• اخر تحديث : 2025-11-20 04:10
news-details
مقالات عربية

الهند وإسرائيل: نحو رؤية موحدة لتعميق التعاون الدفاعي


في 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2025، وقّعت الهند وإسرائيل مذكرة تفاهم تهدف إلى توسيع نطاق التعاون الدفاعي بين البلدين. وقد جرى تبادل المذكرة خلال الاجتماع الـ17 لفريق العمل المشترك المعني بالتعاون الدفاعي، الذي عُقد في إسرائيل في اليوم ذاته.  جاء هذا التوقيع بالتزامن مع زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، إلى الهند خلال الفترة 3-5 تشرين الثاني/نوفمبر  إذ التقى نظيره الهندي، سوبراهمانيام جايشانكار، وبحث معه سُبل تطوير الشراكة الاستراتيجية الثنائية.
 
يمثل هذا التطور امتداداً للتفاهمات التي جرت في تموز/يوليو 2025، خلال زيارة المدير العام لوزارة الدفاع الإسرائيلية، أمير بارعام، إلى نيودلهي. وقد أكد البيان الصادر عن وزارة الدفاع الهندية آنذاك، التزام الجانبين بتعزيز التعاون الدفاعي طويل الأمد، والسعي لتأسيس إطار مؤسساتي ينظم هذا التعاون.  وفي هذا السياق، جاءت مذكرة التفاهم الأخيرة من أجل توسيع آفاق العلاقات الدفاعية، مع التركيز على التعاون المستقبلي في مجالات التكنولوجيا العسكرية وتعزيز القدرات العملياتية. 
 
تكتسب هذه الخطوات أهمية خاصة بالنظر إلى الاعتبارات الاستراتيجية المتبادلة بين الجانبين؛ إذ جاءت بعد أسابيع قليلة من تصاعد التوترات العسكرية في كل من جنوب آسيا والشرق الأوسط. فقد شهد شهر أيار/مايو 2025 مواجهة بين الهند وباكستان، أعقبتها مواجهة أُخرى بين إسرائيل وإيران في حزيران/يونيو من السنة نفسها. كما جاء توقيع مذكرة التفاهم الأخيرة، بعد فترة وجيزة من إبرام باكستان "اتفاقية الدفاع الاستراتيجي المشترك" مع المملكة العربية السعودية، في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2025،  وهو تطور أضفى بُعداً جديداً على معادلات الأمن والدفاع الإقليمي والدولي، وأثار تساؤلات حول إعادة تشكيل توازنات القوى في المنطقة. 
 
ويمكن فهم التحركات الهندية–الإسرائيلية الأخيرة، ضمن إطار أوسع من التفاعلات الاستراتيجية المتشابكة بين الشرق الأوسط وجنوب آسيا. فعلى الرغم من تعدد أبعادها الإقليمية والدولية، فإن هذه التحركات تعكس "دينامية ثنائية" جديدة، تقوم على السعي نحو رؤية موحّدة وتوجهات سياسية مشتركة، أبرزها تبنّي موقف موحد إزاء ملف الإرهاب. وفي هذا الإطار، تسعى إسرائيل لحث الهند على تصنيف حركة المقاومة الفلسطينية "حماس" كمنظمة إرهابية.
 
كما تمثل هذه التحركات، امتداداً لمسار متنامٍ من التعاون الدفاعي؛ إذ تسعى الهند لتعزيز قدراتها الدفاعية عبر الاستفادة من الخبرات والتقنيات الإسرائيلية المتقدمة. وفي المقابل، تنظر إسرائيل إلى السوق الهندية بصفتها منفذاً استراتيجياً من أجل توسيع صادراتها الدفاعية؛ إذ تُعَد الهند اليوم أكبر مستورد للأسلحة الإسرائيلية، بينما تحتل إسرائيل المرتبة الرابعة بين مورّدي السلاح إلى الهند. 
 
