• اخر تحديث : 2024-09-16 16:04
news-details
أبحاث

ورقة تحليلية: تحركات حفتر إلى الجنوب الليبي: الرهانات المحلية والسياق الإقليمي


تحاول هذه الورقة فهم دوافع وسياق قرار المشير المتقاعد، خليفة حفتر، إرسال وحدات عسكرية تابعة له إلى مناطق في جنوب غربي ليبيا، في وقت جديد أسفر فيه النفوذ الأجنبي في ليبيا عن وجهه، ولم يعد مصدر إحراج لأي من أطراف الصراع. وخطوة قال المتحدث باسم "الجيش الوطني الليبي" الذي يقوده حفتر: إن هدفها "تأمين الحدود الجنوبية وتعزيز الأمن القومي لليبيا".
 
مخاوف من مواجهة جديدة بين الشرق والغرب
أثار إعلان "الجيش الوطني الليبي" بقيادة خليفة حفتر إرسال قوات تابعة له إلى جنوب غربي ليبيا مخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية جديدة بين هذه القوات والقوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية شبيهة بتلك التي حدثت في عام 2020، وانتهت باتفاق لوقف لإطلاق النار الذي جاء بعد هزائم عسكرية متتالية لقوات حفتر، التي تدعمها روسيا بواسطة شركة فاغنر، في الغرب الليبي تحققت بفضل دعم عسكري تركي نشط لحكومة طرابلس.
 
والواقع أن مواجهة 2020، ورغم محدودية أثرها على ميزان القوة العسكري والترابي، فإنها ألقت بالبلاد إلى مرحلة جديدة أسفر فيها النفوذ الأجنبي عن وجهه، ولم يعد مصدر إحراج لأي من أطراف الصراع. ورغم أن المناطق التي أعلنت قوات حفتر إرسال تعزيزات إليها هي مناطق خاضعة لسلطتها أصلًا، فإن هذا التحرك المفاجئ أجَّج المخاوف من تعميق انقسام ليبيا، ووأد ما تبقى من آمال في إنعاش مسار التسوية السياسية وإنهاء الفوضى، التي غرقت فيها البلاد منذ مطالع عام 2012.
 
جاء في بيان قوات حفتر أن التعزيزات العسكرية ستتوجه إلى مدن أوباري، وبراك، والشاطئ، وسبها، ومرزق، والقطرون، وأدري، وغات، وتقع كلها في غربي وجنوب غربي البلاد بمحاذاة الحدود المشتركة مع الجزائر ومع النيجر. وقد أكدت قوات حفتر أن هذه التعزيزات غير موجهة ضد أي جهة، وأن مهمتها هي بسط وتعزيز الأمن ومحاربة التهريب، وتسيير "دوريات صحراوية وتشديد الرقابة على الشريط الحدودي مع الدول المجاورة" لضبط الحدود والتصدي "لأي تهديدات قد تستهدف سلامة الوطن واستقراره"؛  لم تبدد تطمينات قوات حفتر مخاوف سلطات طرابلس؛ فقد أعلنت قيادة أركان الجيش التابعة لها رفع حالة التأهب ردًّا على ما سمته "تحركات قوات حفتر باتجاه بلدة الشويرف الواقعة على بعد 450 كلم جنوب طرابلس. وحذَّر المجلس الأعلى للدولة من أن "التحركات المشبوهة لقوات الشرق بقيادة حفتر نحو مناطق جنوب غربي البلاد قد تنتج عنها العودة إلى الصراع المسلح الذي يهدد اتفاق وقف إطلاق النار". وبالتوازي مع هذه التصريحات، دعت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا إلى خفض التوتر، وحثت جميع الأطراف على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتجنب أي أعمال استفزازية من شأنها إخراج الأوضاع عن السيطرة وتعريض الاستقرار الهش في ليبيا وسلامة المواطنين للخطر.
 
