• اخر تحديث : 2024-07-04 10:16

تقييم المقال:

يشرح بلال صعب من معهد الشرق الأوسط في هذا المقال، العلاقات المختلفة لحزب الله مع مختلف الأطراف اللبنانية ويشرح أسباب الخلافات التي قد تظهر في الأشهر المقبلة. في تحليل يغلب عليه الطابع التحذيري مما أطلق عليه اسم الفاعل الأخطر في الشرق الأوسط في إشارة الى حزب الله ودوره في الداخل اللبناني وعلى مستوى الإقليم. يشير صعب في مقاله الى أهمية البيئة الحاضنة الشيعية للمقاومة ودورها في تحويل رؤيته حول "المجتمع المقاوم" الى واقع، ورافد من روافد القوة والصمود والقدرة على التأثير، ومن هنا يصوّب الكاتب على هذه البيئة ويعتبر ان احتواءها والعمل على اختراقها تحت عناوين المطالبة بتغيير النظام اللبناني الحالي او إصلاحه والعمل على تطويق نفوذ حزب الله في الداخل واحتوائه من الأمور الواجب العمل عليها بجدية وفاعلية.

يشير الكاتب الى وجود قاعدة شعبية شيعية داخل هذه البيئة، معارضة بشراسة لسياسات حزب الله وخياراته الداخلية والإقليمية، ويعترف بأنه على الرغم من وجودها الا انها لم تنجح في تغيير المعادلات الانتخابية ولا في نتائج الانتخابات، بل بالعكس ربما كانت سبب إضافيا لمزيد تكاتف عناصر هذه البيئة والتفافهم حول حزب الله. ولا شك أن الاغتيال الأخير للقمان سليم والذي تحاول الكثير من الأطراف وضع حزب الله في خانة الاتهام من خلاله، من الملفات التي تشير الى هذه السياسة العدوانية للحزب وبيئته والتي أشار اليها الكاتب تلميحا دون تصريح.

يشير الكاتب الى ما اسماه الذراع المالي الخاص لحزب الله في إشارة الى جمعية القرض الحسن والرعاية المالية الإيرانية لحزب الله والتي تمكنه من المحافظة على توازنه الداخلي، والتصدي للعقوبات الامريكية، والتقدم في سياسة التسلح والاستعداد عسكريا، وهذه دلالة إضافية على فشل السياسات الامريكية في الضغط على حزب الله واقصاءه نظرا لربط هذه السياسة تجاه لبنان وحزب الله بسياسة الضغط الأقصى على إيران والتي اثبتت انها لم تلبي كل الأهداف المنتظرة.

فيما يخص العلاقة مع سوريا أصبح حزب الله أكثر انخراطًا على المستوى السياسي وأكثر استقلالية في الداخل واستطاع تعزيز نفوذه مع الحفاظ على علاقته الاستراتيجية مع سوريا، التي أصبحت معبرا استراتيجيا وخط امداد لوجستي وعسكري لحزب الله، وهنا اعتراف من الكاتب بأن كل السياسات العدوانية التي قادتها الولايات المتحدة في الفترات السابقة لإقصاء حزب الله واضعافه قد فشلت ولم تحقق أهدافها أيضا. من ضمن التوقعات المحتملة التي عمل الكاتب على الإشارة اليها هو حالة الانهيار الداخلي في لبنان وتأثيراتها على حزب الله وعلى علاقاته بحلفائه في الداخل وبقية الطيف السياسي. ويشير الى أنه من الممكن أن يؤدي الانهيار الداخلي المتوقع إلى إجهاد أو قطع هذه العلاقات بشكل كبير، ونتيجة لذلك، قد يواجه حزب الله تعقيدات كثيرة. ومن هنا يأتي التصويب على البيئة الداخلية للحزب ومدى فعاليتها وقدرتها على استيعاب الازمات والتفاعل مع الحلول المؤقتة وتحمل تبعات الحصار والعقوبات.

