• اخر تحديث : 2024-07-04 10:16

تؤکد إدارة بايدن للخليج الفارسي على الهيكل الذي يمكن لإيران والمملكة العربية السعودية من خلاله تقليل التوترات، ولا تزال الولايات المتحدة تدير هذا النظام أثناء انتقالها من المنطقة إلى آسيا؛ وإن لم يكن كما كان في الماضي.

تتكون السياسة الخارجية للدول من مبادئ ثابتة ومتغيرة، التي تتأثر بالتغيرات الداخلية والخارجية. حتى أن المبادئ الثابتة للسياسة الخارجية قد تتغير بمرور الوقت.

تاريخيًا تم تحديد وجهة نظر واشنطن للخليج الفارسي بناءً على موضوع النفط وأمنه. ولقد مر 40 عامًا على نهج كارتر، حيث تولت الولايات المتحدة حماية النفط وتأمين هذا المورد. إن تراجع اعتماد الولايات المتحدة على نفط الخليج الفارسي وصعود الصين هما من الأسباب الرئيسية وراء ابتعاد الولايات المتحدة عن هذه السياسة التي دارت عليها الزمن.

إثر ثورة النفط الصخري، أصبحت الولايات المتحدة أقل اعتمادًا على نفط الخليج الفارسي، حيث تعتمد على النفط الصخري وتكنولوجيا استخراج النفط.

من جهة أدى صعود الصين وشعبيتها المتزايدة، والتي تعتبر وفقًا لبعض التقارير القوة الاقتصادية الكبرى في العالم قبل الموعد المحدد (2025)، إلى تحويل تركيز الولايات المتحدة من الخليج الفارسي إلى شرق آسيا. تم تقديم هذه السياسة في عهد باراك أوباما على شكل "التوجه نحو آسيا" وأثناء عهد ترامب وصلت ذروتها مع الحرب التجارية مع بكين ودخول الخطوط الحمراء للصين بما في ذلك هونغ كونغ وتايوان وقضية الأويغور في إقليم شينجيانغ. كما تحاول إدارة بايدن جاهدة احتواء الصين، بالاعتماد على التعددية. وفقًا لذلك، دعا بايدن إلى مراجعة معاهدة عبر المحيط الهادئ لإيجاد طريقة لمواجهة بكين، التي أصبح من غير الممكن إيقافها بمشاريع مثل طريق الحرير واتفاقية التجارة الحرة الأخيرة.

يعتقد مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، أيضًا أن تركيز السياسة الخارجية الأمريكية يجب أن ينتقل من الشرق الأوسط إلى شرق آسيا (الصين).

وبينما كان تركيز إدارة ترامب في المنطقة قائمًا على الکیان الصهیوني والسعودية، شدد بایدن في تعريفه لأمر المنطقة، على تهدئة التوترات بين إيران والسعودية. وعلى هذا الأساس أعلنت حكومة بايدن أنها ستعلق مساعداتها للحرب اليمنية والعودة إلی الاتفاق النووي. في الواقع، تسعى حكومة بايدن إلى نظام إقليمي تخفف فيه الجهات الفاعلة الإقليمية من توتراتها وتدير الولايات المتحدة هذا النظام.

وحيث تمکن نتنياهو في عهد ترامب من تشكيل فريق محترف للقیام بالتعاون بينه وبين ترامب وبن سلمان والإمارات ضد إيران والاتفاق النووي، وخروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وإعمال أقصی العقوبات على إيران علی مدی التاريخ، ودفع علاقات إيران مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى الوضع "الأكثر عدائية".

والآن ونظرًا لتراجع أهمية نفط الخليج الفارسي واستئناف نهج إدارة بايدن في التحول نحو آسيا، فإن موضوع كيفیة تحقيق نظام أمني خليجي يمكن أن يخدم مصالح الولايات المتحدة وحلفائها ويتصدى لنفوذ دول مثل الصين وروسيا في المنطقة أمران مهمان بالنسبة لواشنطن. وبناءً على ذلك، يسعى بايدن إلى إجراء محادثات أمنية شاملة في الخليج الفارسي لكي یتم اتخاذ الخطوة الأولى في نقل عبء الأمن من الولايات المتحدة إلى دول المنطقة. ولتحقق نجاح مثل هذا الجهد، يجب علی الولايات المتحدة أن تستمر في لعب دور الداعم.

