• اخر تحديث : 2025-01-13 12:31
news-details
مقالات عربية

مئات الخروق الإسرائيلية لوقف إطلاق النار، للبنان الحق باستئناف الحرب والمطالبة بالتعويض


واظب العدو الصهيوني، منذ الساعات الأولى لسريان وقف إطلاق النار الذي أعلن بتاريخ 27/11/2024، على خرقه، من خلال تماديه في اعتداءاته على لبنان، محاولًا تحقيق ما عجز عن تحقيقه خلال عدوانه الأخير من جهة، ومن جهة أخرى تظهير صورة "انتصار" ليقدّمها إلى مستوطنيه الذين "يشعرون بإحباط لكون حزب الله لم يُهزم ولم يكن قريبًا من الهزيمة" وفق ما أعلنته صحيفة "يديعوت أحرونوت" بتاريخ 29/11/2024.
 
وأمام تمادي "إسرائيل" بالخروق، وجد المبعوث الأميركي إلى لبنان عاموس هوكشتاين، عرّاب وقف إطلاق النار، نفسه بتاريخ 2/12/2024 مرغمًا على انتقادها بقوله إنّ "إسرائيل تطبِّق وقف إطلاق النار بطريقة عدوانية للغاية"، وأنّ إدارة بايدن "تشعر بالقلق لأنّ الإسرائيليين يلعبون لعبة خطيرة"، إلّا أنّه امتنع عن اتّخاذ أي إجراء يلزمها بوقف هذه الخروق.
بدورها، اكتفت فرنسا في التاريخ عينه بالتحذير من انهيار وقف إطلاق النار، وأحصت "52 انتهاكًا لم تمر عبر الآلية المحدّدة" (أي عبر اللجنة التي أُنيط بها أمر مراقبة وقف إطلاق النار)، وأبلغت "إسرائيل بوجوب التزام كلّ الأطراف باتفاق وقف إطلاق النار".
 
شجّعت التصريحات الأميركية والفرنسية، رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي بتاريخ 3/12/2024 على إجراء "اتّصالات دبلوماسية لوقف الخروق ولمطالبة "إسرائيل" بالانسحاب من الأراضي التي توغّلت فيها"، دون أن تؤدّي هذه الاتّصالات إلى نتيجة إيجابية.
 
أمّا لجنة مراقبة الاتفاق، فقد عقدت أوّل اجتماع تمهيدي لها بتاريخ 10/12/2024 في الناقورة "لتنسيق دعمها لوقف الأعمال العدائية". والتأمت باجتماع آخر بتاريخ 19/12/2024، وبعد هذا الاجتماع صدر عن سفارتَي الولايات المتحدة وفرنسا واليونيفيل بيانٌ مشترك جاء فيه "أنّ اللجنة ستجتمع بانتظام وستنسّق عملها بشكل وثيق لتحقيق التقدّم في تطبيق وقف إطلاق النار والقرار 1701". وبتاريخ 24/12/2024 اجتمعت اللجنة في السراي الحكومي برئاسة الرئيس ميقاتي، وبحضور قائد الجيش العماد جوزف عون، وجرى استعراض للمستجدات الميدانية في ظلّ الخروق "الإسرائيلية". ولم يصدر عن الاجتماعات الثلاثة أيّ قرارات عملية تضع حدًا لهذه الخروق.
 
وجد العدو الصهيوني في هذا التراخي فرصة للتمادي في غيّه وعدوانه، حتى بلغ عدد خروقه "أكثر من 816 اعتداءً بريًّا وجويًّا بين 27/11 و22/12/2024" وفقًا لما أعلنته وزارة الخارجية اللبنانية بتاريخ 24/12/2024 في الشكوى التي تقدّم لبنان إلى مجلس الأمن.
 
في المقابل، لم تغفل المقاومة الإسلامية عن الاعتداءات الصهيونية، ورغم قرارها الالتزام بوقف إطلاق النار، إلّا أنّها نفّذت مساء 2/12/2024 "ردًا أوليًا تحذيريًا مستهدفة موقع رويسات العلم".
 