يعمل حزب الله على المحافظة على علاقاته مع بقية الطوائف وخاصة المسيحية والسنية، ايمانا بضرورة خلق توازن سياسي ومجتمعي داخلي لحماية السلم الأهلي وعدم السماح بتدحرج الازمة الى الشارع وخلق صدام قد يتسبب في انفلات الأمور. يشير الكاتب الى ان أولوية حزب الله هي المحافظة على السلم الداخلي وعدم السماح باي اضطراب يمكن ان يكون سببا في صرفه عن دوره وأهدافه الإقليمية. وهنا إشارة من صعب الى أهمية الساحة الداخلية والتهديدات التي يمكن ان تطال الحزب وسياساته في حال تم اختراقها او انحرافها. يقر الكاتب بفشل السياسات الامريكية في اقصاء حزب الله او اضعافه، ويشير الى انه من الضروري العمل مع كل الأطراف السياسية اللبنانية في توجه إصلاحي للنظام السياسي اللبناني، يعني العمل على تغيير النظام السياسي وفق توجهات ومتغيرات المرحلة الجديدة في لبنان والمنطقة. ويعترف الكاتب بان هذا الامر معقد ولا يمكن للولايات المتحدة القيام به بل على اللبنانيين تولي ذلك وفق خيارات جديدة. لكن يبقى السؤال هل المطالبة بإصلاح وتغيير للنظام اللبناني سيكون وسيلة فاعلة لإقصاء الحزب؟ ام لاحتوائه والالتفاف على تحركاته داخليا؟ يبدو أن التجاهل الأمريكي لضرورة تغيير النظام هو السبب الأساسي وراء الفشل في احتواء الحزب، هكذا يقر الكاتب وهكذا تبدو الصورة وفق وجهة نظره.

---------------------------------------------------

نص المقال (مترجم)

لطالما كان حزب الله اللبناني أحد أخطر الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط، وقد رسخ نفسه بعمق في النظام السياسي والاقتصادي في لبنان. يشرح بلال صعب من معهد الشرق الأوسط العلاقات المختلفة لحزب الله مع مختلف الأطراف اللبنانية ويشرح أسباب الخلافات التي قد تظهر في الأشهر المقبلة.

من البديهي أن تزدهر الجهات الفاعلة العسكرية الفرعية في ظل ظروف ضعف الدولة. ولكن ما هو أقل وضوحًا هو ما إذا كانت هذه الجهات الفاعلة، على الأقل الجهات الأكبر والأكثر طموحًا، قادرة على البقاء وتحقيق أهدافها في ظل ظروف فشل السلطة الحاكمة والانهيار الاقتصادي. هذا سؤال ينطبق حاليا على حزب الله، الحزب السياسي اللبناني المسلح الموالي لإيران. منذ نشأته في أوائل الثمانينيات، كان حزب الله شوكة في خاصرة الولايات المتحدة، حيث قوّض مصالحها باستمرار في لبنان وأماكن أخرى في المنطقة بالتنسيق مع الحرس الثوري الإيراني. كما يشتبه في ارتكابه هجمات إرهابية ضد القوات الأمريكية والأفراد في المنطقة، بما في ذلك تفجير المارينز في 1983 وهجومان استهدفا السفارة الأمريكية في بيروت في عامي 1983 و1984. جربت واشنطن مجموعة من الخيارات السياسية لإضعاف حزب الله على مر السنين. لقد ضغطت على حزب الله دبلوماسياً من خلال وصفه عام 1997 بأنه منظمة إرهابية.  ثم سعت إلى عرقلة أنشطة حزب الله لجمع التبرعات في جميع أنحاء العالم وخاصة في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية. وحاولت تحدي منطق حزب الله في الحفاظ على سلاحه - وهو ما يبرره الحزب كوسيلة لردع إسرائيل - من خلال تعزيز الجيش اللبناني. وفرضت عقوبات اقتصادية، ومكنت إسرائيل من العمل العسكري من خلال توفير الأسلحة والدعم الدبلوماسي، وقادت عمليات سرية خاصة بها ضد حزب الله. لكن يبدو أنه لا شيء نجح في الحد من نفوذ حزب الله الهائل على السياسة اللبنانية، أو تقليص قدراته العسكرية، أو احتواء نفوذه الإقليمي في أماكن مثل سوريا والعراق واليمن. لسنوات عديدة، عمل حزب الله "كصانع حكام" يتمتع بما يسمى حق النقض (الفيتو) على كيفية تشكيل الحكومات اللبنانية ومن الرئاسة، واستمر نفوذه في الداخل والخارج في النمو.

