أعلنت السفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة بإدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وحاكمة ولاية ساوث كارولاينا السابقة “نيكي هيلي”، في 14 فبراير الفائت، ترشحها للمنافسة على بطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في نوفمبر 2024، في تراجعٍ عن تصريح لها في نوفمبر 2021 بعدم ترشحها للانتخابات الرئاسية إذا أعلن ترامب ترشحه. وبذلك تكون أول مرشح جمهوري بارزة سيُنافس ترامب، الذي أعلن في منتصف نوفمبر الماضي ترشحه للمرة الثالثة للانتخابات الرئاسية القادمة، في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. وبالفعل بدأت أولى حملاتها الانتخابية بحضور تجمع انتخابي في تشارلستون بولاية ساوث كارولاينا في اليوم التالي لنشرها فيديو ترشُّحها للانتخابات الرئاسية القادمة.
وقد استند قرار ترشح هيلي للانتخابات الرئاسية لعام 2024 إلى تاريخها من النجاحات السياسية، بدايةً من كونها أصغر امرأة تفوز بمنصب حاكمة ولاية، وأول امرأة تشغل منصب حاكم ولاية ساوث كارولينا في عام 2010، وأول أمريكية من أصول هندية تتولى منصباً بارزاً بإدارة أمريكية؛ حيث تولت منصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة خلال الفترة من عام 2016 إلى عام 2018. وفي حال فوزها في السباق الانتخابي للحزب الجمهوري، ستكون أول امرأة وأول أمريكية من أصول آسيوية تفوز ببطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية.
فرص محدودة
هناك عديد من الأسباب التي تُقوِّض فوز نيكي هيلي ببطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية لعام 2024، ويتمثل أبرزها فيما يلي:
1– إشادة هيلي بسياسات ترامب: رغم بعض الانتقادات التي وجهتها نيكي هيلي للرئيس السابق دونالد ترامب خلال السنوات الماضية، فإنها كثيراً ما تراجعت عنها لتُعلن تأييدها له؛ فخلال الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في عام 2016، أعلنت عدم تأييدها فوز ترامب بترشيح الحزب؛ حيث أيدت منافسه السيناتور ماركو روبيو، وبعد انسحابه أيدت السيناتور تيد كروز. وقد انتقدت تردُّده في إدانة القوميين البيض، لكن بعد فوزه بترشح الحزب عبَّرت عن دعمها له، ووافقت على تولي منصب السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة بإدارته.
وبعد انتقادها الرئيس ترامب لموقفه من أحداث 6 يناير 2021؛ حيث قالت في عشاء اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري إن ترامب كان مخطئاً بشكل كبير في كلماته؛ فإنها دعت إلى استمرار دوره بالحزب الجمهوري، قائلةً لصحيفة وول ستريت جورنال في أكتوبر 2021: “لا أريد أن نعود إلى الأيام التي سبقت ترامب”. وفي خطاب ترشحها للانتخابات الرئاسية القادمة، لم تذكر الرئيس السابق أو تقدم انتقادات لسياساته الداخلية، ولم تذكر أنها تترشح ضده على بطاقة الحزب الجمهوري.
وفي مذكراتها بعنوان “مع كل الاحترام الواجب: الدفاع عن أمريكا في السراء والضراء”، أشادت بالعديد من سياسات دونالد ترامب؛ حيث ذكرته 163 مرة، وتحدثت في الجولات الترويجية للكتاب بشكل إيجابي عن الرئيس السابق، وعن فترة عملها معه سفيرةً للولايات المتحدة في الأمم المتحدة؛ لذلك لا ترى القاعدة الانتخابية الجمهورية أن هيلي تختلف عن ترامب؛ ما يُفقِد الجمهوريين الحماس للتصويت لها في الانتخابات.