لهذا السبب قدم جيك سوليفان ودانيل بينايم منظورًا جديدًا لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في مايو 2020 وهي التركيز على الحوار الإقليمي الداخلي.

إن جهود سوليفان وبینايم للدبلوماسية الإقليمية لها أهمية خاصة لأن معظم الشكوك حول استعداد المنطقة لمثل هذا الإجراء تأتي من الولايات المتحدة نفسها. إن معظم الشركاء الأمنيين للولايات المتحدة في الخليج الفارسي یرغبون أن تستمر الولايات المتحدة في احتواء ومواجهة إيران. إنهم يعارضون بشدة أي ترتيبات أمنية تتعلق بإيران وطهران أيضًا تنظر إلی رؤية لا مكان فيها للولايات المتحدة. لكن وجهة نظر إيران المثالية السابقة قد تغيرت أيضًا، حیث أکدت إيران على دور مجلس الأمن في إنشاء بنية النظام الأمني الإقليمي في مبادرة هرمز للسلام.

علی صعید الأمر الأمني لبايدن، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لا تزال تشرف عليه، إلا أنها تحاول عدم تواجد ایران کدولة معزولة في هذا النظام؛ كما كان واضحًا في تعريف نظام ترامب. وبناء علیه، فإن الولايات المتحدة، بينما تدعم الحلفاء الإقليميين، بما في ذلك السعودية، تحثهم على تخفيف التوترات مع إيران في المرحلة الأولی وربما الضغط عليهم في المراحل اللاحقة.

من جانب آخر، ستستخدم الولايات المتحدة، أثناء عودتها إلى الاتفاق، العقوبات كأداة للضغط من أجل تغيير السياسة الإقليمية ومسألة الصواريخ الإيرانية. لكن أشخاصًا مثل روبرت مالي، المرشح للمنصب المندوب في شؤون الإيرانية، يعتقدون أن التأكيد على المفاوضات حول "الأنشطة الصاروخية" وسياسات إيران الإقليمية دون الدخول في موضوع "الهيكل الأمني الإقليمي" هو أمر ساذج. بعبارة أخرى، يعتقد أن قضية الصواريخ والسياسات الإقليمية في إيران ترتبط مباشرة بقضية "توازن القوى" المعقدة والمتعددة الأبعاد ومصير عدة دول في المنطقة، وبالتالي فهي ليست قضية يمكن أن يكون حلها سهلًا حتی في ولاية بايدن الأولى. وبالتالي، فإنه لا یعتبر" اتخاذ الاتفاق النووي کورقة ضعظ" لحل هذه القضايا، أمراً واقعياً.

في عهد بايدن، سيتم متابعة تطبيع العلاقات بين دول المنطقة والکیان الصهیوني، وفي خضم ذلك، فإن العودة إلى مجلس الأمن الدولي مطروحة على جدول الأعمال؛ ومع ذلك، سيبذل الکیان الصهیوني قصارى جهده لمنع حدوث ذلك. بناء علیه ووفقًا لسوليفان، إن إدراك أن أميركا لن تكون منقذة بعد الآن، يفرض على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة متابعة الدبلوماسية الإقليمية بجدية أكبر. بالتالي فإن عملیة تطبيع العلاقات بين الإمارات والکیان الصهیوني في هذا الصدد أمر مفهوم للغاية. هذه ليست صفقة سلام فقط، بل صفقة أسلحة واتفاق عسكري ضمني لضمان تدفق الأسلحة المعقدة التي تلجأ إليها الإمارات العربية المتحدة للکیان الصهیوني خوفًا من قطعها من قبل الولايات المتحدة.

وعليه، فإن النظام الإقليمي في عهد بايدن، على الرغم من أنه لم يعط الشيك الأبيض الممضي في حقبة ترامب للسعودية والکیان الصهیوني، لكنه يرى إيران كجهة فاعلة يجب أن تلتزم بقواعد اللعبة الإقليمية. إن درجة التقارب أو الاختلاف بين السعودية والإمارات وإسرائيل من الولايات المتحدة سيحدد نوع رد الفعل الإيراني.