أثار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، منذ عودته مجدداً إلى البيت الأبيض، في ولايته الثانية، الكثير من الجدل؛ بسبب طبيعته المتقلبة، ولغته الصارخة، وتحركاته غير المتوقعة، وتطلعه لتحقيق إنجازات سريعة. وهو المشهد الذي حمل انعكاسات واضحة على السياسة الخارجية الأمريكية في ظل تبني ترامب لنهج تصادمي، يهدف إلى كسر الأسس والقواعد والأعراف الدبلوماسية التقليدية. فعلى الرغم من الوعود التي قطعها ترامب بإنهاء الحروب والصراعات في العديد من المناطق حول العالم، ومنها الشرق الأوسط، وتحقيق السلام؛ فإن الأدوات والأنماط الدبلوماسية غير التقليدية التي يوظفها لم تخفق فقط في تحقيق هذا الهدف، وإنما تجاوزت ذلك إلى فرض مجموعة من التأثيرات العميقة على الساحة الدولية.
دبلوماسية غير تقليدية:
تُعد الدبلوماسية ظاهرة معقدة، عرّفها الدبلوماسي والعالم البريطاني، آدم واتسون، بأنها "عملية الحوار والتفاوض التي تُدير بها الدول في نظام ما علاقاتها، وتسعى إلى تحقيق أهدافها بوسائل غير الحرب". واتصالاً بذلك، اعتبر كيران أوميرا، في تحليله المُعنون: "ترامب والدبلوماسية المحطمة والمجتمع الدولي"، والمنشور على منصة (E-International Relations)، في 13 إبريل 2025، أن تسهيل الحوار عبر تعزيز التواصل الرسمي والشرعي، هو ما يمنح الدبلوماسية مكانتها على الساحة العالمية؛ لكنه أشار إلى أن نهج ترامب في الدبلوماسية، الذي غالباً ما يتميز بالتحولات المفاجئة، والاستعراض العلني، ورفض المعايير الإجرائية، يتعارض مع النمط التقليدي للدبلوماسية.
وهذا ما أكده فريد فليتز، الذي عمل في مجلس الأمن القومي الأمريكي خلال الولاية الأولى لترامب، بالقول إن "ترامب قد كسر قواعد مؤسسة السياسة الخارجية". وبدوره، اعتبر إدوارد فرانتز، المؤرخ بجامعة إنديانابوليس الأمريكية، أن نهج ترامب قد لا يكون الطريقة الأكثر عملية لإدارة الدبلوماسية؛ نظراً لأن ترامب لا يضع في اعتباره أن الدبلوماسية قد تكون أشبه بـ"مباراة كرة القدم" التي تحتاج أحياناً إلى التعادل وليس بالضرورة الفوز. واستناداً إلى ذلك، فقد تباينت التحليلات في نظرتها إلى الأدوات والأنماط الدبلوماسية غير التقليدية، التي يستخدمها ويوظفها ترامب بشكل مركب ومتداخل، وهو ما سيجري تفكيكه على النحو التالي:
1- دبلوماسية "السوشيال ميديا": منذ ولايته الأولى، عبّر ترامب عن عداوته لوسائل الإعلام في أكثر من مناسبة، بطريقة عززت بشكل واضح اعتماده على منصات التواصل الاجتماعي، وبالأخص "إكس" (تويتر سابقاً) خلال ولايته الأولى، ومنصة "تروث سوشيال" خلال ولايته الحالية. فلطالما خرج ترامب عن الأعراف السياسية التقليدية من خلال استخدام هذه المنصات في حملاته الانتخابية، واستهداف منافسيه، والترويج لأجندته، وحتى الكشف عن تحركات سياسته الخارجية.
وفي هذا الإطار، يتضح أن توظيف ترامب لدبلوماسية "السوشيال ميديا" قد منحه قدراً كبيراً من حرية التعبير والتصرف خارج الأُطر الدبلوماسية التقليدية، ما ساعده على التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتهديد وابتزاز الخصوم والحلفاء على السواء، بل وعزز قدرته على تغيير سياساته التكتيكية وفقاً لحجم ونوع ردود الفعل الداخلية والخارجية على تغريداته.
