• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
ملفات

ملف معلومات: مصر المأزومة بعد 43 عامًا من التطبيع


بعد وصول قطار التطبيع الصهيوني لعدّة دول عربيّة، بدا واضحًا أنه يحمل الكثير من الوعود للعرب بجني ثمار التعاون الاقتصادي والتجاري والتكنولوجي والزراعي والسياحي مع الكيان الصهيوني في وقت قريب. وعود بـ"اللبن والعسل" لم تنقطع منذ إعلان الإمارات بشكل مفاجئ عن تطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني يوم 13 أغسطس/آب الماضي، ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب ذلك بالأمر التاريخي، مرورًا بالبحرين يوم 11 سبتمبر/أيلول الماضي، وصولًا إلى السودان يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول السابق. وفي محاولة لطلاء هذا التطبيع بقشرة من الذهب اللامع، تحدث الكيان الصهيوني والإمارات ومعهما الراعي الأميركي عن اتفاقيات سيجري توقيعها بشأن قضايا أمنية وأخرى متعلقة بالاتصالات والطاقة والسياحة والرعاية الصحية وغيرها، وهو ما تكرر مع السودان لاحقًا. ومنذ ذلك الوقت، ضجت الصحف والمواقع الإخبارية والقنوات الفضائية ووسائل التواصل الاجتماعي في تلك البلدان بالحديث عما يحمله قطار التطبيع من "لبن وعسل" لشعوب الإمارات والبحرين والسودان، لكن ما حقيقة هذا الضجيج؟

سبق أن حصل ذلك مع مصر، أول الدول العربية المطبعة قبل 43 عامًا، فيما عرفت باسم اتفاقية "كامب ديفيد" التي وُقعت في واشنطن عام 1979، في أول خرق للموقف العربي الرافض للتعامل مع الاحتلال. وفي هذا السياق، يقول سياسيون واقتصاديون إنه ليس هناك أفضل من النظر إلى ثمار التطبيع بين مصر والكيان الصهيوني الذي مر عليه أكثر من 4 عقود، فماذا استفادت مصر اقتصاديًا وزراعيًا وسياحيًا وتكنولوجيًا؟

 

الواقع يبدو مختلفًا، حيث لا يشهد ذلك الرخاء المزعوم والتقدم الاقتصادي الموعود، بل شهد تدهورًا اقتصاديًا وعلامات توضح أن الوعود الحقيقية كانت بضمان العروش رغم أنف الشعوب، ويبدو أنه الوعد الذي أوفى به الكيان الصهيوني قدر استطاعته، وهو ما يسيل له لعاب المطبّعين الجدد.

يحيلنا خبراء اقتصاد ومختصون في مجالات الطاقة والزراعة إلى الأرقام من أجل مطابقة وعود الرخاء قبل 43 عامًا، بالواقع الحالي بين مصر والكيان الصهيوني، الذي يكشف للوهلة الأولى عن تدهور مستمر. لا يشكل الاستثمار ولا السياحة ولا التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي بين البلدين أرقامًا تذكر في الاقتصاد المصري، مما دفع الولايات المتحدة لاحقًا لابتكار اتفاقية "الكويز" علها تنشط التعاون التجاري، بحسب الخبير الاقتصادي ممدوح الولي.

و"الكويز" اتفاقية تم توقيعها بين القاهرة وتل أبيب وواشنطن عام 2004، وتهدف إلى فتح الأسواق الأميركية أمام الصادرات المصرية (خاصة الملابس)، شريطة أن تحتوي على مكون "إسرائيلي" بنسبة 10.5% على الأقل. وفي مؤشر على فتور العلاقات التجارية، زار وفد تجاري صهيوني القاهرة في أبريل/نيسان 2016 لدراسة إمكانية توثيق العلاقات الاقتصادية بين الكيان الصهيوني ومصر، وذلك لأول مرة منذ 10 سنوات، وفق موقع الخارجية الصهيونية.

وبحسب موقع الخارجية الصهيونية، بلغ حجم صادرات الكيان الصهيوني إلى مصر عام 2015 نحو 113.1 مليون دولار، مقابل 147.1 مليون دولار عام 2014. في حين كان حجم صادرات مصر إلى الكيان الصهيوني في تلك الفترة أقل بكثير، حيث بلغ في عام 2015 نحو 54.6 مليون دولار فقط، مقابل 58.3 مليون دولار في عام 2014. وتعد السياحة هي المجال الأنشط بشكل أحادي من الكيان الصهيوني لشبه جزيرة سيناء، والتي شهدت تراجعًا منذ اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، لينخفض عدد السياح من 226 ألفًا عام 2010 إلى نحو 133 ألفًا فقط عام 2012، ثم يرتفع إلى 344 ألفًا في 2018 من إجمالي 11 مليون سائح زاروا مصر، وفق إحصاءات مصرية رسمية.