2– عدم تأييد الأمريكيين من أصول مختلفة ترشُّح هيلي: أشارت تعليقات قيادات لمنظمات وتجمعات الأمريكيين من أصول هندية وآسيوية، إلى أن هيلي لا تُمثل مجتمع الأمريكيين الآسيويين؛ حيث إن موقفها تجاه بعض القضايا لا يلقى قبولاً من هذه التجمعات؛ فوفقاً لاستطلاع رأي في عام 2022، أعطى الأمريكيون الهنود الأولوية للسيطرة على السلاح أكثر من أي مجموعة عرقية أخرى، وهو موقف سياسي عارضته هيلي بشدة، فضلاً عن أن الأغلبية من الأمريكيين الآسيويين ديمقراطيون، والأقلية منهم جمهوريون؛ فقد أشار استطلاع الناخبين الآسيويين لعام 2022، الذي صدر في 25 يوليو 2022، إلى أن 15% فقط من الناخبين الأمريكيين الهنود جمهوريون، و56% منهم ديمقراطيون، و19% مستقلون.
وهناك قلق داخل مجتمع الأمريكيين ذوي الأصول الآسيوية والأفريقية من دعم هيلي مواقف ترامب العنصرية والمعادية للمسلمين والمناهِضة للمهاجرين؛ حيث دافعت عن الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس السابق بحظر السفر إلى الولايات المتحدة من بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة في عام 2017.
3– غياب الرؤية لمعالجة التحديات الداخلية: على الرغم من النجاحات التي حقَّقتها هيلي خلال توليها منصب حاكم ولاية ساوث كارولينا، فإنها في خطاب ترشحها لم تُقدم شيئاً مختلفاً قد يطرحه منافس جمهوري على بطاقة الحزب للانتخابات الرئاسية القادمة، من تأكيد الإيمان بأمريكا كقوة للخير، وخطورة التهديدات العالمية، ومعارَضة سياسات اليسار التقدمي، ولم تحدد أي توجهات واضحة للسياسة المحلية؛ لذلك دعت صحيفة “وول ستريت جورنال” في افتتاحيتها في 14 فبراير الفائت إلى أن تحدد هيلي لماذا تريد أن تكون رئيسةً للولايات المتحدة الأمريكية.
4– احتمالات منافسة مرشحين أكثر شباباً: تروج “هيلي” (51 عاماً) أنها بترشحها للانتخابات الرئاسية القادمة تُمثل الجيل الجديد في الولايات المتحدة؛ حيث تجعل من شبابها النسبي وحيوتها – في مقابل تقدُّم عمر “بايدن” الذي يُتوقع أن يُعلن ترشحه لفترة رئاسية ثانية خلال الأيام القادمة، وكذلك عمر ترامب – محور حملتها الانتخابية، ولكن هذا سيفقد بريقه بعد الإعلان المتوقع لحاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس – الذي يبلغ 44 عاماً – ترشحه للانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، مع توقعات بترشح عدد من الجمهوريين أصغر سناً.
5– تقدُّم ترامب في تفضيلات الناخبين الجمهوريين: تكشف استطلاعات للرأي متعددة أن فرص فوز هيلي في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري ضعيفة بالمقارنة بينها وبين الرئيس ترامب الذي أعلن فعلياً ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، وكذلك بالمقارنة بينها وبين المرشحين الجمهوريين المحتملين؛ فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته “رويترز” و”إبسوس” خلال الفترة 6–13 فبراير الفائت، أن هيلي تأتي في المركز الرابع في سباق افتراضي للانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري للفوز ببطاقة ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2024، بعد الرئيس السابق دونالد ترامب (43%)، وحاكم ولاية فلوريدا رون دي سانتيس (31%)، ونائب الرئيس السابق مايك بنس (7%)؛ وذلك بحصول هيلي على تأييد 4% فقط.