وهذا ما علق عليه كينيث وينشتاين، رئيس معهد هدسون الأمريكي، في يونيو الماضي، بالقول إن استراتيجية ترامب على منصات التواصل الاجتماعي تدور حول حاجته إلى "التخلص من الوسطاء"، مضيفاً أن ترامب لا يثق بالبيروقراطية في تلقي رسائله ونقلها، ويمكنه نقلها بصراحة ومباشرة وفي الوقت الفعلي. ويُمثل توظيف ترامب لهذا النمط من الدبلوماسية خلال حرب الـ12 يوماً بين إسرائيل وإيران في يونيو الماضي، مثالاً واضحاً في هذا الصدد؛ إذ وفر منصة مناسبة لإيصال الرسائل السياسية والتلاعب بالتصريحات المتناقضة، وربما ممارسة الإكراه والضغط على إيران.
2- دبلوماسية الصفقات: على عكس العمليات الدبلوماسية التقليدية، يهدف ترامب إلى التوصل إلى حلول سريعة ومكاسب اقتصادية. فقد أوضح كيث كيلوغ، مبعوث ترامب الخاص إلى روسيا وأوكرانيا، في مارس الماضي، أن الرئيس الأمريكي ينتهج الدبلوماسية وينخرط فيها بأسلوب معاملاتي للغاية؛ حيث الاقتصاد هو الأساس والقوة الدافعة للشؤون الدولية. ومن جهته، قال ستيفن والت، أستاذ الشؤون الدولية بجامعة هارفارد، إن "صفقات الأعمال هي منطقة راحة ترامب".
وعلى الرغم من اتجاه جانب من التحليلات إلى اعتبار أن النمط المعاملاتي لترامب يتشابه، إلى حد كبير، مع نهج أسلافه؛ يكمن اختلاف ترامب في تخليه الواضح عن القيم والقواعد والمؤسسية. وهذا ما يمكن استقراؤه من تصريح جيفري غولدبرغ، رئيس تحرير مجلة "أتلانتيك" الأمريكية، في مايو الماضي، بأن ترامب يجسد "المعاملاتية المتطرفة"، مشيراً إلى أنه يعطي الأولوية للصفقات السريعة على حساب الاستقرار طويل الأمد، أو المبادئ الأيديولوجية، أو التحالفات الراسخة.
ومن ثم، فقد اعتبرت بعض التحليلات أن اعتماد ترامب على هذا النمط في سبيل تحقيق إنجازات سريعة قد يضر بشروط الصفقة ويؤدي إلى نتائج هشة. وهذا ما عبّر عنه كوري شاك، الزميل البارز بمعهد "أمريكان إنتربرايز"، في مايو الماضي، قائلاً إن الرغبة في التوصل إلى صفقة جذابة تؤدي إلى التغاضي، أحياناً، عن شروط الصفقة. وهو الأمر الذي تجلى بوضوح في تعامل ترامب مع الحرب الأوكرانية في بداية ولايته؛ إذ أدت رغبته في التوصل إلى اتفاق سلام متعجل، وليس عملية دبلوماسية طويلة الأمد، إلى الضغط على كييف من جانب وتقديم حوافز لموسكو من جانب آخر، مع عدم الاكتراث بالعواقب بعيدة المدى على الأمن الأوروبي.
3- دبلوماسية الكمين: تُعد دبلوماسية الكمين أحد أساليب التفاعل الذي يستند إلى قيام أحد الطرفين باستغلال لقاء ما لوضع الطرف الآخر في موقف ضعف؛ ما يعني أنها طريقة لجر الطرف الأضعف إلى سيناريو يُجبر فيه على التصرف في ظل ظروف معدة مسبقاً دون علمه لتحقيق مكاسب سياسية؛ ومن ثم فإن أسلوب ترامب لا يميل إلى الدبلوماسية التقليدية بقدر ميله إلى الاعتماد بشدة على "قوة التصيد"، والتي تقوم على زعزعة توازن الطرف الآخر، من خلال تحركات وتصريحات غير متوقعة، سعياً وراء مكاسب أو نفوذ.