لبنان الآن يتأرجح ماليا على حافة الانهيار بسبب الفساد المستشري في النخب الحاكمة وفشلها المستمر في تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية. كيف سيؤذي هذا الوضع حزب الله؟ سيكون فهم العناصر الرئيسية لقوة بقاء المجموعة وما إذا كانت هذه العناصر قد تغيرت مؤخرًا أمرًا أساسيًا لسياسة الولايات المتحدة ونهج إدارة بايدن تجاه لبنان.

دائرة حزب الله المحلية

للبقاء، يعتمد حزب الله على مجموعة من العلاقات الداخلية والخارجية التي يمكن اعتبارها مركزية بالنسبة له. وتشمل أكثر هذه العلاقات أهمية وحميمية المجتمع الشيعي اللبناني. فبدونها، ليس لدى حزب الله جمهور يمكنه المساعدة في تحويل رؤيته لـ "مجتمع مقاومة" إلى واقع. بدونها، لا يمكن للحزب القتال أو جمع الأموال أو الانخراط في السياسة. مرت هذه الفئة بمشقة كبيرة خلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، والذي استمر من عام 1982 إلى عام 2000. وقد بنى حزب الله الكثير من دعمه المجتمعي وبنيته التحتية السياسية والعسكرية خلال تلك الفترة. لكن منذ تحرير الحزب للجنوب، بدأت الخسائر تتراكم في المجتمع اللبناني. كما عانى الشيعة اللبنانيون من ألم لا يُصدق خلال حرب مدمرة استمرت 33 يومًا مع إسرائيل في عام 2006. ومنذ عام 2011، ناضلوا بسبب الصراع الشرس في سوريا المجاورة، والذي كرس له حزب الله الكثير من الدماء والأموال.

في حين أن القلق المتزايد لدى الشيعة اللبنانيين من الأجندة الإقليمية العدوانية لحزب الله لم يؤثر على مكانة الحزب انتخابيا في صناديق الاقتراع، لكن حدثت بعض التوترات في العلاقة مؤخرًا، كما يتضح من المظاهرات الشيعية ضد حزب الله في جميع أنحاء لبنان. اغتيل لقمان سليم، وهو شيعي لبناني معروف ومنتقد لحزب الله، في 4 فبراير في سيارته في منطقة محسوبة على حزب الله في جنوب لبنان. يبدو أنّ قادة حزب الله حساسين تجاه أي نوع من المعارضة المنظمة أو النشاط الاجتماعي والسياسي داخل المجتمع الشيعي. على الرغم من أن سليم كان نشطًا لسنوات عديدة، في مواجهة حزب الله مما شكّل نوع من الضغوط الجديدة من داخل قاعدته المحلية، وربما استنتج الحزب أنه لم يعد بإمكانه تحمل معارضته.