أولًا – انتهاكات العدو لإعلان وقف إطلاق النار
إذًا، فقد عمد العدو منذ إعلان وقف إطلاق النار إلى خرق هذا الإعلان مئات المرّات، وارتكبت خلالها جرائم خطيرة حظرتها القوانين والمواثيق الدولية. وتمثّلت خروقات العدو بالاعتداءات الآتية:
 
1 – احتلال أراضٍ لبنانية
استغل العدو وقف إطلاق النار للتوغّل داخل بعض المناطق التي أعجزته خلال الحرب، وعمد إلى التمركز فيها حيث احتلّها وأقام له نقاط ثابتة قبل أن يعمد إلى الانسحاب من بعضها، ومن هذه المناطق: عدّة أحياء في مدينة الخيام، وتل النحاس، وبرج الملوك، وعدة أحياء في عيترون، والمجيدية، وعدّة أحياء في بلدة الناقورة، ومركبا، وبني حيّان، وأطراف علما الشعب، ويارون، ومارون الراس، وشيحين، والجبين، وشمع، وطير حرفا، والقنطرة، ووادي الحجير...
 
2 – هدم أبنية ومساكن وقصف وتجريف وتفجير قرى
سعيًا منه لجعل القرى الحدودية غير قابلة للسكن، نفّذ العدو بعد إعلان وقف إطلاق النار، عمليات جرف وتدمير وهدم منهجي طال العديد من هذه القرى:
 
أ – عمليات هدم أبنية ومساكن:
هدمت قوات الاحتلال عشرات الأبنية والمساكن في عدّة قرى، كما في بلدة الخيام، ومارون الراس، ويارون، وبيت ليف، وعيترون، وربّ ثلاثين، ومجدل زون، والناقورة، وزبقين، وشمع، وشيحين، وميس لجبل، وكفركلا، وحلتا...
ب – عمليات القصف:
أغار طيران العدو وقصف بالمدفعية القرى والمناطق الآتية: الخيام، وسهل الخيام، وراشيا الفخار، والخريبة، وجباع، ووادي عزّة، وبيت ليف، ومحيبيب، ويارون، وتلّة برغز، ومارون الراس، ومجدل زون، وطلوسة، وخراج بلدة شبعا، وحلتا، وعيترون، والناقورة، ورأس الناقورة، وحيّ الشومر، وطلّوسة، وطريق عام بلدة عين عرب، والطريق بين شبعا وبركة النقّار، ومجرى نهر الليطاني عند أطراف زوطر الشرقية، وسهل الماري، ودبّين، والمجيدية، ورميش، وزبقين، وشيحين، والجبين، وبنت جبيل، وعيناتا، ومجدل زون، ومنطقة تبنا بين تفاحتا والبيسارية، والزرارية، والشعيتية، وجبال البطم، وأطراف بلدة شبعا، ومركبا، وبني حيّان، وكفركلا، وطاريّا، وسهل حزّين، ومعبر جوسيه على الحدود مع سوريا... مع الإشارة هنا إلى أنّ العديد من هذه القرى يطالها القصف بشكل شبه يومي.
ج – عمليات التفجير والتجريف:
– عمليات التفجير: نفّذت قوات الاحتلال عمليات تفجير ضخمة في عدّة قرى سمعت أصداؤها من مسافات بعيدة، ومن هذه القرى: عيترون، منطقة تبنا بين بلدتي تفاحتا والبيسارية، ويارون، ومارون الراس، وشمع، وشيحين، ومجدل زون، وميس الجبل، وبني حيّان، وكفر كلا، وأطراف علما الشعب، والناقورة، وفي أطراف حولا لناحية ميس الجبل...
– عمليات التجريف: عمدت قوات الاحتلال إلى جرف أراض واسعة في غير قرية ومنطقة، ومنها: الناقورة (أعلن رئيس بلديتها أنّ عمليات التجريف والتفجير والتدمير طالت 70% من البلدة)، ومارون الراس، ويارون، وعيترون، وبني حيّان (طال الجرف مسجد البلدة) …
 
