• اخر تحديث : 2025-04-22 14:32
news-details
قراءات

في أبريل 2025، بلغت العلاقات الفرنسية-الجزائرية إحدى أخطر محطاتها منذ عقود، بعد أن أعلنت الجزائر طرد 12 موظفاً دبلوماسياً فرنسياً، وذلك يوم 13 أبريل 2025، ردّت عليها باريس بإجراء مماثل شمل طرد دبلوماسيين جزائريين وذلك في 15 أبريل 2025، واستدعاء السفير الفرنسي في الجزائر. جاءت هذه الخطوة التصعيدية عقب توقيف القضاء الفرنسي موظفاً قنصلياً جزائرياً على خلفية قضية اختطاف المعارض الجزائري أمير بوخرص في فرنسا، الأمر الذي اعتبرته الجزائر انتهاكاً سافراً للامتيازات الدبلوماسية. وبينما شدد وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو على أن القضاء مستقل في فرنسا ولا يرتبط بالقرار السياسي، اتهمت الجزائر وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو بـتخريب مسار التهدئة بين الدولتين. وهكذا عادت العلاقة بين البلدين إلى مربع التأزم، مما يطرح تساؤلات جوهرية حول قدرة الطرفين على تجاوز حلقات القطيعة المتكررة.

أزمات متواصلة
 
شهدت العلاقة بين باريس والجزائر تصعيداً جديداً بفعل تراكم ملفات سياسية وقضائية حساسة فجّرت خلافات دفينة بين الطرفين:
 
1- توقيف موظف القنصلية الجزائرية في فرنسا: تفجّرت الأزمة الأخيرة بين فرنسا والجزائر إثر توقيف الشرطة الفرنسية عضواً في القنصلية الجزائرية بمدينة كريتاي Créteil، وذلك على خلفية تورطه المفترض في اختطاف المعارض الجزائري أمير بوخرص. هذا التوقيف الذي تم في سياق تحقيق قضائي مستقل، أثار سخط السلطات الجزائرية التي اعتبرته انتهاكاً سافراً للامتيازات الدبلوماسية، وخرقاً لأعراف العلاقات الدولية المعمول بها. رأت الجزائر في هذا الإجراء استعراضاً عدائياً، يهدف في حقيقته إلى تقويض مسار التقارب الذي بدأ على إثر مكالمة بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في نهاية مارس 2025. كما اعتبرته السلطات الجزائرية سابقة خطيرة تهدد استقرار العلاقات الثنائية وتفتح الباب أمام تصعيد متبادل، خصوصاً أن فرنسا لم تُطلع الجزائر مسبقاً عبر القنوات الدبلوماسية الرسمية، مما شكّل صدمة سياسية عميقة في الجزائر، وطرح تساؤلات حول نوايا باريس.
 
2- فشل التنسيق في ملف الجزائريين الخاضعين لأوامر الترحيل: يشكّل ملف الجزائريين الصادر بحقهم أوامر طرد من فرنسا أحد أبرز العوامل المتكررة للتوتر بين العاصمتين. فقد أبدت الجزائر منذ سنوات تحفظها على استعادة عدد كبير من رعاياها، مبررة ذلك إما بعدم استيفاء الإجراءات القانونية أو بانعدام الضمانات المتعلقة بمحاكمات عادلة لهؤلاء الأفراد عند عودتهم. في المقابل، ترى السلطات الفرنسية أن رفض الجزائر التعاون في هذا الملف يمسّ بسيادة باريس وقدرتها على تطبيق قوانين الهجرة على أراضيها. وقد تصاعد التوتر في مطلع عام 2025 عندما رفضت الجزائر استقبال قائمة فرنسية تضم 58 جزائرياً مصنفين كخطيرين أمنياً، وهو ما اعتبرته باريس تقويضاً للعلاقة الثنائية ودافعاً لاتخاذ إجراءات أكثر تشدداً، مثل تقليص عدد التأشيرات وإيقاف بعض الامتيازات الدبلوماسية​​.
 