رعاية إيرانية

من الناحية الاقتصادية، يُعتقد أن قدرة حزب الله على دعم بيئته تضاءلت في السنوات الأخيرة بسبب الصعوبات المالية. لكن هذه الصعوبات لا ينبغي تشخيصها خطأ أو تضخيمها. اذ يتلقى حزب الله قدرًا كبيرًا من التمويل من إيران أيضًا، بما قد يصل إلى 100 أو 200 مليون دولار سنويًا. هذه الشراكة المتينة مع طهران هي الدائرة التالية المباشرة في علاقات حزب الله. تقدم إيران لحزب الله أكثر من المال – فهي انتماءه العقائدي والديني، وموجّهه الاستراتيجي ومدرّبه العملياتي وداعمه بالسلاح المتطور، بما في ذلك الصواريخ الموجهة بدقة والأنظمة غير المأهولة. لا تبدو المعدات العسكرية من الحرس الثوري الإيراني لحزب الله أمرا سريا، فقد كان الأمين العام للحزب حسن نصر الله، شديد الشفافية بالكشف عن ذلك في العديد من خطبه واطلالاته التلفزيونية.

من غير الواضح ما إذا كان يجب قطع أي من المساعدات المالية الإيرانية بسبب المشاكل الاقتصادية للبلاد وعقوبات إدارة ترامب، والتي سيتعين على فريق بايدن أن يقرر إما الإبقاء عليها أو رفعها اعتمادًا على نتيجة المفاوضات النووية المحتملة بين الولايات المتحدة وإيران. وإذا كان هذا التدفق قد تم تقليصه بالفعل، يبقى السؤال هو إلى أي مدى؟ وإذا ما كان قد أضر بشكل فعال بالمكانة الاجتماعية والمصالح السياسية لحزب الله في الداخل؟يستخدم حزب الله هذه الموارد المالية لضمان استعداده العسكري ودفع الرواتب والإسكان والتعليم والرعاية الصحية ومجموعة من المزايا لمنتسبيه ومؤيديه. على الرغم من عدم استطاعة الحزب الاعتماد على النظام المصرفي اللبناني بسبب العقوبات الأمريكية، إلا أنه لديه ذراعه المالي الخاص، وهي "جمعية القرض الحسن" التي يستخدمها لتقديم قروض صغيرة بدون فوائد للشيعة اللبنانيين وغيرهم من السكان المحليين. يبدو أنّ ما يمتلكه الحزب بين مصرفه ونشاطاته المحلية والإقليمية، والتبرعات من جمهوره الشيعي، والدعم الإيراني ما يساعده على البقاء، ولكن على الرغم من ذلك قد يتراجع نشاطه عما كان سابقا.

المساعدة السورية

بصرف النظر عن المساعدة الإيرانية، يحتاج حزب الله إلى دمشق لمواصلة نشاطه في المنطقة، اٍذ تعدّ المعبر الرئيسي لنقل الأسلحة السورية والإيرانية عبر الحدود الى حزب الله. مع وجود بصمة قوية لإيران وحزب الله في سوريا، فإنهما قادران على ممارسة سيطرة محكمة على الحدود اللبنانية السورية. لقد تغيرت علاقة حزب الله بسوريا كثيراً خلال الـ 16 عاماً الماضية. ففي فترة النفوذ السوري في لبنان من 1990 إلى 2005، عمل حزب الله تحت السيطرة السورية وكان نشاطه العسكري ضد إسرائيل خاضعًا للأولويات السورية من نواح كثيرة. ولكن بعد أن أُجبرت القوات السورية على الخروج من لبنان في أعقاب الاحتجاجات الشعبية اللبنانية الضخمة في مارس 2005، أصبح حزب الله أكثر انخراطًا على المستوى السياسي وأكثر استقلالية في الداخل واستطاع تعزيز نفوذه مع الحفاظ على علاقته الاستراتيجية مع نظام الأسد.

منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية وتدخل حزب الله إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد، تحول ميزان القوى لصالح الجماعات الشيعية، فلولا المساعدة العسكرية لحزب الله وإيران، لما نجا الأسد.

الروابط المحلية

إلى جانب هذه العلاقات الأساسية، التي من المرجح أن تستمر على الرغم من العقوبات الأمريكية، يتمتع حزب الله بعلاقات سياسية مهمة في الداخل، سواء داخل المجتمع الشيعي أو العابرة للطوائف في البلاد، والتي ترتبط ببعضها البعض من خلال مقايضة مباشرة مبنية على المال والسياسة والقوة. يمكن أن يؤدي الانهيار الداخلي المتوقع إلى إجهاد أو قطع هذه العلاقات بشكل كبير، ونتيجة لذلك، قد يواجه حزب الله تعقيدات كثيرة.

