• اخر تحديث : 2024-07-03 14:23
news-details
مقالات عربية

الاستخبارات والسوشيال ميديا


منذ منتصف القرن العشرين حذر عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي من ان موجة التطور التكنولوجي والحضاري تأتي الى اي مجتمع بحسناتها وسيئاتها بشكل يصعب معه الانتقاء والفلترة , والواقع انه الى حد قريب لم يكن مفهوماً لمجتمعاتنا كيفية تأثير التكنلوجيا ان تؤثر على سلوكياتنا كأفراد وكمجتمعات , ومالذي يغير من طبيعة سائس عربة الخيول التي تسير بسرعة 10 كم في الساعة عن طبيعته وسلوكه لو اصبح قائداً لطائرة حربية التي تسير بضعف سرعة الصوت !!!! , الا ان توسع التكنلوجيا ورخصها النسبي وجعلها في متناول ايدي الجميع وانتشار تطبيقات وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي وادمان الشعوب على تلك التطبيقات , جعل الصورة تتضح اكثر فأكثر لتبين لنا التأثير الهائل للتقنيات الحديثة ودورها في اعادة صياغة الشعوب بما يشبه توجيه المنومين مغناطيسياً .

عالم استخباري مثالي

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بكافة اشكالها وتجاوز مستخدميها الى نصف الكوكب، صار لزاماً التعامل معها من قبل الدول والمؤسسات والتنظيمات والشركات وحتى من قبل التنظيمات الارهابية والتشكيلات العصابية، فلم تعد هنالك فعاليات على كوكبنا الا وأمكن العمل عليها من خلال السوشيال ميديا وتطبيقاتها المتشعبة.

لقد وجدت الاجهزة الاستخبارية ان السوشيال ميديا هو سلاحً ذو حدين , فمن جهة المخاطر كان يمثل وسيلة خطيرة للنشر السريع وللتلاعب بالعقول ولبث اي منتج دونما رقابة دون ضوابط او سيطرة , كما كان وسيلة هائلة الانتشار لتسريب الاسرار والوثائق بلمح البصر الى كل اركان الكوكب بكبسة زر ,  وتجري من خلاله عمليات ابتزاز , وتجارة سرية للسلاح والمخدرات وتجارة الرقيق ونشر الاباحيه و الترويج للممنوعات واثارة الفتن والشائعات وخداع المجتمعات , عدا عن انه كان وسيلة خطيرة لنشر الافكار المتطرفة والارهاب , بالاضافة الى الكثير من المخاطر التي تحيط بالمجتمع من خلال وسائل التواصل.

ومن جهة فوائده الاستخبارية فإنه وسيلة معاصرة وفعالة للرقابة والتتبع والرصد، وكذلك هو وسيلة ناجعة في تحريض مجتمعات العدو ونشر الشائعات وكل اساليب الحرب الباردة التي تحتاجها الاجهزة الاستخبارية من اجل الانتصار على اعدائها.

شعوب سياسية!!

مع دخول عام 2011 تنبه العالم الى السوشيال ميديا ودورها كأداة لاسقاط الانظمة عبر التأثير الهائل للبوستات والصور والتهييج والاستنفار , وقد تنبهت اجهزة الاستخبارات الى ان انتشار وسائل التواصل في متناول الجميع جعل منها ادوات منفلتة يمكن لمن له القدرة ان يوجهها الى الوجهة التي تحقق مصالحه وغاياته , بحكم فقدان الرقابة الامنية والحكومية على وسائل التواصل وضعف تحليل الكم الهائل مما يجرى في وسائل التواصل من تداول معلومات وضعف الكثير من الاجهزة الحكومية في ضبط تسريب المعلومات الى وسائل التواصل , وبحكم الافراط في استخدام وسائل التواصل بلا ضوابط , وعدم التنسيق بين اجهزة الحكومة وشركات الفيسبوك وتويتر وانستغرام ويوتيوب وغيرها .

وتوضحت خطورة ادوات التواصل الاجتماعي بشكل فاقع حين غزت بلداناً. تمتاز مجتمعاتها بالضياع والتخلف والتجهيل، فصارت مصداقاً مشابها لقول صامويل كولت "ان اختراعي للمسدس قلص الفارق بين الشجاع والجبان"، فكذلك كان الامر مع وسائل التواصل التي الغت الفارق بين العاقل والجاهل والمثقف وغير المثقف.

وصار تأثير السوشيال ميديا مضاعفاً في دول العالم الثالث والدول العربية والاسلامية لاسيما تلك التي كانت ممنوعة من تلك الوسائل من قبل انظمتها الدكتاتورية  , فالشعوب التي تتخلص من الحكم الدكتاتوري تكون اكثر رغبة لخوض السياسة كالعراقيين مثلاً , ف ٦٪ من الشعب الامريكي فقط يهتم بالسياسة , لكن الشعوب العربية, والعراق على رأسها , من اكثر الشعوب خوضاً بالسياسة جاهلها وعالمها , فالكل يتكلم في السياسة حتى الاطفال , وهذا خلل كبير في وعي المجتمع , ومن يتصفح التعليقات على الفيس بوك يجد العجب العجاب , فاحدهم يقول ان حزب الناتو اقوى حزب في العالم , وحين يرد عليه احدهم بأن الناتو ليس حزباً يرفض بشدة , وترى الكثير منهم لايزالون يكتبون بلا فهم لقواعد النحو والاملاء من قبيل " شكرن" و" منؤور" غيرها كثير , والبعض منهم يخوض في غير ما يعرف , والكثير منهم ينسخ المنشورات بلا تثبت او تصحيح , ففي هكذا مساحات كان يسهل اصطياد الناس وتحريف افكارهم حتى غدت وسائل التواصل تستخدم للتجنيد العام او التجنيد السري ايضاً.

كما برزت مظاهر اخرى للتخلف في وسائل التواصل الاجتماعي من قبيل التخفي في اسم المستخدم او تلبّس الجنس للذكر بدل الانثى او العكس، او ان يكن للشخص أكثر من حساب منه حساب علني رصين، وآخر سري للشتائم والتهجم او للإباحية.

ومع تزايد تنبه الاجهزة الاستخبارية والحكومات والقوى السياسية والتنظيمات الارهابية الى خطورة وسلاسة السوشيال ميديا، كبساط الريح في السرعة، والقدرة الفائقة في اقتلاع الافكار وابدالها بغيرها والتلميع او التطبيل، جرى اللجوء الى فكرة الجيوش الالكترونية سواء البسيطة منها او المحترفة.

واستغلت جهات استخبارية محترفة فكرة الجيوش الالكترونية من خلال تقنيات حديثة قادرة على ربط آلاف الحسابات معاً بحيث يبدو الامر وكأنهم اشخاص حقيقيون , حيث تجري من خلال تلك الحسابات عمليات التسقيط والهجوم او الدفاع والتلميع , وعمليات اقتلاع قناعات وابدالها بأخرى من خلال شدة شيوعها بحيث تبدو وكأنها آراء اجتماعية وسياسية عامة وراسخة , وهو امر له الكثير من المصادق في العراق , حيث يجري تمجيد شخوص مشبوهين في مقابل تسقيط ابطال يضحون بحياتهم , تحريف مفاهيم الوطنية لصالح طرح افكار وردية للعمالة للأجنبي وللمحتل .