3 – قتل وإيذاء وترهيب المدنيين عمدًا
محاولًا منع المواطنين من العودة إلى مساكنهم وقراهم التي أرغمهم على مغادرتها قسرًا بفعل عدوانه على لبنان، عَمَدَ العدو الصهيوني إلى ترهيبهم من خلال بث نشرات عبر هواتف المواطنين والمواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي يحذّرهم فيها من العودة إلى كثير من القرى. ولمّا أيقن أنّ ذلك لم يمنعهم من العودة إليها، كثّف من عمليات الاستهداف والقتل والإيذاء مستخدمًا الطيران المسيّر والطيران الحربي، ومن الأمثلة على هذه العمليات:
-    أغار على منازل عديدة في كثير من القرى، كما في حاريص (6 شهداء وجريحين)، وطلوسة (4 شهداء)، وبيت ليف (5 شهداء، بينهم 3 أطفال وامرأة، و6 جرحى)، ورب ثلاثين (شهيد وجريح)، ودبين (شهيدين)، وبنت جبيل (3 شهداء وعدد من الجرحى)، وعيترون (عدّة جرحى)، وعيناتا (شهيد وجريح)، ومنزل في الخيام (شهيد)...
-    استهدف بالمسيّرات عددًا من دراجات وسيارات المدنيين، ومنها: سيارة في مجدل زون (3 جرحى بينهم طفل)، وبيت ليف (شهيد وعدّة جرحى)، وبنت جبيل (شهيد)، وسيارة أخرى قرب حاجز الجيش استهدفها بصاروخين (شهيد و4 جرحى)، وسيارة في منطقة الخردلي (شهيد)، ومجدل زون، ودراجة نارية في بلدة دير سريان... كما استهدف خراج بلدة شبعا بمسيّرة أطلقت صاروخين (شهيد وجريح).
-  أطلقت قوات العدو قنابل صوتية على عدد من المنازل في بلدة عيترون (عدد من الجرحى)، ومجدل زون... وأطلق الرصاص مستهدفًا المنازل في كلّ من قرى: مارون الراس، وبنت جبيل، وبني حيّان، وشيحين، وشمع، وعيترون، ومجدل زون، والناقورة…
-  دخلت قوة مؤلّلة من العدو إلى بلدة المجيدية حيث اعتقلت مواطنَين لبنانيَين من بلدة عين قنيا قبل أن تنسحب، كما اعتقلت مواطنًا في وادي الحجير بعد أن أطلقت عليه النار.
 
4 – قتل عسكريين لبنانيين والنيل من السيادة اللبنانية
لم تقتصر اعتداءات قوات العدو على المدنيين، بل طالت عمدًا أفراد وآليات الجيش اللبناني، ومن هذه الاعتداءات:
-استهداف جرافة عسكرية قرب حاجز الجيش في بلدة حوش السيد علي في قضاء الهرمل، ما أدّى إلى جرح أحد الجنود.
-استهداف العنصر في أمن الدولة مهدي خريس بصاروخ أطلقته مسيّرة ما أدّى إلى استشهاده.
-عمدت جرافات الاحتلال، بحمايات الدبابات، إلى رفع سواتر ترابية على الطريق بين شبعا وبركة النقّار بهدف قطع الطريق على الجيش ومنعه من العودة إلى موقعه السابق في بركة النقّار.
-إطلاق النار باتجاه دورية مشتركة من الجيش اللبناني واليونيفل خلال محاولتها فتح الطريق العام في عيترون.
-جرف حاجز للجيش اللبناني في الناقورة.
-رفع الأعلام "الإسرائيلية" على مركز الجيش اللبناني في تلّة العويضة.
 
كما لم يتوقّف طيران العدو الحربي والمسيّر عن خرقه للأجواء اللبنانية ليلًا ونهارًا. ولا تقتصر حركة الطائرات على أجواء الجنوب، بل تتواصل فوق مختلف المناطق اللبنانية وصولًا إلى أجواء العاصمة بيروت فإلى الحدود مع سوريا. وتكاد تكون هذه الحركة مستمرّة على مدى 24 ساعة في اليوم.
 
ثانيًا – في القانون
1 – على مستوى إعلان وقف إطلاق النار
شكّلت الاعتداءات "الإسرائيلية" المذكورة أعلاه خروقًا فاضحة لإعلان وقف إطلاق النار، كالآتي:
 
-لم تتقيّد "إسرائيل" بما نصّت عليه الفقرة رقم 1 من الإعلان لجهة وجوب تنفيذ "...وقف الأعمال العدائية ابتداءً من الساعة 04:00 (بتوقيت "إسرائيل"/شرق أوروبا) في 27 نوفمبر 2024..."، بل ما تزال تواصل أعمالها العدائية حتى الآن.
 