3- الموقف الفرنسي من قضية الصحراء: يُعد الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على الصحراء المغربية بمثابة نقطة فاصلة في توتر العلاقة مع الجزائر. فحينما أعلن الرئيس ماكرون هذا الموقف في يوليو 2024، رأت فيه الجزائر قطيعة مع مواقف فرنسا التاريخية المتوازنة السابقة وانحيازاً صريحاً لصالح المغرب. هذا التحول المفاجئ في السياسة الفرنسية أثار استياءً واسعاً لدى السلطات الجزائرية، التي تعتبر ملف الصحراء امتداداً لصراعها الجيوسياسي مع الرباط، وموضوعاً سيادياً لا يقبل التهاون. بل إن هذا الموقف أُدرج في الخطاب الرسمي والإعلامي الجزائري كأحد أبرز مسببات العداء الفرنسي، وهو ما أفضى لاحقاً إلى تجميد برامج تعاون عديدة، وعلّق لقاءات سياسية كانت مقررة بين الجانبين​​.
 
4- اعتبار الجزائر قرار توقيف موظفها القنصلي ذا صبغة سياسية: رغم أن الحكومة الفرنسية تؤكد على استقلالية القضاء، ترى الجزائر أن قرار توقيف موظفها القنصلي لم يكن معزولاً عن السياق السياسي الأوسع. فقد اعتبرته الجزائر بمثابة استهداف سياسي مغلف بالقانون، ووسيلة للضغط عليها من قبل بعض الأجنحة داخل الحكومة الفرنسية، خاصة اليمين الذي يدير وزارة الداخلية. وذهب الإعلام الرسمي الجزائري إلى اعتبار هذه الخطوة محاولة متعمدة لتقويض جهود التقارب الأخيرة بعد زيارة وزير الخارجية الفرنسية إلى الجزائر في 6 أبريل 2025، وإعادة العلاقات إلى مربع التوتر. كما اتهمت الجزائر فرنسا بالتواطؤ مع المعارضين الجزائريين في الخارج، خصوصاً أولئك الذين يستخدمون المنصات الرقمية لانتقاد النظام الجزائري.
 
5- تأثير قضية المعارضين والملاحقات عبر الحدود: تفاقمت الشكوك الفرنسية من نشاط الجزائر الاستخباراتي داخل أراضيها، عقب سلسلة من العمليات التي طالت معارضين جزائريين يقيمون في فرنسا. وبحسب السلطات الفرنسية تشمل هذه العمليات اختطافات وتهديدات ومحاولات تجنيد عملاء للحصول على بيانات حساسة. وتؤكد التقارير أن عناصر تابعة للسفارة أو القنصليات الجزائرية في فرنسا كانت في بعض الحالات طرفاً مباشراً في التخطيط أو التنفيذ، كما حصل في قضية محاولة اختطاف الصحفي هشام عبود. مثل هذه العمليات، وإن لم تكن موثقة بشكل قاطع، أثارت قلقاً واسعاً في الأوساط الأمنية الفرنسية، ودفعت باريس إلى تعزيز رقابتها على أنشطة البعثات الدبلوماسية الجزائرية.
 
6- الانعكاسات السلبية للتصعيد الإعلامي المتبادل: بموازاة التصعيد الدبلوماسي، اشتعلت الجبهات الإعلامية والسياسية بين الطرفين، وشن الإعلام الجزائري حملة غير مسبوقة على وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو، واصفاً إياه بـالمتطرف العنصري والعدو الأول للجزائر، بينما ارتفعت في فرنسا أصوات من اليمين تعتبر ماكرون ضعيفاً ومتهاوناً مع النظام الجزائري. هذا التوتر الإعلامي غذّته الخلافات الحزبية الداخلية داخل فرنسا، حيث استُخدم ملف العلاقات الثنائية كأداة انتخابية أو لتصفية الحسابات. وبدل أن تتحول العلاقات إلى ساحة للتعاون الاستراتيجي، أصبحت رهينة مزايدات داخلية، ما جعلها عرضة لأي تطور طارئ، حتى ولو كان بسيطاً.
 
