بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على إطلاق اتحاد المغرب العربي، تعيش المنطقة المغاربية اليوم حالة انقسام عميق. فقد أدّت سلسلة من الأزمات الدبلوماسية والأمنية، من جرّاء التنافس الجزائري - المغربي على الريادة الإقليمية وخلافهما حول مسألة الصحراء الغربية، إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وتزداد حدة الانقسام المغاربي، في ضوء إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية في منطقة الساحل، على وَقْع تحوّلاتٍ في المشهد الجيوسياسي العالمي. فقد تآكلت الهيمنة التقليدية التي مارستها فرنسا وغيرها من الفاعلين التقليديين، في أعقاب سلسلة من الانقلابات العسكرية، وخصوصًا في مالي (2020 و2021)، وبوركينا فاسو (2022)، والنيجر (2023)؛ ما فتح الباب أمام شراكات جديدة، لا سيما مع روسيا، والصين، وتركيا، ودول الخليج.
في ضوء هذه الديناميات الإقليمية والدولية، سلكت كل من الجزائر والمغرب مسارَين متباينَين بحثًا عن تحالفات خارج إطار اتحاد المغرب العربي، تتيح لهما مجالات نفوذ إقليمية بديلة. واستنادًا إلى استراتيجية أفريقية استمرت أزيد من عقد من الزمن، أعلن المغرب في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 عن "المبادرة الأطلسية"، التي تهدف إلى توفير منفذ إلى المحيط الأطلسي لدول الساحل الحبيسة. وبحلول آذار/ مارس 2024، أعلنت الجزائر عن تكتل مغاربي جديد، يجمعها بتونس وليبيا من أجل تعزيز التشاور والشراكة بين الدول الثلاث. ويثير تنافس المغرب والجزائر على طرح مبادرات تستهدف استشراف آفاق الريادة الإقليمية، خارج إطار اتحاد المغرب العربي، تساؤلات بشأن مصير هذه المنظمة من جهة، وعلاقة المنطقة المغاربية بجوارها الأفريقي في ضوء تشابك المصالح والمخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية بينهما من جهة أخرى.