-كما لم تتقيّد بنص الفقرة 2 منه التي شدّدت على أنّه اعتبارًا من الوقت المشار إليه أعلاه "... لن تنفّذ "إسرائيل" أي عمليات عسكرية هجومية ضد أهداف لبنانية، بما في ذلك الأهداف المدنية والعسكرية، أو أي أهداف أخرى تابعة للدولة، في أراضي لبنان، سواء برًا أو جوًا أو بحرًا". غير أن الواقع أثبت أنّ هذه العمليات الهجومية لم تتوقّف يومًا سواء ضدّ الأهداف المدنية أو العسكرية التي استمرت برًا وجوًا.
 
-شكّلت الاعتداءات أيضًا خرقًا للفقرة 3 من الإعلان التي ألزمت العدو "...باتّخاذ الخطوات اللازمة نحو تنفيذ... (القرار 1701) بالكامل دون أيّ انتهاك". إذ أنّ مجرّد انتهاك إعلان وقف إطلاق النار يشكّل انتهاكًا للقرار 1701 نفسه.
- وانتهكت الفقرة 4 التي تتيح لكلّ من "إسرائيل" ولبنان "...ممارسة حقّهما الطبيعي في الدفاع عن النفس..."، إذ لم يعمد لبنان بعد إعلان وقف إطلاق النار إلى أي عمل هجومي ضد "إسرائيل" يمكّنها من التذرع بالدفاع عن النفس.
 
-أعاقت الانتهاكات "الإسرائيلية" تنفيذ الفقرة 8 التي تمكّن لبنان من نشر قوة عسكرية في جنوب لبنان في أسرع وقت ممكن، إذ أنّ الاعتداءات "الإسرائيلية" على الجيش تقف عائقًا أمام انتشاره.
 
-خرقت "إسرائيل" البند أ من الفقرة 9 التي ورد فيها "ستتعاون "إسرائيل" ولبنان مع الآلية (اللجنة) وستُسهّل عملها، مع ضمان سلامة أفرادها"، وقد بينّا آنفًا أنّ "إسرائيل" أطلقت النار على دورية مشتركة للجيش واليونيفيل، كما أنّها منذ بداية الحرب على لبنان استهدفت وحدات اليونيفيل مرّات عديدة وأوقعت في صفوفها إصابات.
-أرهبت قوات الاحتلال المواطنين اللبنانيين بل وقتلهم عمدًا لمنعهم من العودة إلى قراهم وبيوتهم خرقًا للفقرة الأخيرة من الإعلان التي جاء فيها أنّ الالتزامات الواردة في الإعلان هدفها تمكين المدنيين على جانبي الخط الأزرق من العودة بأمان إلى أراضيهم وبيوتهم.
 
استنادًا إلى المبادئ العامة يعتبر "إعلان وقف إطلاق النار" بين المتحاربين "هدنة"، ويتبيّن من "الإعلان" أنّ هذه الهدنة شاملة، ووفقًا للمادة 36 من اتفاقية لاهاي (1907) الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البريّة "تعلّق اتفاقيات الهدنة عمليات الحرب...". وإذا كانت "الهدنة شاملة تعلّق عمليات الحرب في كل مكان بين الدول المتحاربة..." (المادة 37). وشدّدت المادة 40 من الاتفاقية عينها على أنّ "كلّ انتهاك جسيم لاتفاقية الهدنة من قِبل أحد الأطراف يعطي للطرف الآخر الحقّ في اعتبارها منتهية بل واستئناف العمليات العدائية في الحالة الطارئة". وأضافت المادة 41 "إنّ خرق شروط الهدنة من طرف أشخاص بحكم إرادتهم، يعطي الحق في المطالبة بمعاقبة المخالفين ودفع تعويض عن الأضرار الحاصلة إن وجدت".
 
تبعًا لما تقدّم، فإنً "إسرائيل" تتحمّل مسؤولية خرقها المتكرّر لإعلان وقف إطلاق النار، كما تتحمّل اللجنة المشرفة على مراقبته المسؤولية عن عدم منعها وتصديها لهذه الخروقات. ويكون للبنان الحق في اعتبارها منتهية واستئناف العمليات العسكرية ضد العدو ومطالبته بمعاقبته وإلزامه بدفع التعويض عن كل الأضرار التي أحدثها.
 