من خلال التموضع داخل المجتمع الشيعي، تعتبر حركة أمل شريكًا مهمًا لحزب الله. كانت علاقة مفيدة للطرفين منذ عام 1982 عندما تولى نبيه بري قيادة أمل، فقد ضمن حزب الله احتفاظ بري بمنصبه كرئيس لمجلس النواب اللبناني وسمح له بإدارة مخططات حكومته الفاسدة دون أي محاسبة. في المقابل، حصل حزب الله على دعمه السياسي الكامل في مجموعة من القضايا، بما في ذلك منع الدعوات إلى نزع سلاح الحزب. إضافة إلى ذلك، عمل بري كسفير فعال لمصالح حزب الله في الخارج. إنه، كما وصفته راندا سليم ذات مرة، "عيون وآذان وصوت الحزب". من المرجح إذا رحل بري البالغ من العمر 82 عامًا، ومع استمرار حالة الانهيار في لبنان، أن يعتمد حزب الله أكثر على حركة أمل. ففي ظل افتقار حزب الله إلى أي مهارات مثبتة في الحكم السياسي أو خبرة في الإدارة المالية للدولة، سيحتاج حزب الله إلى حركة أمل من أجل المزيد من الاندماج في الدولة اللبنانية وممارسة سيطرة أكبر على العملية السياسية. فحركة أمل لا غنى عنها في هذا الانتقال لأنها تتمتع بخبرة في شؤون الدولة. هناك علاقتان داخليتان ستؤثران على مستقبل حزب الله في خضم هذه الفترة من الأزمة الوجودية الوطنية، وهما العلاقة مع التيار الوطني الحر المسيحي بزعامة الجنرال ميشال عون، رئيس الدولة اللبنانية الحالي، ومع تيار المستقبل السني، برئاسة رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري.

الأول سمح لـ "حزب الله" بأن يزعم أن له مؤيدين خارج قاعدته الشيعية، الأمر الذي ربما ساعد في تحسين صورته لدى بعض الحكومات الأوروبية التي تهتم بمصير المسيحيين في لبنان. والثاني حافظ إلى حد كبير على السلام بين السنة والشيعة في لبنان. تستند هاتان العلاقتان إلى تفاهمات ضيقة ذو منفعة متبادلة، فبفضل الدعم السياسي لحزب الله، تمكن عون من تحقيق حلم حياته في أن يصبح رئيسًا في عام 2016 مقابل احاطة حزبه لحزب الله وحمايته من الانتقادات المحلية حول دوره العسكري ومغامراته الإقليمية. وافق الحريري على التسوية مع حزب الله -على الرغم من الاشتباه من دور الحزب في مقتل والده رفيق الحريري، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق عام 2005 - مقابل الحفاظ على مكانته السياسية.