وفي هذا السياق، لم يعكس اللقاء الذي جمع الرئيس ترامب بنظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في البيت الأبيض، في فبراير 2025، نموذجاً على دبلوماسية الكمين فحسب؛ وإنما كشف أيضاً عن تآكل الأعراف والمعايير الأخلاقية التي تحكم ممارسة الدبلوماسية في صورتها التقليدية. وهو مشهد اعتبره تحليل منشور على موقع "مركز التقدم الأمريكي" (Center for American Progress)، في 24 إبريل الماضي، تحت عنوان: "100 يوم من السياسة الخارجية لإدارة ترامب: فوضى عالمية، وضعف أمريكي، ومعاناة إنسانية"؛ كميناً نُصب للرئيس الأوكراني للضغط عليه للتنازل عن الموارد الأوكرانية في صفقة غير متوازنة.
ويتشابه هذا الموقف مع ما تعرض له رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، أثناء زيارته إلى البيت الأبيض، في مايو الماضي، فقد أوضحت شبكة "سي إن إن" الأمريكية أن ما جرى كان "كميناً مدبراً"؛ حيث أمر الرئيس ترامب بتعتيم الأضواء وعرض فيديو ادّعى أنه دليل على مزاعم "الإبادة الجماعية البيضاء" في جنوب إفريقيا.
4- دبلوماسية الصدمة: يقلب ترامب الأعراف الدبلوماسية رأساً على عقب؛ إذ يُرسي مبدأ الصدمة وعدم اليقين كأساس للدبلوماسية التي يتبناها، والتي تتضمن تهديدات صريحة وضمنية؛ لذا اعتبر يانيس فاروفاكيس، الخبير الاقتصادي ووزير المالية اليوناني السابق، في مايو الماضي، أن العالم يشهد نوعاً جديداً من "التمزق الجيوسياسي" الناتج عما يسميه "صدمة ترامب"، بطريقة تشبه الدمار الذي لحق بالنظام النقدي العالمي على يد الرئيس الأمريكي الأسبق، ريتشارد نيكسون، فيما عُرف بـ"صدمة نيكسون".
وفي هذا الإطار، تجمع سياسة ترامب في الشرق الأوسط مزيجاً من الصدمة وعدم اليقين. فمن ناحية، تُبدي الإدارة الأمريكية الحالية استعدادها للانخراط دبلوماسياً بطرق غير متوقعة، كإجراء محادثات سرية مع حركة حماس أو التوصل إلى اتفاق مع جماعة الحوثيين في اليمن. ومن ناحية أخرى، تفتقر تحركات واشنطن إلى استراتيجية متماسكة ترسم تأطيراً واضحاً لمصالحها وأهدافها في المنطقة، وتحدد الخطوط الرئيسة لتفاعلها مع الحلفاء والخصوم.
واستناداً إلى ذلك، يأتي المقترح الذي أطلقه ترامب بشأن غزة تحت مُسمى "ريفييرا الشرق الأوسط"، كمثال واضح على توظيف دبلوماسية الصدمة؛ لأنه لم يأت فقط مخالفاً للقانون الدولي والأعراف الدولية، وإنما تجاوز ذلك إلى الخروج عن المنطق وتجنب الأسس العقلانية في التعامل مع ملف بهذا القدر من التعقيد، ومع قضية تشهد سنوات ممتدة من الصراع.
5- نظرية "الرجل المجنون": تقوم بعض التحليلات على تفسير ما يقوم به ترامب وفق ما يُسمى بنظرية "الرجل المجنون" التي تبناها الرئيس الأسبق، نيكسون، خلال فترة الحرب الباردة، والتي تقوم على افتراض مفاده أن خوف الخصوم من التصرفات وردود الفعل المتهورة يدفعهم إلى الرضوخ للتهديدات وتجنب المواجهة. وهو ما أشار إليه هيرمان كان، في كتابه "التفكير فيما لا يُصدق"، موضحاً أنه يمكن "التظاهر بالجنون قليلاً" في سبيل حث الخصوم على التراجع. وعلى هذا النحو، اعتبرت عالمة السياسة، روزان ماكمانوس، أن ما يختلف في أسلوب ترامب لتوظيف هذه النظرية مقارنةً بالرؤساء السابقين هو استخدامها ضد الخصوم والحلفاء على حد سواء.