دلالات متعددة
على الرغم من تراجع فرص فوز نيكي هيلي ببطاقة ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية لعام 2024، فإن إعلان ترشحها ومنافستها دونالد ترامب يحمل جملة من الدلالات البارزة، ومن أهمها ما يلي:
1– حاجة الولايات المتحدة إلى قيادة من الجيل الجديد: مع التحول الجيلي الذي تشهده الولايات المتحدة الأمريكية راهناً، أضحى هناك اتجاه متصاعد داخل الحزبَين الجمهوري والديمقراطي – على حد سواء – يدعو إلى عدم ترشح الرئيس السابق دونالد ترامب للانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة، وعدم ترشح الرئيس الأمريكي جو بايدن لفترة رئاسية ثانية؛ لأنه إذا فاز الأول فسيكون عمره مع بداية فترته الرئاسية الثانية 78 عاماً، والثاني 82 عاماً، وهو ما أشارت إليه هيلي في فيديو ترشحها للانتخابات الرئاسية القادمة؛ حيث تحدثت عن حاجة الولايات المتحدة الأمريكية إلى جيل جديد من القيادة. وقد دعت خلال تجمع حاشد في تشارلستون في بداية حملتها الانتخابية، إلى اختبارات الكفاءة العقلية للسياسيين الذين تزيد أعمارهم عن 75 عاماً.
2– تشجُّع الجمهوريين على منافسة ترامب: بينما كان عديد من المرشحين الجمهوريين المحتملين للانتخابات التمهيدية للحزب يترددون في الإعلان رسمياً عن ترشحهم؛ لتجنب انتقادات الرئيس ترامب الذي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، فمن غير المرجح ألا تكون هيلي آخِر قيادة جمهورية تتقدَّم للمنافسة على بطاقة الحزب الجمهوري؛ حيث سيدفع إعلان ترشحها العديد من الأسماء الجمهورية البارزة لأن يُعلنوا ترشحهم للمنافسة على الفوز ببطاقة الحزب للانتخابات الرئاسية القادمة خلال الأيام القادمة، وفي مقدمتهم رون دي سانتيس الذي حقق نتائج مذهلة في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس التي أجريت في نوفمبر الماضي، وعدد من المسؤولين السابقين بإدارة الرئيس دونالد ترامب، ومن أبرزهم وزير الخارجية السابق مايك بومبيو، ومايك بنس.
3– تعزيز فرص فوز ترامب ببطاقة الحزب: إن دفع ترشح هيلي عديداً من المرشحين الجمهوريين المحتلمين للإعلان عن ترشحهم رسمياً للانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري؛ سيصب في مصلحة فوز ترامب ببطاقة الحزب للانتخابات الرئاسية لعام 2024؛ حيث إن تعدد المرشحين الجمهوريين، كما كان الحال في الانتخابات التمهيدية للحزب في عام 2016، يقسم الأصوات الانتخابية ليفوز ترامب بنسب متواضعة في الانتخابات وصلت إلى 25% في الانتخابات التمهيدية السابقة؛ لذلك يُفضل مستشاري ترامب لحملته الانتخابية تعدد المرشحين الجمهوريين في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. ولعل ذلك ما دفع ترامب للترحيب – على غير عادته – بترشح هيلي، وكذلك العديد من مؤيدي الرئيس السابق.
منصب النائب
في التحليل الأخير، يمكن القول إن ترشح نيكي هيلي للانتخابات الرئاسية القادمة، لتكون المنافس الأول – حتى الآن – للرئيس السابق دونالد ترامب، الذي لا يزال الشخصية الجمهورية الأكثر تأثيراً في الحزب رغم النتائج المخيبة التي حققها الجمهوريون في آخر ثلاثة انتخابات (انتخابات التجديد النصفي للكونجرس لعام 2018، والانتخابات الرئاسية لعام 2020، والانتخابات التجديد النصفي للكونجرس لعام 2022)، والتوقعات بصعوبة فوزها في الانتخابات التمهيدية، ولا سيما مع توقع تدشين العديد من المرشحين الجمهوريين المحتملين حملاتهم الانتخابية للفوز ببطاقة الحزب لانتخابات الرئاسة لعام 2024؛ يشير إلى أنها لا تسعى للفوز ببطاقة الحزب الجمهوري لمنصب الرئاسة، بل أن تكون على بطاقة الحزب للانتخابات الرئاسية القادمة نائبةً للرئيس.