لكن السياحة الصهيونية إلى مصر مردودها الاقتصادي ضعيف، إذ تعتمد على سياحة السفاري (التخييم) وليوم الواحد، وتتركز في مناطق دهب ونويبع وطابا وشرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء، وبالتالي قلة الإنفاق، وهو ما يعني ضعف العائد منها. وبالرغم من تقدم الكيان الصهيوني في مجالات التكنولوجيا وتحلية مياه البحر والزراعة، فإنها تحتكرها لنفسها وتعتبر مصر سوقًا لا شريكًا. ومن أوجه التعاون بين البلدين، الأيدي العاملة المصرية في الكيان الصهيوني، لكنها لا تشكل نسبة تذكر من حجم العمالة المصرية بالخارج، والأجور ليست مرتفعة مقارنة بمستوى المعيشة هناك، وبالتالي مستوى الاستفادة محدود بالأرقام لا بالكلام.

فيما يتعلق بمجال الطاقة، قال وكيل لجنة الصناعة والطاقة بالبرلمان المصري السابق مصطفى محمد مصطفى إن مصر خسرت مليارات الدولارات من خلال تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني بثمن بخس في عهد مبارك، قبل أن تتحول إلى استيراده منها عبر صفقة بنحو 19 مليار دولار لمدة 15 عامًا، مضيفًا "لولا التطبيع ما كانت تحلم إسرائيل بتصدير غازها، ولظل حبيس البحر".  وأوضح البرلماني السابق أن مصر دفعت تعويضات بمئات ملايين الدولارات جراء توقف تدفق صادرات الغاز المصري إلى الكيان الصهيوني عقب ثورة يناير، ومن دون التطبيع مع مصر لا يستطيع الكيان الصهيوني تصدير الغاز إلى أوروبا لأنه لا يمتلك محطات لإسالة الغاز وتستخدم محطتي إدكو ودمياط على البحر المتوسط.".

على المستوى الزراعي حدّث ولا حرج، بحسب خبير الاقتصاد الزراعي عبد التواب بركات، الذي يرى أن التطبيع مع الكيان الصهيوني أدى إلى أضرار كبيرة في القطاع الزراعي بمصر بعد أن كان محرك الاقتصاد قبل 4 عقود. و يضرب بركات بذلك مثلًا بأن كثيرًا من أمراض الزراعة المصرية جاءت عبر الكيان الصهيوني، كسوسة النخيل، وحشرة فرو النحل التي دمرت المناحل المصرية، والمبيدات المسرطنة التي دخلت مصر في الثمانينيات والتسعينيات، ويؤكد الخبراء أنها دخلت عبر الكيان الصهيوني أيضا.

وأكد أن الكيان الصهيوني هي التي استفادت من الخبرات المصرية الزراعية العريقة، حيث حصلت على أصناف القطن طويل التيلة وفائق الطول، وأجرت عليه تحسينات لتصل إنتاجية الفدان لديها إلى أكثر من 15 قنطارًا، في حين تخلفت إنتاجية الفدان في مصر إلى أقل من 6 قناطير. وفيما يتعلق بقطاع الثروة الحيوانية، أكد عبد التواب أن الكيان الصهيوني حصل على أصناف متميزة من حيث إدرار اللبن من الجاموس المصري بسبب علاقاتها المتميزة مع وزير الزراعة الأسبق يوسف والي، وقامت بتحسين هذه السلالة إلى معدلات فاقت الأصناف الموجودة في مصر. ويوسف والي هو وزير الزراعة في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وكان المتهم الأول في قضايا سرطنة الكثير من الزراعات عبر السماح باستخدام مبيدات زارعية صهيونية.

ويُجمل الباحث الاقتصادي حافظ عبد الصاوي نتائج التطبيع بأنها لصالح الكيان الصهيوني فقط، قائلًا "خسائر الكيان الصهيوني من المقاطعة الاقتصادية العربية وغير العربية خلال الفترة 1956 و2001، كانت نحو 95 مليار دولار، ولكن اتفاقيات السلام العربية مع الكيان الصهيوني أوقفت هذا التأثير السلبي". وأشار في مقال له إلى "ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، التي كانت بحدود 11 مليون دولار في عام 1979، وأصبحت 20.7 مليار دولار في 2018، وذلك وفق أرقام قاعدة بيانات البنك الدولي". وأضاف "لم يتعلم المسؤولون العرب من الثمار المُرة التي تحققت في الفترة الماضية من خلال إقامة علاقات السلام مع الكيان الصهيوني، كما لم يتعلموا من أن فرقتهم وغياب مشروعهم للتعاون والتكامل الاقتصادي العربي تسببًا في إضعاف موقفهم التفاوضي، وإذا ما ساروا على النهج نفسه في خطة ترامب الجديدة، فمعنى ذلك ضياع مزيد من الحقوق والثروات".

للاطلاع على الملف كاملاً والذي أعده مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير يمكن الضغط على الرابط