وفي هذا الإطار، ثمة مؤشرات تعكس تعمد ترامب توظيف هذا النمط؛ فعندما سُئل، خلال حملته الرئاسية 2024، عن رد فعله تجاه الحصار الصيني لتايوان، أجاب بالقول إنه لن يضطر إلى ذلك؛ لأن الرئيس الصيني، شي جين بينغ، يحترمه ويعلم تماماً "أنه مجنون". وهي المسألة التي علقت عليها ماكمانوس بالقول إن "ترامب يدرك سمعة جنونه ويرى فيها ميزة".
هذا، وقد انعكست هذه الأداة، بشكل جلي، في عدد من الوقائع، من بينها حديث ترامب عن ضم جزيرة غرينلاند، ربما بالقوة العسكرية إذا احتاج الأمر، ناهيك عن الفوضى التي أحدثها على الساحة الدولية بسبب التعريفات الجمركية التي فرضها في "يوم التحرير".
تأثيرات عميقة:
يُنظر إلى الدبلوماسية، في شكلها التقليدي، بوصفها "فن الغموض أو فن الإشارة إلى النية دون إعلان صريح، وأيضاً استغلال النفوذ دون إظهار الإكراه". وتهدف الجهود الدبلوماسية التقليدية إلى بناء علاقات مستقرة بين الدول، وتفادي التهديدات وعوامل عدم الاستقرار الأخرى. بيد أن ما يجعل نهج ترامب مزعزعاً للاستقرار هو كشفه المتعمد لديناميكيات الدبلوماسية التي تُدار خلف الستار، فضلاً عن إقحامه عنصر الصدمة وعدم اليقين كأساس للدبلوماسية، والذي يشمل تهديدات صريحة وضمنية، سواء أكانت عسكرية أم اقتصادية. وهو المشهد الذي لن يحمل تأثيرات خلال فترة حكم ترامب فقط، وإنما يمكن أن تمتد على المدى الطويل، ومن أبرزها ما يلي:
1- تقويض الدبلوماسية التقليدية: اعتمدت الدبلوماسية تاريخياً على الاحترام المتبادل والتفاوض المنظم؛ لذا فإن اعتماد ترامب على بعض الأدوات والأنماط غير التقليدية قد أسهم في حدوث حالة من الاضطراب في أداء الدبلوماسية التقليدية بطريقة تُوحي بانهيار بعض الأسس والقواعد التي تقوم عليها؛ ومن ثم فإن هذا ربما يصبح نقطة تحول مُحتملة تظهر فيها أنماط جديدة لسلوك الدول؛ مما قد يؤدي إلى إعادة تأطير الدبلوماسية. وهو المشهد الذي سوف يحمل انعكاسات على دور الدبلوماسيين والمؤسسات الدبلوماسية، بل ويجعل عملية صُنع القرار في السياسة الخارجية عُرضة للأهواء والتقلبات الشخصية.
2- اهتزاز مكانة الولايات المتحدة: لطالما سعت واشنطن إلى بلورة صورة قائمة على أنها ليست إمبراطورية بالمعنى التقليدي؛ فالقوة الأمريكية لا تعتمد فقط على القوة الصلبة، وإنما تعتمد أيضاً على قوة وجاذبية القيم والأفكار والمؤسسات؛ ومن ثم فإن الأسلوب الدبلوماسي غير التقليدي لترامب قد يؤدي إلى اهتزاز المكانة الأمريكية. وهذا ما انعكس في تصريح جيفري كاباسيرفيس، نائب رئيس الدراسات السياسية في مركز "نيسكانن" الأمريكي، في إبريل الماضي، بأن أُحادية ترامب وعدم القدرة على التنبؤ بتصرفاته قد زعزعا ثقة العالم بشكل كبير، مشيراً إلى أنه سيُنظر إلى ترامب على أنه "الشخص الذي ارتكب أخطاءً فادحة غير مقصودة أدت إلى نهاية القرن الأمريكي وبداية القرن الصيني". كما لفتت آن رامبرغ، الأمينة العامة السابقة لنقابة المحامين السويدية، وفقاً لتقرير منشور في فبراير الماضي، إلى أن عدم اكتراث الإدارة الأمريكية بالبُعد القيمي قد أسهم في فقدان واشنطن الكثير من سلطتها ومصداقيتها.