رهانات محلية وموارد نفطية
يبدو التساؤل مشروعًا عن دوافع إرسال حفتر مزيدًا من القوات إلى جنوب غربي البلاد وهو الخاضع له أصلًا؛ إذ يرى متابعون للشأن الليبي أن هدف تحرك حفتر غربًا هو السيطرة على مدينة غدامس الإستراتيجية الواقعة على الحدود المشتركة بين كل من ليبيا والجزائر وتونس، والتي تبعد 650 كيلومترًا جنوب غربي العاصمة طرابلس. وتقع غدامس إلى الشمال الغربي من المدن الجنوبية، الواقعة في إقليم فزان، والتي ذكرها بيان قوات حفتر، ويوفر مطار المدينة قاعدة لوجستية وعملياتية حيوية في أية مواجهة مستقبلية محتملة، أو أية حملة للسيطرة على العاصمة طرابلس، كما ستمكِّن السيطرة عليه، حسب هؤلاء المحللين، قوات حفتر، من نقل العتاد والرجال جوًّا بسلاسة وبكميات كبيرة من قاعدتها الرئيسية في الجفرة، وسط البلاد، ومن معاقلها في بنغازي وسرت إلى الغرب الليبي.
 
تطل مدينة غدامس على معبر "الدبداب" المشترك مع الجزائر (حوالي 20 كيلومترًا) والمغلق منذ تفجر الأوضاع في ليبيا، عام 2011، وكان مقررًا فتحه العام الماضي لكن اعتراضات المشير حفتر نفسه وتحذيره من أن ذلك قد يؤدي إلى تجدد المواجهة العسكرية مع سلطات طرابلس، حالت دون ذلك. كما لا تبعد غدامس أكثر من 15 كيلومترًا عن بلدة "برج الخضراء" في ولاية تطاوين بأقصى الجنوب التونسي؛ ظل حفتر منذ بروزه فاعلًا على الساحة الليبية معزولًا من الناحية الجغرافية عن عمق بلاده المغاربي وجوارها في الساحل الإفريقي. وهي عزلة سياسية ودبلوماسية حالت بين الرجل واستثمار مكاسبه العسكرية؛ رغم الدعم المالي والسياسي السخي الذي حصل عليه في السنوات العشر الأخيرة من دول في الشرق الأوسط ومن روسيا.
 
ستفتح غدامس لحفتر، في حال السيطرة عليها، بابًا مشرعًا على التنسيق والتعاون الأمني، خاصة في مجال الهجرة غير النظامية، مع بلدين مغاربيين هما أكثر جوار ليبيا استقرارًا، ولهما أهمية كبيرة على صعيد المبادلات التجارية، ويشكلان العمق الاجتماعي والبشري لسكان الغرب الليبي، كما ستجعل السيطرة عليها من حفتر شريكًا لا غنى عنه بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي ظلت ليبيا تحتل مكانة مركزية في سياساته المتعلقة بمحاربة تدفقات الهجرة غير النظامية القادمة عبر المتوسط انطلاقًا من الساحل الإفريقي. وفضلًا عن الموقع الجغرافي الاستثنائي، فإن غدامس أصبحت منذ أشهر مدينة نفطية؛ إذ يوجد بها حقل (حمادة) النفطي الذي اكتُشف عام 2007، ويُنتظر أن يبدأ التصدير منه خلال أسابيع بطاقة إنتاجية أولية تبلغ 8 آلاف برميل يوميًّا. وأعلنت الشركة الليبية للنفط، في شهر يوليو/تموز 2024، انتهاء الأشغال في خط الأنابيب الذي سينقل النفط من الحقل إلى ميناء مليطة الواقع على البحر الأبيض المتوسط على بعد 250 كيلومترًا شمال غدامس.
 
يضع حفتر أيضًا نصب عينيه، حسب هؤلاء المتابعين، "الشويرف" الواقعة على بعد 400 كيلومتر جنوب طرابلس. فالسيطرة على هذه البلدة التي تتقاطع فيها محاور طرقية إستراتيجية، ستمكِّن قوات الجيش الليبي التابع لحفتر من ربط قواعدها في الشرق والوسط بمواقعها في غرب البلاد عبر طرق برية، ومن جهة ثانية التحكم في حركة المرور بين منطقة طرابلس وإقليم فزان في الجنوب. ومن الناحية العملياتية، تعني السيطرة على الشويرف بالنسبة لقوات حفتر الحصول على قاعدة متقدمة قريبة من العاصمة وكذلك من مواقع حلفائها في الغرب خاصة قوات الزنتان.
 