7- انتقادات فرنسية لاعتقال الكاتب بوعلام صنصال في الجزائر: أحد المحاور الأساسية لتجدد التوتر بين باريس والجزائر تمثل في اعتقال الكاتب الجزائري بوعلام صنصال منتصف نوفمبر 2024 أثناء وجوده في الجزائر، وذلك على خلفية تصريحاته في الصحافة الفرنسية حول الحدود الجزائرية–المغربية التي كانت أقرب لوجهة النظر المغربية، في توقيت اعتُبر مستفزاࣧ للسلطات الجزائرية. وردت السلطات باعتقال صنصال واتهامه بالإساءة إلى مؤسسات الدولة والحكم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات، ما أثار استنكاراً واسعاً في الأوساط الفرنسية، لا سيما أن صنصال يحمل الجنسية الفرنسية ووضعه الصحي غير مستقر. وقد أبدى الرئيس ماكرون تفاؤله بإمكانية الإفراج عنه، لكن الأزمة الدبلوماسية المتجددة نسفت هذا المسار.
 
تداعيات الأزمة
 
أفرزت الأزمة الدبلوماسية المتصاعدة سلسلة من التداعيات الخطيرة مست قطاعات الأمن، والهجرة، والصورة الدولية لكل من فرنسا والجزائر:
 
1- اندلاع حرب دبلوماسية متبادلة بطرد السفراء والموظفين: أدى القرار الجزائري بطرد 12 موظفاً تابعين لوزارة الداخلية الفرنسية من أراضيها إلى اندلاع مواجهة دبلوماسية مباشرة، وردّت باريس بإجراءات مماثلة شملت طرد 12 عنصراً من البعثات القنصلية الجزائرية في فرنسا، إضافة إلى استدعاء السفير الفرنسي في الجزائر للتشاور. ورغم أن باريس بررت ردها بأنه تدبير متناسب، إلا أن هذه الخطوة وضعت العلاقات الثنائية في أخطر مستوياتها منذ عقود، وعبّرت عن انهيار كامل في الثقة السياسية. من جانبها، وصفت الجزائر عملية التوقيف التي سبقت الطرد بـالإهانة العلنية؛ حيث تمت عملية إلقاء القبض على الموظف القنصلي بشكل علني ومن دون المرور عبر القنوات الدبلوماسية، وترتقي هذه العملية -بحسب وجهة النظر الجزائرية الرسمية- إلى مستوى المؤامرة القانونية؛ حيث إن توقيف هذا الموظف يستند فقط إلى وجود عنوان المعارض الجزائري أمير بوخرص داخل هاتفه المحمول. بينما رأت باريس في الرد الجزائري تصعيداً غير مبرر تجاه إجراء قضائي مستقل لا علاقة للسلطة التنفيذية به، ما عمّق منسوب التوتر وجمّد فعلياً المساعي السابقة للتهدئة​​.
 
2- تجميد التعاون الأمني والتنسيق في ملفات الهجرة والإرهاب: كان من أول تداعيات الأزمة توقف أو تجميد آليات التعاون الأمني بين البلدين، خاصة فيما يخص تبادل المعلومات حول الجماعات المتطرفة والإرهاب العابر للحدود، وهي ملفات كانت تُدار سابقاً عبر قنوات رفيعة بين الأجهزة الأمنية في باريس والجزائر. ويظهر ذلك من خلال أن الدبلوماسيين الفرنسيين الذين طُردوا من الجزائر يتبعون لوزارة الداخلية الفرنسية، وكانوا يعملون أساساً في قضايا مكافحة الإرهاب والهجرة السرية بالتعاون مع الشرطة المحلية، مما أفقد الجانب الفرنسي ذراعاً أساسية على الأرض الجزائرية. ومع تعليق هذا التعاون، بات من الصعب على باريس تنفيذ سياساتها للحد من الهجرة أو منع التسلل الأمني أو إعادة رعايا الجزائر غير النظاميين. وفي هذا السياق، عبّر وزير الداخلية الفرنسي ريتايو عن قلقه من تحوّل الأراضي الفرنسية إلى ساحة مفتوحة أمام نشاط استخباراتي جزائري غير متعاون.
 