2 – على مستوى القوانين والمواثيق الدولية
إنّ ما ورد آنفًا بشأن الاعتداءات "الإسرائيلية" على لبنان لا تشكّل خروقًا لإعلان وقف إطلاق النار والقرار 1701 فحسب، بل أنّها جرائم خطيرة تشكّل امتدادًا للجرائم التي ارتكبتها خلال عدوانها على لبنان، وبالتالي فإنّها تخالف القوانين والمواثيق الدولية. وفي طليعة هذه المواثيق ميثاق الأمم المتحدة وقراراتها، ونظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية. إذ من المعروف أنّ اختصاص هذه المحكمة يشمل الجرائم الأربع الخطيرة وهي: جريمة العدوان، والجرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم الحرب، وجريمة إبادة جنس بشري Genocide. واستنادًا إلى ما عرضناه أعلاه تكون ارتكابات العدو خاضعة لاختصاص المحكمة الجنائية كما يأتي:
أ - جريمة العدوان
وفقًا للمادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة "يمتنع أعضاء الهيئة جميعًا في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتّفق ومقاصد الأمم المتحدة". وهكذا، فإنّ أيّ تهديد باستعمال القوة أو استخدامها فعلًا ضدّ دولة أخرى يشكل عدوانًا يتناقض مع مقاصد الأمم المتحدة.
وقد عرّف النظام الأساسي للمحكمة العدوان، وفقًا للقرار رقم 3314 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974، بأنّه "استعمال القوة المسلّحة من قِبل دولة ضدّ سيادة دولة أخرى...". ومن الأعمال التي تشكّل عدوانًا استنادًا لهذا القرار: قيام دولة ما بغزو دولة أخرى أو احتلالها عسكريًا، ولو كان الاحتلال مؤقتًا... وقيام القوات المسلحة لدولة ما بقصف إقليم دولة أخرى بالقنابل...وقيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة قوات دولة أخرى...
وهذا بالفعل ما قامت به "إسرائيل"، ليس فقط خلال عدوانها على لبنان، بل حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار.
أمّا المادة 9 من معاهدة البلدان الأميركية للمساعدة المتبادلة (1947) فقد عرّفت "العدوان" بأنه:
1. هجوم مسلّح من غير استفزاز من جانب دولة على أراضي أو شعب دولة أخرى...
2. غزو القوات المسلّحة لدولة ما لأراضي دولة أميركية أخرى.
وتنص المادة 21 من ميثاق منظمة الدول الأميركية على أنّ "أراضي دولة ما مصونة لا تنتهك؛ ولا يجوز أن تكون، ولا حتى مؤقتًا، موضع احتلال عسكري". وبالتالي، فإنّ انتهاك أراضي دولة ما، أو احتلالها، وإن مؤقتًا يشكل جريمة العدوان، وهذا ما ارتكبته قوات الاحتلال "الإسرائيلي".
 
ب - الجرائم ضدّ الإنسانية
حدّدت الفقرة (1) من المادة 7 من نظام روما الأساسي الأفعال التي تشكّل "جريمة ضدّ الإنسانية" متى ارتُكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجّه ضدّ أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم، ومن هذه الأفعال:
-القتل العمد.
– إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان.
 
– اضطهاد أية جماعة محدّدة أو مجموع محدّد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية...
– الإخفاء القسري للأشخاص.
ومن خلال ما عرضناه من أعمال قتل ارتكبتها قوات الاحتلال بعد إعلان وقف إطلاق النار، يتبيّن أنّ جميعها قد جرى عمدًا من خلال الاستهداف المباشر للمدنيين في منازلهم أو داخل سياراتهم أو على دراجاتهم، وهو ما يشكّل "جريمة ضدّ الإنسانية".
 