تطلع إلى الساحل: حفتر وورقة الجوار الإفريقي
كان لافتًا ربط قوات حفتر بين هذا التحرك وما سماه بيانها "الوضع المتدهور في دول الجوار، وتصاعد نشاط عصابات التهريب والجماعات المتطرفة". وقد تفادى البيان ذكر دولة بالاسم، لكن التشخيص الوارد فيه ينطبق على بعض بلدان منطقة الساحل ومنها مالي التي شهدت، قبل أسبوعين، مواجهات دامية بين الجيش والمتمردين الطوارق، المتحالفين مع مجموعات جهادية، في منطقة تينزواتين. صحيح ألا حدود مشتركة بين مالي وليبيا، لكن الروابط الاجتماعية، القبلية والعرقية، بين شمال مالي وجنوب الجزائر وشمال النيجر، الذي يشكِّل فضاء تاريخيًّا للطوارق، تجعل من اتساع نطاق الصراع في شمال مالي أمرًا واردًا، كما أن تبعاته على هذه البلدان أمر بديهي؛ خاصة ليبيا التي توجد في مناطقها الجنوبية والجنوبية الغربية (إقليم فزان التاريخي) تجمعات مهمة من الطوارق. وقد أدت الأحداث التي شهدتها ليبيا بعد الثورة الشعبية على نظام معمر القذافي عام 2011، إلى نزوح عشرات الآلاف من الطوارق من ليبيا إلى دول الساحل خاصة مالي.
 
وقد كان لحركة النزوح هذه تداعيات أمنية خطيرة، فقد أذكت جذوة تمرد الطوارق في شمال مالي، كما أن المجموعات الجهادية المرتبطة بالقاعدة في المغرب الإسلامي حصلت في خضم الفوضى في ليبيا على كميات كبيرة من السلاح مكنتها، خلال عام 2012، من بسط سيطرتها على كامل شمال مالي وتقدمت جنوبًا حتى كادت تسيطر على العاصمة، باماكو، لولا تدخل الجيش الفرنسي؛ ولا يمكن استبعاد حدوث موجات نزوح واسعة إذا اشتدت المواجهات في شمال مالي، لاسيما أن سيطرة القوات المالية، المدعومة من ميليشيات فاغنر الروسية، على مدينة كيدال، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أدت إلى حركة نزوح باتجاه الجزائر والنيجر. وربما كانت لدى حفتر مخاوف من أن تنشأ من رحم موجات النزوح المحتملة من شمال مالي والنيجر تطلعات إلى مزيد من الحضور السياسي وربما العسكري المنظم للطوارق في الجنوب الليبي الذي صار، بعد سنوات طويلة من الفوضى وغياب السلطة المركزية، شبيهًا بشمال مالي.
 
دوافع ذاتية أم أجندة إقليمية؟
يثير اهتمام حفتر المفاجئ بمناطق جنوب غربي ليبيا المحاذية لمنطقة الساحل الإفريقي، وإعلان نيته السيطرة عليها وتسيير "دوريات صحراوية"، تساؤلات بشأن أسباب هذا التحول في إستراتيجية حفتر العسكرية التي ظل نطاقها العملياتي محصورًا في شمال البلاد خاصة المناطق الغربية من الساحل الليبي الطويل حيث توجد العاصمة طرابلس، التي انصب جهد حفتر العسكري طيلة السنوات الثماني الأخيرة على محاولة السيطرة عليها دون جدوى. وفي ضوء ذلك، يبدو مشروعًا التساؤل عما إذا كان دافع تحرك حفتر ذاتيًّا أم أنه جزء من إستراتيجية أشمل تتجاوز التراب الليبي إلى منطقة الساحل الإفريقي التي تشكل عمقًا جغرافيًّا وإستراتيجيًّا حيويًّا بالنسبة لليبيا. 
 
