفقد الكثير من قاعدته الانتخابية، ومن المتوقع أن تحدث الكثير من أعمال الشغب والانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين، الأمر الذي سينتهي بقيام حرب أهلية أمريكية بحسب العديد من التحليلات، وهذا الأمر سيجعله حتماً يخسر في الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، لذلك رفض ترامب هذا المشروع للحفاظ على قاعدته الانتخابية وزيادة أتباعه، وهذا الأمر يزيد من فرص عودته إلى البيت الأبيض في الخامس من نوفمبر 2024.