بعد قرار حل الكنيست الإسرائيلي والذهاب إلى انتخابات جديدة في آذار/مارس 2021، أجرت وسائل إعلام إسرائيلية عدد من استطلاعات الرأي التي تعكس مزاج وتوجهات الناخبين الإسرائيليين. هذه الاستطلاعات تبقى آنية، وأقول آنية لأنها تعتمد على استطلاعات تعكس حالة آنية في الغالب، فلا يكفي استطلاع واحد ليعكس الواقع، لكن بتكراره بين الحين والآخر من قبل مركز استطلاع واحد يمكنه أن يشير إلى اتجاهات الخارطة المستقبلية، وبتعدد الاستطلاعات من مراكز مختلفة في اللحظة ذاتها قد يتشكل انعكاس أقرب إلى الواقع في تلك اللحظة.
سأعتمد في هذه القراءة على آخر استطلاع نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية لا سيما القناة 12، وأجراه ميني غيبع بعد حل الكنيست مباشرة، وسأحاول الإجابة عن سؤال: ما هي سيناريوهات تشكّل الحكومة القادمة في ما لو كان هذا الاستطلاع صحيحاً؟ وسآخذ بعين الاعتبار في منهجيتي إمكانيات التلاقي بين الأحزاب، أو استحالته اعتماداً على الأجندة الأساسية السياسية والاجتماعية لكل حزب والتجربة التحالفية في الماضي.
يقول الاستطلاع المذكور إنه في حال حصول الانتخابات اليوم، فمن المتوقع أن تكون النتائج على الشكل التالي:
الليكود (بنيامين نتنياهو) 29.
تكفا حدشاة (جدعون ساعر) 18.
يش عتيد تيلم (لبيد ويعلون) 16.
يمينا (نفتالي بينيت) 13.
القائمة المشتركة (بأربع مركباتها) 11.
شاس (حريديم) 8.
يهدوت هتوراه (حريديم) 8.
يسرائيل بيتنو (ليبرمان) 7.
ميرتس 5.
أزرق أبيض (بيني غانتس) 5.
كما يذكر الاستطلاع أن 38في المئة يحمّلون نتنياهو مسؤوليّة حلّ الكنيست، و20في المئة يحمّلون غانتس هذه المسؤولية، بينما يحمّلها 28في المئة للطرفين معاً.
الأمر المهم في هذه المسألة، أنه على الرغم من أن 38في المئة يحمّلون نتنياهو وحده مسؤولية حل الكنيست، إضافة إلى 28في المئة يحملونه جزءاً منها، ولكنه ما يزال يحظى بشعبية تبقيه قائداً لأكبر حزب في إسرائيل.
وعلى الرغم من انشقاق جدعون ساعر الذي اعتبر المنافس الرئيس لنتنياهو داخل الليكود، وحصل على 30في المئة من أصوات الحزب في المنافسة الداخلية معه قبل سنة، فإن الأخير ما يزال يحظى بأكبر عدد من المقاعد في الكنيست، وهذا يعني أنه ما يزال الشخصية الأقوى داخل الحزب والحلقة الأساس التي توحده. وربما يدركون في الليكود أيضاً أنّ إزاحته من المشهد السياسي ستفجر خلافات كبيرة داخله على من يرثه من الزعماء الجدد الذين يتقاتلون في ما بينهم على كل صغيرة وكبيرة.
أما إذا ألقينا نظرة على الكتل البرلمانية وإمكانيات تحالفاتها، وفقاً للمنهجية المذكورة أعلاه، فإننا نجد:
1ـ احتمال تشكيل حكومة برئاسة ساعر أكبر من احتمال تشكيلها برئاسة نتنياهو، لأنَّ هذا الأمر يتطلب توصيات أكبر عدد من أعضاء الكنيست لدى رئيس الدولة، مع قدرة وواقعية أن يشكّل الموصى به حكومة. وتشير الخارطة أعلاه إلى أن ساعر يمكن أن يحظى بتوصية من حزبه أولاً، ومن كل الكتل المعارضة لنتنياهو شخصياً، بما في ذلك غانتس، خصوصاً أن ما تعرض له الأخير من خداع في ظل آخر تحالف جمعه بنتنياهو وتفتيت حزبه، يجعله يبحث عن بديل، أي ساعر.