لابد هنا من إبراز سمتين أساسيتين تشترك فيهما ليبيا مع أغلب بلدان الساحل:
الأولى: هي حالة الفوضى السائدة في هذه البلدان الإفريقية منذ أكثر من عقدين، والتي امتدت إلى ليبيا في 2011، والثانية: هي الحضور العسكري الروسي المتعاظم في المنطقة. وقد كانت ليبيا بوابة لهذا الحضور وكان حفتر أحد رجالاته الأوائل. فأول وجود عسكري موثَّق لمجموعة فاغنر بالساحل الإفريقي وشمال إفريقيا يعود إلى عام 2018 حين كشفت صحيفة "الصن" البريطانية عن إنشاء الشركة الروسية -التي تحولت اليوم إلى فرقة إفريقيا- قاعدتين عسكريتين في طبرق وبنغازي؛ وستشهد السنوات اللاحقة حضورًا متزايدًا لمسلحي فاغنر في الساحل، وهي اليوم تقدم خدماتها الأمنية والعسكرية للأنظمة الحاكمة في ثلاث من دول الساحل؛ هي: مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو. كما تقدم خدماتها لحكومة جمهورية وسط إفريقيا، ولها علاقات وطيدة مع قوات الدعم السريع في السودان، وقد زودتها بأسلحة ومعدات انطلاقًا من ليبيا.
 
وهنا يبدو ما تضمنه بيان قوات حفتر عن "تسيير دوريات صحراوية" لافتًا، خاصة أن المنطقة المستهدفة بالتحرك الأخير محاذية لحدود النيجر الذي أنهى حكامه العسكريون، بعد أشهر من سيطرتهم على السلطة صيف 2023، اتفاقيات التعاون التي كانت تؤطر وجود القوات الفرنسية والأميركية العاملة هناك، واستبدلو بها عناصر فاغنر الذين يتخذون حاليًّا من مطار العاصمة، نيامي، قاعدة لهم.
 
ليبيا وحفتر في قلب إستراتيجية روسية جديدة
كشف تجمع من المحققين الصحفيين الغربيين والروس يُدعى "كل العيون على فاغنر" أن روسيا عدَّلت إستراتيجية نفوذها في إفريقيا على نحو جذري بعد مقتل مؤسس فاغنر، يفغيني بريغوجين، صيف 2023، فقد ضُمَّت الشركة التي كانت رأس الحربة في هذه الإستراتيجية للاستخبارات العسكرية وصارت بذلك جزءًا من وزارة الدفاع الروسية. وفي ضوء الحرب الروسية-الأوكرانية والقطيعة مع الغرب، تخلَّت روسيا عن إستراتيجية "التقدم بوجه مخفي"، وصارت تتبنى علنًا إستراتيجية نفوذها في إفريقيا، حسب هؤلاء الصحفيين الاستقصائيين.
 
وتوجد ليبيا في قلب الإستراتيجية الجديدة الرامية إلى تعزيز نفوذ الكرملين في القارة السمراء عبر ربط مناطق النفوذ بخط إمداد لوجستي يمتد من طبرق إلى إفريقيا الوسطى مرورًا بالنيجر ومالي وبوركينا فاسو، وربما تشاد قريبًا. ويشكل ميناء طبرق نقطة ارتكاز أساسية في هذه البنية الإستراتيجية الروسية الجديدة. فقد كشف تجمع "كل العيون على فاغنر" أن سفينتي شحن روسيتين وصلتا هذا الميناء، في 8 أبريل/نيسان 2024، قادمتين من ميناء طرطوس السوري وعلى متنهما كميات كبيرة من السلاح والمعدات. ويؤكد هؤلاء الصحفيون أن النشاط المسجل في ميناء طبرق يتعلق أساسًا بنقل المعدات والسلاح وليس الأفراد؛ ما يعني أن العملية لوجستية في المقام الأول. ويبدو مما كشفه هؤلاء الصحفيون أن روسيا تخلت، ولو مؤقتًا، عن مساعيها للحصول على منفذ بحري على الواجهة الأطلسية للقارة الإفريقية لتعزيز وجودها ونفوذها في الساحل، واستعاضت عنه بميناء طبرق. ويبدو هذا متسقًا مع تحرك حفتر إلى الجنوب الغربي باتجاه النيجر، كما يبدو أن حفتر سيكون لاعبًا مهمًّا في الإستراتيجية الروسية الجديدة، التي لا تقتصر على معركة النفوذ في إفريقيا، بل تتجاوزها إلى التصدي لتبعات الحرب الروسية على أوكرانيا؛ خاصة العقوبات المالية الغربية على موسكو.
 