3- تصاعد الانتقادات الداخلية لماكرون من قبل خصومه: في الداخل الفرنسي، اعتُبرت الأزمة الأخيرة بمثابة ضربة سياسية لخط الرئيس ماكرون الذي راهن على التهدئة مع الجزائر منذ توليه السلطة عام 2017. وقد انتقد خصوم ماكرون في اليمين واليمين المتطرف ما وصفوه بـالانبطاح السياسي، محملين الحكومة مسؤولية سوء التقدير في التعامل مع الجزائر. وظهرت نبرة قوية لدى سياسيين مثل جوردان بارديلا ولوران فوكييه الذين وصفوا الطرد المتبادل بأنه إذلال للدولة الفرنسية، مطالبين بإعادة تقييم شاملة للعلاقة مع الجزائر ولا سيما في ملفات الهجرة والتعاون الأمني، ولسياسة "الاستجابة المتدرجة" التي تنتجها الحكومة الفرنسية مع الجزائر. كما اعتبر آخرون أن موقف ماكرون في الأسابيع الأخيرة المؤيد لإبداء المرونة مع الجزائر عبر وزارة الخارجية الفرنسية وعبر انتهاج الدبلوماسية الصبورة والسرية، يعكس تخبطاً استراتيجياً في قصر الإليزيه، وفشلاً في إدارة أحد أكثر الملفات حساسية في العلاقات الخارجية الفرنسية.
 
4- تزايد الجدل حول وضع المعارضين الجزائريين في فرنسا: فتح الكشف عن تفاصيل عملية اختطاف أمير بوخرص ملفاً أكبر يتعلق بأمن المعارضين الجزائريين في فرنسا، إذ ظهر أن العديد منهم يتعرضون لمضايقات وتهديدات جسدية وإعلامية وحتى محاولات اختطاف. وقد أفاد عدد من المعارضين بتعرضهم لهجمات نفذها عناصر يُشتبه في انتمائهم إلى أجهزة جزائرية. هذا الجو من التهديد المنظم يعكس مدى تدهور الأمان الشخصي الذي كان هؤلاء المعارضون يعتقدون أنهم يتمتعون به في فرنسا، ويطرح إشكاليات حقوقية حرجة أمام باريس التي تجد نفسها عاجزة عن التحرك المسبق أمام عمليات خفية تُنسب لجهاز خارجي.
 
5- إجهاض المشاريع الاقتصادية والتجارية المشتركة: إن القطيعة الدبلوماسية التي فرضها التصعيد الأخير يمكن أن تتسبب بتجميد فعلي لعشرات المشاريع الاقتصادية التي كانت قيد التحضير بين باريس والجزائر، سواء في قطاع الطاقة أو البنية التحتية أو التعليم العالي. فقبل الأزمة الدبلوماسية الأخيرة بأيام، كانت وفود اقتصادية تستعد لإبرام اتفاقيات كبرى كمجموعة CMA-CGM التي يرأسها رودولف سعادة Rodolphe Saadé المقرب من ماكرون، والذي كان يسعى لأن تصبح شركته اللاعب الرئيسي للشحن البحري في الجزائر. وتسعى فرنسا للحفاظ على موقعها في السوق الجزائرية، خصوصاً بعد أن بدأت تميل لصالح الشركاء الآسيويين والروس. إن الطرد المتبادل للدبلوماسيين وانهيار جسور الثقة ممكن أن يمثّل خسارة استراتيجية لفرنسا التي باتت ترى الجزائر تتجه شرقاً. ومن جانبها، ستعمد الجزائر إلى توظيف هذا التوتر لتعزيز خطابها السيادي اقتصادياً، والترويج لاستبدال الشريك الفرنسي ببدائل أكثر احتراماً لسيادتها.
 
6- عودة الذاكرة التاريخية كأداة صدام بين الدولتين: رغم الطابع الأمني الظاهر للأزمة الأخيرة، فإنها قد تعيد تفعيل البُعد الرمزي والذاكري في العلاقة الفرنسية–الجزائرية، حيث ظهرت مؤشرات واضحة على عودة الخطابات المشحونة بإرث الاستعمار والكرامة الوطنية. فقد وصف المسؤولون الجزائريون توقيف موظفهم القنصلي بأنه فعل مهين يهدف إلى إذلال الجزائر والنيل من سيادتها، مما أضفى على الأزمة بُعداࣧ سيادياࣧ يتجاوز البعد القضائي. في المقابل، ليس مستبعداࣧ عودة النقاشات الفرنسية، خاصة في الأوساط الإعلامية والسياسية اليمينية، التي تلوح بإرث العلاقة الاستعمارية والمآخذ على توظيف الجزائر للذاكرة كأداة تفاوض سياسي. هذا الإرث التاريخي، الذي يُستحضر عند كل منعطف أزمة، يُعقّد من إمكانية بناء علاقة عقلانية تقوم على المصالح المشتركة، ويؤكد أن التاريخ لا يزال حاضراࣧ كقوة مؤثرة في توجيه العلاقات الفرنسية الجزائرية.
 
