إن الدول الغربية تواصل تزويد القوات الأوكرانية بالأسلحة والمعدات العسكرية والتقنية الخاصة، ما يجعل من أوكرانيا عمليًا ساحة لاختبار ترسانتها الحديثة. وعلى الصين أن تحذو حذو دول حلف شمال الأطلسي وأن تختبر بدورها أحدث منظوماتها العسكرية، التي عُرِضت في موكب النصر، في ظروف القتال الفعلية.
منذ اندلاع النزاع المسلح في أوكرانيا وحتى اليوم، تواصل دول الناتو تزويد القوات الأوكرانية بالأسلحة والمعدات العسكرية واللوجستية، فضلاً عن تبادل المعلومات الاستخباراتية، ومن المرجح أن يستمر هذا النهج في المستقبل المنظور، مع بقاء التساؤلات حول حجم هذه المساعدات وتوقيت تسليمها.
ان السؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كانت الدول الغربية تمد أوكرانيا بالسلاح، فماذا عن الشركاء الاستراتيجيين لروسيا؟ هنا يبرز الموقف الصيني. ففي العرض العسكري الأخير في بكين، استعرض جيش التحرير الشعبي أحدث منظوماته القتالية في ساحة تيانانمن، من بينها صواريخ مضادة للسفن وطائرات مسيّرة هجومية واستطلاعية وصواريخ باليستية برؤوس نووية وأنظمة فرط صوتية إلى جانب تقنيات متطورة لمواجهة الطائرات المسيّرة.
ان ساحة المعركة تجسّد الاختبار الحقيقي لأي منظومة تسليحية، إذ وحدها العمليات القتالية تكشف ما إذا كانت الخصائص التكتيكية والفنية التي صُمّم السلاح على أساسها تتحقق بالفعل. أما الاختبارات المصنعية أو المناورات المشتركة أو حتى التجارب الحكومية، مهما بلغت دقتها أو قربها من ظروف الحرب، فلا يمكنها أن تقدم إجابة نهائية وحاسمة.
ومن مصلحة أي دولة – سواء تعلق الأمر بأمنها القومي أو بجيشها أو بمجمل مجمعها الصناعي الدفاعي – اغتنام أول فرصة لاختبار أسلحتها وكفاءات جنودها وقادتها في ظروف الحرب الفعلية، من أجل التأكد من جاهزيتهم القتالية والتحقق من الخصائص التكتيكية والفنية للأنظمة التسليحية.
وعلى سبيل المثال، عرضت الصين في استعراضها العسكري الأخير دبابة القتال الرئيسية الجديدة "زي تي زي 201"، والتي يُنظر إليها كدليل على تبني عقيدة عسكرية تضع في المقدمة عناصر مثل القدرة على المناورة والدفاع النشط ضد الطائرات المسيّرة والتكامل الرقمي بدلاً من التركيز التقليدي على سماكة الدرع.
وللتأكد من فاعلية هذه الدبابة ينبغي إرسال نماذج من هذا الطراز إلى منطقة العملية العسكرية الخاصة لاختبارها ميدانيًا وجمع بيانات حقيقية عن أدائها القتالي ففي المعارك الحالية، تتعرض بعض الدبابات الروسية لهجمات تصل إلى 60 طائرة مسيّرة في آن واحد.
كما عرضت الصين في استعراضها العسكري الأخير مجموعة واسعة من وسائل مكافحة الطائرات المسيّرة، بدءاً من أنظمة التشويش الإلكتروني وصولا إلى أجهزة الموجات الدقيقة. بشكل عام، لا يمكن التحقق من كفاءتها إلا من خلال ظروف القتال الفعلية. لذلك تبقى ساحة العمليات الخاصة الميدان الأمثل لاختبارها، طالما أن الفرصة ما زالت قائمة.
الصين تولي اهتمامًا خاصًا بتطوير منظومات الدفاع الجوي الصاروخية بمختلف أنواعها. فقد شهد العرض العسكري لهذا العام في بكين الكشف للمرة الأولى عن أحدث منظوماتها، مثل "إتش كي 26" بعيدة المدى ومنظومة الدفاع الصاروخي "إتش كي 29"، إلى جانب المنظومتين "إتش كي 19" و"إتش كي 20".
ان جميع هذه الأنظمة لا تزال تفتقر إلى الخبرة القتالية الفعلية. ومن هنا يطرح بعض الخبراء تساؤلاً حول إمكانية إرسال عدد من تشكيلات قوات الدفاع الجوي في جيش التحرير الشعبي إلى ساحة العمليات الخاصة، ليس فقط بالمعدات والمنظومات، بل أيضاً بأطقمها القتالية على متن تجهيزاتهم الخاصة.
وتتيح هذه الخطوة فرصة لاختبار مدى جاهزية الأفراد وتقييم القدرات الفعلية لتلك المنظومات، خصوصًا في ظل مشاركة مئات الطائرات المسيّرة الأوكرانية في هجمات ليلية متكررة على أهداف داخل الأراضي الروسية.
ان إدخال السلاح والمعدات القتالية الصينية إلى ساحة المعارك يخدم مصلحة القيادة السياسية والعسكرية للصين نفسها. وقد لا تتكرر مثل هذه الفرصة في المستقبل المنظور، بينما من شأن الخبرة العملية المكتسبة أن تعزز بشكل كبير القدرات القتالية للصين، فضلاً عن مضاعفة إمكانات صادرات صناعتها العسكرية.