وعلى الصعيد الأمني، يُنتظر أن توفر مذكرة التفاهم إطاراً سياسياً واستراتيجياً موحداً، يكرس نهجاً عالمياً يقوم على مبدأ "عدم التسامح مطلقاً تجاه الإرهاب بجميع أشكاله وصوره." ويشكل ملف الإرهاب محوراً رئيساً في الأجندة الأمنية بين الهند وإسرائيل؛ إذ يعمل البلدان في إطار مجموعة العمل المشتركة لمكافحة الإرهاب، التي أُنشئت سنة 2000، كإطار مؤسسي للتعاون يشمل، من بين أمور أُخرى، تبادل المعلومات والخبرات الاستخباراتية، والتنسيق في مجالات منع تمويل الإرهاب. 
 
وقد انعكس هذا التعاون في المواقف الرسمية للطرفين؛ إذ وصفت الهند عملية طوفان الأقصى التي وقعت في تشرين الأول/أكتوبر 2023 بأنها هجوم إرهابي،  بينما قدّمت إسرائيل دعماً مماثلاً للهند عقب هجوم باهالغام في نيسان/أبريل 2025. 
 
وعلى الرغم من هذا التقارب في المنظور الأمني، فلا يزال التعاون بين البلدين يفتقر إلى رؤية أمنية مشتركة؛ إذ لا يجمع الطرفين عدوٌّ مشترك. وقد سعت إسرائيل لترسيخ مفهوم العدو المشترك، ضمن إطار التعاون الأمني مع الهند،  وهو ما تجلى في قرارها تصنيف جماعة لشكر طيبة منظمة إرهابية في تشرين الثاني/نوفمبر 2023،  وهي الجماعة ذاتها المدرَجة على القوائم الإرهابية في الهند.  وتفسر هذه الخطوة كمحاولة إسرائيلية لدفع نيودلهي نحو اتخاذ موقف مماثل تجاه حركة "حماس"؛ لا سيما أن هذه الخطوة جاءت بعد أسابيع من عملية طوفان الأقصى، التي وصفتها الهند بالهجوم الإرهابي.
 
حتى الآن، لم تُقدِم الهند على تصنيف حركة "حماس" كمنظمة "إرهابية"؛ مؤكدة أن هذا الأمر يخضع لاختصاص السلطات القانونية المختصة.  كما أن إجراءات التصنيف وفق قانون منع النشاطات غير القانونية الهندي معقدة، وتتسم بعض مواده بالغموض، وعدم انطباقها على حركة "حماس". 
 
ومع ذلك، تظهر مذكرة التفاهم الأخيرة، مؤشرات ربما تُمهِّد مستقبلاً لتغير في الموقف الهندي؛ عبر تبني رؤية سياسية وأمنية موحدة تعزز التعاون الدفاعي، وتُكرس نهجاً عالمياً يقوم على مبدأ عدم التسامح مطلقاً تجاه الإرهاب بجميع أشكاله وصوره. وقد ناقش وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، ونظيره الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، هذا النهج خلال مباحثاتهما الأخيرة في نيودلهي؛  إذ شدد الجانب الهندي على ضرورة الالتزام به،  بينما صرح ساعر بأن "الإرهاب المتطرف تهديدٌ مشترك لإسرائيل والهند... كما تواجه إسرائيل ظاهرة فريدة تتمثل في دول الإرهاب، كـ'حماس‘ في غزة..."  
 
تأتي هذه المناقشات ضمن مسار متنامٍ تسعى إسرائيل عبره من أجل حث الهند على تبنّي موقف أكثر صرامة تجاه حركة "حماس". ويُذكر أنه مع بداية الحرب على غزة، أجرت إسرائيل اتصالات مع السلطات الهندية المختصة، مطالبةً نيودلهي بتبني هذا التصنيف رسمياً. وفي ظل استمرار الضغوط الإسرائيلية، ربما تلجأ الهند مستقبلاً إلى عدة خيارات، تشمل إدراج قيادات الحركة على قوائم الإرهاب، أو تصنيف جناحها العسكري كتائب عز الدين القسام منظمة "إرهابية"، أو حتى تصنيف الحركة بأكملها. 
 