2ـ يمكن لساعر أن يجذب إليه الحريديم (16) بدلاً من لبيد ويعلون وميرتس وليبرمان الذين لا يستطيعون التعايش معهم في حكومة واحدة لأسباب تتعلق بالصراع بين العلمانيين والحريديم، وهو صراع حاد جداً، لكن هذا السيناريو يتطلب أن يضم ساعر إلى حكومته كتلة الليكود من دون بنيامين نتنياهو، وهو أمر وارد بالحسبان فقط إذا ما اتخذت المحكمة أي قرار ضد نتنياهو يمنعه من ترؤس الحكومة القادمة بسبب الملفات القضائية الموجّهة ضده في المحكمة. وهكذا، يستطيع ساعر تشكيل حكومة من 81 عضواً.
3ـ السيناريو الثاني، أن يستبعد ساعر كتلتي الحريديم (16) وميرتس والقائمة المشتركة، وأن يشكّل حكومة مع “الليكود” (باستبعاد نتنياهو كما ذكرنا سابقاً)، ومع باقي الأحزاب الصهيونية، فتكون من 75 عضواً.
4ـ أما السيناريو الثالث: أن يتحالف ساعر (18) ويشكل حكومة، مع لبيد ويعلون (16)، ونفتالي بينيت (13)، وليبرمان (7)، وغانتس (5)، وربما ميرتس (5)، وبذلك يشكل حكومة من 64 عضواً. وإذا افترضنا أن ميرتس ونفتالي بينت لا يستطيعان التعايش في حكومة واحدة لأسباب سياسية أو اجتماعية، خصوصاً الموقف من الاستيطان، فيمكن أن تكون حكومته مدعومة من الخارج بواسطة ميرتس.
إذاً، ستكون أمام ساعر 3 سيناريوهات محتملة، وهذا يتطلب شرطين أساسيين، الأول هو حصوله على تكليف من رئيس الدولة لتشكيل حكومة، وهو أمر ممكن، والآخر استبعاد نتنياهو بقرار محكمة، وهذا أمامه علامة سؤال كبيرة، وإلا سيبقى أمام ساعر احتمال أخير بأن يشكل حكومة ضعيفة مع ميرتس أو مدعومة من ميرتس من الخارج أو انشقاق إضافي داخل الليكود.
في التلخيص، إن الخارطة السياسية في إسرائيل يمينية ثابتة بموجب كل السيناريوهات، وإن اختلفت الخارطة الحزبية أو تبدلت.
ثمة قضيتان أو صخرتان تتكسر عليهما أمواج كل حكومة محتملة في إسرائيل تتمثل الأولى بالصراع بين العلمانيين المتمثلين في ليبرمان لبيد وميرتس من جهة، والحريديم من جهة أخرى، واستحالة التعايش بينهما في حكومة واحدة.
وتتمثل الصخرة الثانية بشخص نتنياهو وسلوكياته المخادعة والنرجسية وطموحاته لتغيير نظام الحكم في إسرائيل ليكون زعيماً يمينياً لا ينازعه أحد في السلطة، ويقودها إلى فقدان الأسس الديموقراطية التي بنيت عليها، وإن كانت ناقصة من أصلها بسبب سيطرة الإيديولوجيا العنصرية وإلغاء الآخر.
يبقى نتنياهو حلقة الوصل الأقوى داخل الليكود، والشخصية الأقوى داخل اليمين الإسرائيلي، والعقدة الأصعب التي تتطلّب حلاً. وما لم يستطع الليكود حل هذه العقدة، فهل تستطيع المحكمة الإسرائيلية أن تفعل ذلك؟ سؤال يبقى مفتوحاً للأشهر القادمة!
في السنوات الأخيرة، حظي نتنياهو بدعم عربي خليجي ومغربي غير مسبوق، وبدعم أميركي لم يحلم به أحد، ما عزز مكانته في المجتمع الإسرائيلي، إلى درجة أن بعض القوى الاجتماعية أصبحت ترى فيه ملكاً أو مبعوثاً من الله لتحقيق الوعد الإلهي، فهل يستمر هذا الدعم في الظروف الدولية والإقليمية الجديدة؟