على الرغم من انشغال الكيان الاسرائيلي باستفحال وباء “كورونا” المستجّد، والأزمة الاقتصاديّة الأسوأ في تاريخها، بالإضافة إلى تهديد حزب الله اللبنانيّ ثأرًا لاغتيال عنصر من عناصره في سوريّة؛ فإنّ التوّجس من اندلاع حربٍ أهليّةٍ داخل الكيان بات يتصدّر الأجندة العامّة داخله.
ويتزايد هذا الهاجس بعد تنامي حركة الاحتجاجات في الشوارع ضدّ رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، والمُطالبة بتنحيته من منصبه بسبب فشله في حلّ جميع القضايا العالقة، واتهامه بالفساد وتلقّي الرشا وخيانة الأمانة، إذْ أنّه، على سبيل الذكر لا الحصر، يصل عدد العاطلين عن العمل في الكيان الاسرائيلي حوالي المليون، ناهيك عن ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة.
وفي هذا السياق تكفي الإشارة إلى ما قاله المسؤول السابق للشعبة المسؤولة عن الإرهاب اليهودي في جهاز الأمن العام (الشباك)، دفير كاريف، حول تصاعد العنف في المجتمع الإسرائيليّ في الفترة الأخيرة. وقال كاريف في مقابلةٍ مع الإذاعة الإسرائيليّة: نحن عشية اغتيال سياسي في “إسرائيل”، لا أعرف إذا كان يمينيًا أوْ يساريًا، لافتًا في الوقت عينه إلى أنّه يجب منع الاغتيال السياسي المقبل، لأنّ مستوى اللهيب مرتفع إلى هذا الحد، يجب منع القاتل المنفرد، على حدّ تعبيره.
من ناحيته قال المحلل نير حسّون في صحيفة (هآرتس) العبريّة إنّ نجاح الاحتجاجات ضدّ نتنياهو ليس مضمونًا، مشيرًا إلى أنّه لم ينجح أحد حتى الآن في وضع الآلية السياسية التي تترجم عرض القوة في الشارع إلى حد طرد نتنياهو من منزل رئيس الحكومة.
وتابع قائلاً: سنوات من التلاعب، ومن الأخبار الملفقة، والتحريض ضد اليسار فعلت فعلها، والمنظومة السياسية تبدو منقطعة عمّا يجري في شوارع القدس، ونتنياهو نفسه لا يبدو متأثرًا بما يجري تحت نافذته. المتظاهرون من جهتهم يواصلون تحطيم رؤوسهم على السور الذي يرفض أنْ يتصدع، على حدّ قوله.
إلى ذلك، حذرت الصحيفة من تداعيات نهج نتنياهو، مؤكدة أنه الأكثر خطرًا على “إسرائيل” التي يسعى إلى إحراقها. وأوضحت في مقال لمحللها السياسي يوسي فيرتر، أنّ “نتنياهو في السنوات الأخيرة، كان الأكثر إثارة للعنف في “إسرائيل”، ومن خلال منصبه ومكانته، يعتبر الأكثر خطرًا، مُضيفًا أنّه بعد ما ازدادت أزمة رئيس الحكومة السياسية والقانونية والعائلية، يقوم بتنفيذ المرحلة الحاسمة في خطته وهي إشعال “إسرائيل”؛ مدفوعة بتلميحات وغمزات”.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ “نتنياهو هو المستل الأسرع في “تويتر” عندما يتعلق الأمر به أوْ بابنه، لقد انتظر بنية متعمدة 14 ساعة قبل أنْ ينشر منشورًا منافقًا تناول فيه التهديدات ضده وضد عائلته، وطلب من الشرطة “التحقيق والتوصل إلى الحقيقة”، أي كشف من الذي قام بالهجوم ومن هاجم”. وذكرت أنه “عندما سيقتل المتظاهر الأول، نتنياهو سيدير عيونه ويقول لقد قمت بالإدانة، وسيستل من حسابه جملة تافهة كانت مخبأة في منشوره”.
على صلةٍ بما سلف، حذر وزير أمن الكيان الإسرائيلي بيني غانتس، مساء الأربعاء، من اندلاع حرب أهلية في إسرائيل حال استمرت الاعتداءات على المتظاهرين من قبل أنصار اليمين المتطرف. جاء ذلك في مقابلة أجرتها معه القناة (13) الخاصة، بعد يوم من اعتداء مندَّسين من اليمين المتشدد على متظاهرين في تل أبيب، نددوا بنتنياهو، وطالبوه بالاستقالة على خلفية اتهامه بقضايا فساد.
وقال غانتس: ما حدث الليلة الماضية، والعنف الذي نراه، هو ما يزعجني، ويمثل في رأيي منحدرًا متدحرجًا يمكن أنْ يقودنا إلى حرب أهلية، وأضاف أدعو الجميع، من اليمين واليسار، إلى التوقف عن التحريض والكراهية. أدعو جميع الأطراف إلى التوقف لأن الأمر سيكون خطيرًا، على حدّ قوله.
من ناحيته، قال رئيس الكيان رؤوفين ريفلين تعليقًا على الأحداث الأخيرة إنّه “في ظلّ هذه الأجواء لم يعد مقتل متظاهر خرج للاحتجاج في إسرائيل أو مقتل رئيس الوزراء أمرًا مستبعدًا”.
بالإضافة إلى القضايا التي ذكرت أعلاه، فإنّ الحكومة الحاليّة تشهد خلافات حادّة بين قطبيها نتنياهو وغانتس، ولم يستبِعد الخبراء والمحللين أنْ يُقدم نتنياهو على تقديم موعد الانتخابات إلى شهر تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، على الرغم من تراجعه الحّاد في الاستطلاعات، واتهامه أيضًا من قبل مُنافسيه بأنّه يستغّل الشرطة من أجل كبح المظاهرات ضدّه، والتي من المُتوقع أنْ تزداد حدّتها مساء اليوم السبت وفي الأيّام القادمة، كما ذكرت القناة الـ12 في التلفزيون العبريّ ليلة أمس الجمعة.
وعلى الرغم من أنّ فلسطينيي الداخل لا يُشارِكون بالمُظاهرات ضدّ نتنياهو، فقد أبرز استطلاع نشرته القناة الـ12 في التلفزيون العبريّ أنّ العرب “يترّبعون” في المكان الأوّل في سُلّم الكراهيّة، وأنّ المُحتجّين الذين يؤيّدون نتنياهو يهتفون: الموت للعرب، بالإضافة إلى ألفاظٍ بذيئةٍ ضدّ النبيّ العربيّ الكريم، لا يحملها الورق.