لا شك بأن الخرق الذي أحدثته القوات النازية الاوكرانية في جيب كورسك يعتبر تطور خطير ، واول خرق للحدود الروسية التاريخية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 .
ولكن كي لا نقع في فخ الدعاية الغربية ، لنحلل الموقف العسكري والسياسي والإعلامي لهذا الهجوم ، وكيف حدث هذا الخرق ، وتفسير ردة فعل الجيش الروسي البطيئة تجاه هذا الخرق .
* من الناحية العسكرية :
كوسك هي منطقة مسطحة و حقول مفتوحة ، اي تعتبر جنَّة لعمل الدبابات النازية الأوكرانية ، وأيضاً جنَّة لعمل الدبابات الروسية .
وروسيا لم تكن تضع قوات كبيرة للدفاع على طول الحدود الروسية الاوكرانية خارج منطقة الدونباس ، ( لانها تعتبره مجهود حربي زائد يمكن توفيره لجبهات أخرى ) والحديث انه في نقطة الهجوم الاوكراني لم يكن هناك سوى ( ١٠٠ ) جندي روسي في الدفاع ، وهذا يعني ان كل الحديث الاوكراني عن معارك طاحنة في كورسك وخسائر فادحة للجيش الروسي هي محض كذب.
والقوات الاوكرانية اختارت كورسك ليست لانها اضعف نقطة او اكثر جبهة رخوة ، بل لانها تمثل للنازيين معركة انتقام من هزيمة تاريخية حصلت في عام 1943 ، حيث اللحق الجنرال ( نيكولاي فاتوتن ) قائد جيش حرس الدبابات الخامس السوفييتي هزيمة نكراء في أكبر معركة للدبابات في التاريخ ضد فيلق ال SS بانزر الألماني وجنراله ( بول هاوزر ) ، حيث تحطمت القوة المدرعة النازية الاساسية في ذلك الوقت واصبح الطريق مفتوحا لبرلين .
لذلك اختار النازيون الجدد ( كورسك ) للانتقام لهزيمة سابقة وليست لانها اضعف نقطة ، لان القوات الروسية لم تكن في الاصل تضع دفاعات قوية كما ذكرنا لانها تعتمد على اساليب اخرى في الدفاع ككتائب المسيرات ، وسلاح الجو ، الذي استطاع فعلا ايقاف الهجوم عند حدود تقدم 70كم في العمق وبعرض 100كم .
والهدف العسكري الثاني لهذه العملية ، هو كسر الوضع العسكري القائم الذي فرضه الجيش الروسي على طول خط الجبهة في دونباس ، حيث وضع القوات الاوكرانية النازية ، بموقع الدفاع وهذا يكبدها خسائر فادحة في الارواح والعتاد ، مع الاستمرار بقضم الأراضي بمعدل ( ٢٢كم اسبوعيا ) وبالتالي اراد النازيون استعادة زمام المبادرة العسكرية ليحافظوا على الدعم الغربي الذي بدأ يتململ من الهزائم المتلاحقة للجيش النازي .
اما عن ردة الفعل البطيئة للجيش الروسي فهي تأتي من قراءة المشهد العام ، حيث لم يحرك الجيش الروسي سوى اربع كتائب مشاة ، بالاضافة الى كتائب متفرقة من سلاح المسيرات ، واعتمد على الحرس الوطني في كورسك وسلاح الجو لايقاف الهجوم ، لان الرئيس بوتن قرأ المشهد بشكل صحيح وادرك ان الغاية هي دفع الجيش الروسي للزج بتعزيزات لحماية كورسك على حساب منطقة العمليات في الدونباس ، وبدلا من القيام بهجوم معاكس في كورسك ، قام بتنشيط العمليات في الدونباس واحرز تقدم مهم .
* من الناحية السياسية :
اراد النازيون الأوكران ومن خلفهم الولايات المتحدة ، طرح مبدأ الأرض مقابل الأرض في المفاوضات ، لدفع الرئيس بوتن للتخلي عن اهداف العملية الخاصة في الدونباس والتفكير في تحرير الاراضي المحتلة.
واراد النازيون ان يثبتوا لداعميهم ، ان هناك اصبع يتحرك في جسدهم الميت ، لكي يضمنوا استمرار الدعم .
* من الناحية النفسية والمعنوية والإعلامية :
كانت آلة الدعاية الغربية جاهزة لتضخيم نجاحات هذا الانتصار ، لهدفين ، الاول : هو رفع الروح المعنوية المنهارة لدى النازيين ، ودفعهم للاستمرار في القتال ، والثاني : رسم صورة امام دافعي الضرائب الغربيين ، ان اموالهم التي تذهب لتسليح النازيين لا تذهب هدراً لاستجلاب المزيد من الدعم .
وفي كل هذا الخضم ، كان الرئيس بوتن يحضر قمم اقتصادية ويوقع اتفاقات هامة وكأن كورسك لم تحدث ، لانه لا قيمة عسكرية لها ، والجيش الروسي قادر على تكرار الانتصار في كورسك وهذه المرة ليس بجيش حرس الدبابات الخامس كما حدث في عام 1943 وانما بالحرس الوطني فقط .
اخطر مافي الموضوع هو رفع الغرب قيوده على استخدام اسلحته ضد القرم وضد الاراضي الروسية ، وبالتالي اعتقد ان الأصدقاء الروس ينتظرون شكل الإدارة الأمريكية القادمة .
فإذا كان ترامب ، فكييف ستسقط بالمفاوضات .
واذا كانت هاريس ، ستسقط كييف بالحرب ومن بوابة كورسك .