ج - جرائم الحرب
وفقًا للمادة 8 من نظام روما الأساسي فإنّ جرائم الحرب هي التي "ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم. ومن هذه الجرائم: القتل العمد، وإلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات... دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرّر ذلك...، والإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع" (1 و4 و7 من البند أ من الفقرة 2 من المادة 8). و "تعمّد توجيه هجمات ضدّ المدنيين الذين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية، وتعمّد توجيه هجمات ضدّ... وحدات أو مركبات مستخدمة في مهام... حفظ السلام عملًا بميثاق الأمم المتحدة...، ومهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافًا عسكرية بأية وسيلة كانت، وقيام دولة الاحتلال على نحو مباشر أو غير مباشر،... بإبعاد سكان الأرض المحتلة...، تعمّد توجيه هجمات ضدّ المباني المخصّصة للأغراض الدينية...، قتل أفراد منتمين إلى دولة معادية أو جيش معاد أو إصابتهم غدرًا... (1 و3 و5 و8 و9 و11 من البند ب من الفقرة 2 من المادة 8)".
بالعودة إلى وقائع الخروقات "الإسرائيلية" المبيّنة أعلاه نجد أنّ قوات العدو كرّرت ارتكاب ما لا يقل عن 9 جرائم من جرائم الحرب الخطيرة التي حظرها نظام روما الأساسي والمواثيق الدولية.
 
د - جريمة إبادة جنس بشري Genocide
عرّفت المادة الثانية من اتفاقية "منع جريمة إبادة جنس بشري والمعاقبة عليها" (1948) هذه الجريمة بأنّها أيّ من الأفعال المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، ومن هذه الأفعال:
أ – قتل أعضاء من الجماعة.
ب – إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
ج – إخضاع الجماعة، عمدًا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا .
والقتل المقصود في هذين النصّين هو ليس "جريمة القتل الجماعي التي تتطلّب ارتكاب أعمال عنيفة تتسبّب في وفاة عدد كبير من الأفراد، فعلى العكس من ذلك يمكن اعتبار الفعل جريمة إبادة جنس بشري حتى لو لم يتضمّن السلوك المدان فعلًا مميتًا" .
وبالتالي، فإنّ جريمة إبادة جنس بشري تكون مرتكبة إذا توفّر فيها عنصران في وقت واحد، الأول هو القصد الخاص بتدمير جماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه كليًا أو جزئيًا. والعنصر الثاني هو ارتكاب أي من الأفعال المحظورة ضدّ أيّ عضو في مجموعة محمية .
والقصد هنا هو النية المحددة لتدمير مجموعة محمية كليًا أو جزئيًا... والجاني لا يحتاج بالضرورة إلى النجاح في محاولته... إنّ ما يلزم لاعتبار الجريمة مرتكبة هو مجرّد ارتكاب فعل محظور ضدّ جزء كبير من المجموعة المحمية بهدف تدمير تلك المجموعة، وإنّ اشتراط توجيه قصد إبادة جنس بشري "ضدّ جماعة قومية أو إثنية أو دينية بحدّ ذاتها، يعني أنّ الضحية يتم اختياره ليس على أساس خصائصه الفردية أو هويته، بل بسبب عضويته في واحدة على الأقل من هذه الجماعات".
أمّا على صعيد العنصر الثاني، أي السلوك، فإنّ الفعل الفردي الموجّه ضدّ عضو واحد من المجموعة المختارة، مع توفّر القصد المطلوب، قد يشكّل إبادة جنس بشري ضدّ المجموعة بأكملها. وذلك لأنّ القصد من تدمير مجموعة محمية كليًا أو جزئيًا هو القوّة الدافعة وراء ارتكاب الفعل الجرمي .
ويدخل ضمن فعل الإخضاع الوارد في الفقرة (ج) من المادة الثانية من الاتفاقية، الترحيل والحرمان المتعمّد من الموارد التي لا غنى عنها لبقاء المجموعة مثل الطعام والملابس والمأوى .
وبالعودة إلى ما ارتكبته قوات الاحتلال بعد إعلان وقف إطلاق النار من قتلها عمدًا لأفراد من الطائفة الشيعية لكونهم ينتمون إلى هذه الطائفة وإلحاقها بهم أضرارًا جسدية وروحية خطيرة، وإخضاعهم لظروف الترحيل القسري وحرمانهم من المأوى... تكون قد ارتكبت بحق هذه الجماعة جريمة إبادة جنس بشري.