إن سيطرة "فرقة إفريقيا" على ليبيا والساحل، بالتعاون مع حلفائها، سيمكِّن موسكو من الالتفاف على العقوبات الغربية، كما سيجعل منها شريكًا لا غنى عنه بالنسبة للاتحاد الأوروبي في مواجهة تدفقات الهجرة غير النظامية المنطلقة من الساحل الإفريقي عبر الأراضي الليبية وصولًا إلى البحر المتوسط.
 
والواقع أن حالة حفتر تشكِّل، إلى الآن، استثناء فريدًا في إستراتيجية روسيا الإفريقية. فمنذ قدوم شركة فاغنر، وهي رأس الحربة في هذه الإستراتيجية، ظلت طريقة عملها واحدة وهي تقديم خدمات أمنية وعسكرية لأنظمة هشة تجد صعوبة بالغة في ترسيخ سلطتها وضمان الاستقرار في بلدانها، وبالمقابل تحصل الشركة على امتيازات اقتصادية تكون غالبًا على شكل رخص لاستغلال المعادن، خاصة الذهب والبترول. لكن حالة حفتر في ليبيا تنذر ببروز كيانات عسكرية إفريقية قد تكون مفيدة للإستراتيجية الروسية الجديدة. فإلحاق فاغنر بالاستخبارات العسكرية الروسية، وإعادة تسميتها لتصبح "فرقة إفريقيا"، يتيح لروسيا هامش مناورة أكبر ويرفع عنها حرج الوصم باستخدام "المرتزقة" في بناء وتوسيع علاقاتها الدولية، لكنه يضعها أمام مسؤوليات دبلوماسية وسياسية كبيرة تتصل بسلوك هذه الفرقة وما قد ترتكبه من تجاوزات وانتهاكات، وسجل فاغنر في هذا الباب ليس ناصعًا.
 
ويبدو حفتر، بجيشه المنظم والمجهز، وبظهيره السياسي (مجلس النواب الليبي)، وحلفائه الإقليميين، قادرًا على الاضطلاع بالدور الذي كانت تلعبه فاغنر في السابق وبميزات أفضل، أي تولي "الأعمال القذرة" بينما يجني الكرملين الثمار السياسية والدبلوماسية والإستراتيجية، ويحقق منافع اقتصادية كبيرة في ليبيا الغنية بثروتها النفطية وبموقعها الإستراتيجي على المتوسط. وفي حال وقوع إشكالات أو انتهاكات تترتب عليها تبعات دبلوماسية أو سياسية كبيرة يكون الكرملين في حل منها تمامًا، فقوات حفتر في النهاية قوات ليبية وفي الآن نفسه لا يخاطبها القانون الدولي بحكم أنها ليست قوات نظامية معترفًا بها.
 
وعكست مسارعة القائد الجديد لـ"فرقة إفريقيا"، آندري أفريانوف، إلى لقاء حفتر بعد أقل من شهر على توليه منصبه، هذا الاهتمام الروسي بالرجل ضمن الإستراتيجية الجديدة. وجاء في بيان نُشر عقب الاجتماع أن الجانبين اتفقا على مواصلة التعاون من أجل "تأمين الموارد". وتؤكد العلاقات الوطيدة التي أقامتها فاغنر مع قائد قوات الدعم السريع في السودان، محمد حمدان حميدتي، ودعمها له بالسلاح والعتاد مع اندلاع الحرب الأهلية في السودان، اهتمام موسكو بهذا النوع من الجيوش الموازية الناشئة أو المزدهرة في سياق الفوضى التي تعصف بعدد من البلدان الإفريقية خاصة في منطقة الساحل الغنية بالموارد الطبيعية وذات الموقع الإستراتيجي المميز. لكن حاجة روسيا لمنفذ بحري يمكِّنها من ربط مناطق نفوذها في القارة بخطوط النقل البحري، أجبرت موسكو على تعزيز علاقاتها مع الجيش السوداني لتحصل على رخصة لإقامة قاعدة بحرية في بورت سودان.