مع غرق السفينة اللبنانية، يجب على حزب الله تقييم ما إذا كانت هذه العلاقات قادرة على الاستمرار ومدى حاجته إليها. خليفة عون المحتمل لقيادة التيار الوطني الحر هو صهره جبران باسيل الذي يكرهه معظم اللبنانيين، بما فيهم الكثير من المجتمع المسيحي، بسبب اتهامه بالفساد، وتعطشه للسلطة، وأسلوبه في التعاطي مع القضايا المهمة، والذي يبدو أنّ فرصه ضئيلة أو معدومة في أن يُنتخب رئيسا قادما، فقد أصبح شخص غير مرغوب فيه في واشنطن، بعد أن كان مؤخرًا هدفًا للعقوبات الأمريكية بسبب ممارساته وتوافقه مع حزب الله. يمكن لحزب الله أن يقلل من شراكته مع التيار الوطني الحر، وأن يقبل بعلاقات مع مسيحيين لبنانيين آخرين مثل تيار المردة بقيادة سليمان فرنجية وغيره من الكيانات المسيحية الموالية لسوريا، كما فعل قبل عودة عون من منفاه الاختياري في فرنسا عام 2005. لكن سيظل حزب الله بحاجة إلى التيار الوطني الحر إلى حد ما. سيظل التيار الوطني الحر رافعة في وجه القوات اللبنانية اليمينية، التي لطالما كانت في طليعة المعارضين للوضع المسلح لحزب الله ويبدو أنها صعدت داخل المجتمع المسيحي اللبناني في السنوات الأخيرة كما يتضح من الأداء القوي للحزب في 2018 في الانتخابات البرلمانية. إن أكثر ما يميز حزب الله من حيث العلاقات بين الطوائف هو العلاقة المستقرة مع السنة في البلاد، وخاصة الموالين للحريري. وطالما أن حزب الله لا يعترض على احتفاظ الحريري بهيمنته على رئاسة الوزراء اللبنانية، فإن فرص العنف اللبناني المذهبي بين السنة والشيعة تقل كثيراً. هذه أولوية لحزب الله، فلا شي يقلق حزب الله وقد يصرفه عن دوره وأهدافه الإقليمية أكثر من خطر حدوث اضطرابات وصدامات مذهبية داخلية خطيرة. إذا ظل لبنان غارقًا في أزمة مالية أو انهار تمامًا، فقد تتدهور علاقات حزب الله مع عون والحريري لانتفاء ما يمكن ان يستعمله كوسيلة ضغط على الأطراف اللبنانية. وقد يؤدي هذا إلى عزل حزب الله محليًا ولكن لن ينهيه، لأن دعم الشيعة اللبنانيين وإيران وسوريا سيبقى قويا.

الآثار المترتبة على سياسة الولايات المتحدة

هذه النتيجة المحتملة لحزب الله ليست مثالية بالنسبة للولايات المتحدة. لكن قصر نظر صانعي السياسة الأمريكيين حول حالة حزب الله كان عقبة أمام السياسة الفعالة تجاه لبنان. للمضي قدمًا، يجب على الولايات المتحدة أن تولي مزيدًا من الاهتمام للمشاكل الاساسية في البلاد التي غذّت حزب الله وستسمح له بالاستمرار.

يستفيد حزب الله من نفس الافتقار إلى الشفافية والفساد والطائفية والمحسوبية التي يستخدمها بقية السياسيين في البلاد للحفاظ على إقطاعياتهم ومناصبهم. إن المسار الأكثر حكمة للعمل بالنسبة لواشنطن هو محاولة تغيير النظام بأكمله تدريجياً نحو الأفضل بالشراكة مع الجهات الفاعلة ذات التوجه الإصلاحي في البلاد، بما في ذلك المجتمع المدني اللبناني. سيظل من المهم استهداف حزب الله، لكن العقود الأربعة الماضية من السياسة الأمريكية في لبنان تُظهر أن هذا النهج له حدود. يجب إصلاح البيئة السياسية التي يعمل فيها حزب الله. من المؤكد أن أي جزء من هذا لن يكون سهلاً، ولا يمكن أن يقوم به الغرباء، بما في ذلك الولايات المتحدة. هذا تحدٍ للأجيال يجب على اللبنانيين مواجهته. يمكن لواشنطن أن تساعد - لا تزال لديها مصالح مهمة في لبنان، بما في ذلك منع سقوط الدولة في لبنان ومنع إيران من السيطرة الكاملة على البلاد - لكنها تحتاج أولاً إلى تشخيص مناسب للمشكلة. والمشكلة ليست حزب الله فقط، للأسف، إنه النظام اللبناني بأكمله. وكلما تجاهل المسؤولون الأمريكيون هذا الأمر لفترة أطول، كلما ابتعدوا عن احتواء حزب الله بشكل فعال ومساعدة لبنان في إعادة بناء نفسه.