أمّا على الصعيد الدفاعي، فمن المتوقع أن تُتيح مذكرة التفاهم الأخيرة توسيعَ نطاق التعاون بين الهند وإسرائيل، عبر تبادل التقنيات المتقدمة، وتعزيز التطوير والإنتاج المشترك.  ويُظهر هذا التوجه إمكان تأسيس إطار مؤسساتي للتعاون الدفاعي؛ ولا سيما في ضوء المباحثات التي جرت بين الجانبين في تموز/يوليو 2025، والتي تناولت سُبل استكشاف آفاق التعاون الدفاعي. 
يأتي ذلك ضمن مسار متنامٍ من الشراكة في مجالات البحث والتطوير والإنتاج العسكري المشترك، تجسّد في سلسلة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي أرست الأسس المؤسساتية للتعاون الدفاعي بين البلدين، من أبرزها: مذكرة التفاهم بشأن مبادرة صندوق البحث والتطوير الهندي-الإسرائيلي (2005)، ومذكرة التفاهم بشأن الابتكار التكنولوجي (2020)، واتفاقية الابتكار الثنائية (2021)، ومذكرة التفاهم بشأن التعاون في البحث والتطوير الصناعي (2023).  كما اعتمد البلَدان في سنة 2022، رؤية مشتركة للتعاون الدفاعي ركزت على البحث في تقنيات المستقبل وتعزيز الإنتاج الدفاعي المشترك. 
 
ويُعَد مشروع تصنيع الطائرات من دون طيار من أبرز ثمار التعاون الدفاعي؛ إذ أصبح يمثل نموذجاً متقدماً للشراكة في الإنتاج المشترك للمعدات الدفاعية والتوريد العسكري.  وقد انعكس هذا التعاون على مستوى التنسيق العملياتي في أوقات الأزمات؛ إذ تشير التقارير إلى تسليم أكثر من 20 طائرة مسيَّرة مصنَّعة في الهند لإسرائيل خلال حرب غزة،  بينما استخدَم الجيش الهندي طائرات إسرائيلية الصنع خلال مواجهاته الأخيرة مع باكستان. 
 
وأيضاً، تُظهر مذكرةُ التفاهم الأخيرة مؤشرات واضحة على اتجاه البلَدين نحو تعميق التعاون الدفاعي والتقني، عن طريق تحديد مجالات تعاونٍ متنوعة، تشمل الحوارات الاستراتيجية ذات الاهتمام المشترك، والتدريب والتعاون الصناعي الدفاعي، وتطوير القدرات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والبحث والتطوير والابتكار التقني، بالإضافة إلى التعاون في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني. 
 
ختاماً، يشكل البعد الأمني الركيزة المركزية في بنية التعاون الدفاعي بين الهند وإسرائيل؛ إذ يسعى الطرفان لبلورة رؤية موحَّدة وتوجُّه سياسي مشترك يهدف إلى تعميق الشراكة الدفاعية. ومن المتوقع أن تساهم مذكرة التفاهم الأخيرة في ترسيخ هذا المسار؛ عن طريق إرساء إطار مؤسساتي منظَّم للعلاقات الدفاعية، بما يعزز الاعتماد المتبادل في مجالات الصناعات الدفاعية، والبحث والتطوير، والإنتاج المشترك.
 
ويعكس هذا التوجه مساراً استراتيجياً متدرجاً نحو بناء شراكة مستدامة متعددة الأبعاد، تمتد جذورها إلى عقود من التعاون الاستخباراتي والأمني، الذي تطور بالتدريج لكي يشمل مجالات الإنتاج العسكري والتكنولوجيا المتقدمة. وبذلك، أصبح التعاون الدفاعي بين الهند وإسرائيل إحدى الركائز الجوهرية في سياساتهما الخارجية والأمنية.