3- الإضرار بالعلاقات مع الحلفاء: تبدو السمة البارزة لدبلوماسية ترامب أن أدواته غير التقليدية ليست موجهة لخصومه فقط، وإنما موجهة لحلفائه أيضاً. وهذا ما علق عليه جيفري كاباسيرفيس، قائلاً إن "الولايات المتحدة تدير ظهرها للعالم"، لافتاً إلى أن ترامب يعتقد أن واشنطن قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في كل شيء. وفي هذا السياق، فقد اعتبر ماكس بيرجمان، في تحليله بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)، في 14 فبراير الماضي، أن ما تقوم به إدارة ترامب، مثل التعريفات الجمركية، والإنفاق الدفاعي، وطريقة تسوية الحرب الروسية الأوكرانية؛ سيتسبب في "تغير العلاقات عبر الأطلسي إلى الأبد بطريقة قد تدفع أوروبا إلى رسم مسارها الخاص. وهو المشهد الذي لن يقف بالضرورة عند حدود أوروبا، وإنما سوف يمتد إلى الحلفاء في آسيا وأمريكا اللاتينية، خاصةً مع تغير رؤية الإدارة الأمريكية الحالية لأهمية الحلفاء واستبدالها بمنطق الصفقات التجارية".
4- تهديد النظام الدولي: تُعد الولايات المتحدة هي القوة القائدة لنظام ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ ومن ثم فإن قيام إدارة ترامب بالنيل من أسس وقواعد النظام الدولي، بما فيها الدبلوماسية، يعني تهديد استمرار النظام الدولي والإطار الذي يعمل من خلاله. فقد قال وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، لأعضاء مجلس الشيوخ، خلال جلسة استماع لتأكيد تعيينه، في يناير الماضي، إن "النظام العالمي ما بعد الحرب ليس بالياً فحسب، بل إنه سلاح يُستخدم ضدنا". وفي هذا الإطار، تشير بعض التحليلات إلى خطورة استغلال دبلوماسية ترامب التوسعية، التي كشفت عنها تصريحاته تجاه كندا وغرينلاند وبنما، من قِبل روسيا والصين في إعادة تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ. إضافة إلى ذلك، فإن عداء ترامب للمؤسسية الدولية وخروجه عن الممارسات الدبلوماسية التقليدية؛ قد خلق حالة من فقدان الثقة، وربما الارتياب، في دور المؤسسات الدولية، بل والتشكك في قدرتها على حماية وصيانة مصالح الدول.
5- تعميق حالة اللايقين: يُحفز أسلوب الرئيس ترامب القائم على الخروج عن أسس وقواعد الدبلوماسية التقليدية، والتي تمتد إلى المؤسسية الدولية والنظام الدولي، حالة عدم اليقين على الساحة العالمية. كما تتعمق هذه الحالة بسبب اعتماد ترامب على منطق معاملاتي يتجاهل القيم والقواعد والقوانين، وذلك بالتوازي مع تبني أسلوب قائم على الصدمات لا يراعي الحقائق أو الثوابت أو المدركات. وهذا ما علقت عليه الكاتبة الصحفية سوزان غلاسر، في مجلة (The New Yorker) الأمريكية، في 13 مارس الماضي، بالقول إن حالة عدم اليقين ترجع إلى قيام ترامب بسلسلة من الإجراءات المزعزعة للاستقرار مصحوبة بخطابه التحريضي.
مجمل القول إن الرئيس ترامب يعمل على تجاوز حدود الدبلوماسية التقليدية من خلال توظيف أدوات وأنماط غير تقليدية في سبيل تحقيق أهدافه؛ وهو الأمر الذي يحمل تأثيرات عميقة وانعكاسات حرجة على الساحة العالمية لن تتوقف بالضرورة مع انتهاء ولاية ترامب الثانية، وإنما يُمكن أن تُشكل طابعاً جديداً للعلاقات الدولية بشكل عام، والدبلوماسية على وجه الخصوص.