7- تضرّر الصورة الخارجية لفرنسا كدولة مؤسسات: أحد أخطر تداعيات الأزمة يكمن في الأثر الذي قد يطال صورة فرنسا على الساحة الدولية، خاصة فيما يتعلق بمبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء. فالجزائر، من خلال خطابها الرسمي والإعلامي، صوّرت توقيف موظفها القنصلي في كريتاي على أنه قرار سياسي مقنّع، متهمة وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، بأنه المحرّك الأساسي خلف العملية، رغم كونه نابعاً من سلطة قضائية مستقلة. هذا الاتهام وضع باريس في موقع دفاعي حرج، وفرض على الإليزيه ووزارة الخارجية توضيحات متكررة تؤكد على أن الجهاز القضائي الفرنسي يعمل بمنأى عن السلطة التنفيذية. غير أن هذه التوضيحات الفرنسية بشأن استقلال القضاء لم تُنهِ الجدل خارج فرنسا، إذ أُثيرت في بعض الأوساط تساؤلات حول ازدواجية المعايير، وذهب البعض إلى المقارنة بين سرعة التحرك القضائي في هذه القضية وبين حالات أخرى، حيث لم تُسجّل نفس الحماسة لدى القضاء الفرنسي، ما غذّى انطباعاࣧ بأن مؤسسات الدولة قد تكون انتقائية تبعاࣧ للحسابات السياسية أو الدبلوماسية.
 
8- تصدّع التوازن داخل الحكومة الفرنسية حول كيفية التعامل مع الجزائر: من أبرز تداعيات الأزمة الأخيرة أنها قد تعمّق الانقسام داخل الإدارة الفرنسية نفسها، حيث برز تعارض جلي بين نهج وزارة الخارجية القائم على الحوار والاحتواء واليد الممدودة، وتمسّك وزارة الداخلية بما سمّته "الرد بلغة القوة". ففي حين حاول وزير الخارجية جان-نويل بارو تهدئة التوترات عبر تصريحاته من مارسيليا في 16 أبريل 2025 الموجهة للجزائريين والفرنسيين من أصول جزائرية، كان وزير الداخلية برونو ريتايو يدفع في اتجاه التلويح بفرض قيود أكثر صرامة على منح التأشيرات للجزائريين وفتح ملف مراجعة اتفاق 1968 المتعلق بالهجرة، في حال استمرار رفض الجزائر استقبال مواطنيها المرحلين من فرنسا. ومع تصاعد الأزمة، بدا أن الخط المتشدد يفرض نفسه داخل القرار الفرنسي، ما قد يضعف فعلياً قدرة الخط الدبلوماسي على الاستمرار، وهو ما قد يدفع الإليزيه إلى إنهاء مرحلة "سياسة اليد الممدودة".
 
ختاماً، تؤكد الأزمة الأخيرة أن العلاقات الفرنسية–الجزائرية لا تزال رهينة دورات متكررة من التوتر والانفراج، دون إطار مستدام يضمن استقرارها. فالتشابك بين الملفات الأمنية والتاريخية والهوياتية يجعل من أي حادث عرضي شرارة لأزمة شاملة. كما أن توظيف هذه العلاقة في النزاعات السياسية الداخلية بالبلدين يعمّق هشاشتها ويُقوّض فرص التهدئة. وفي ظل التنافس الدولي المتزايد على النفوذ في الجزائر، فإن الموقع الفرنسي يضعف أكثر كلما طال أمد القطيعة مع الجزائر. فهل ينجح الطرفان في كسر منطق التصعيد المتبادل قبل أن تفقد العلاقة معناها الاستراتيجي؟