• اخر تحديث : 2024-04-24 13:38
news-details
تقدير موقف

مستقبل المفاوضات الأمريكية الإيرانية


كثيرٌ هو الأخذ والردّ في الملف النووي الإيراني، الذي يمثل الركن الأساسي لمسار عملية التفاوض بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبعد أن رفضت إيران مؤخرًا عرضًا للتفاوض مباشرة مع الولايات المتحدة في اجتماع غير رسمي اقترحه الأوروبيون لإحياء الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس دونالد ترامب قبل نحو ثلاث سنوات؛ قامت الترويكا الأوروبية اليوم المتمثلة بريطانيا وفرنسا وألمانيا بالتخلي عن خطة لتوجيه انتقادات إلى إيران ضمن إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

وجاءت معلومات عن دبلوماسيين تأكيدهم أن الثلاثية الأوروبية تراجعت عن الخطة المدعومة من قبل الولايات المتحدة، والتي كانت تقضي بتبني مجلس المحافظين التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبوع الجاري بياناً يندد بإيران على خلفية قرارها خفض مستوى التعاون مع الوكالة. فيما تخطط الأخيرة لإجراء مشاورات فنية مع إيران في أبريل القادم، كما أعلن مديرها العام.

تزامن هذه التغيير مع كلام الرئيس الإيراني صباح امس أنه على إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، العودة إلى الاتفاق النووي أولاً، إذا كانت جادّة في المضي قدماً بالمسار الدبلوماسي، كما أنّ عليها أن تدرك أنّ إيران لن تقبل أيّ تغيير في الاتفاق.

يرى البعض أن قرار إيران يعكس جزئيًا رغبة قادتها في الظهور بمظهر مرن في مواجهة الضغوط الأمريكية، وهو أبعد ما يكون عن دق ناقوس الموت للمفاوضات. فيما يعتبر البعض الآخر، أن العقوبات تدفع بالسياسة الداخلية الإيرانية إلى التحرك في الاتجاه المعاكس الذي تأمله الولايات المتحدة.

 

في هذا الإطار، يلحظ الجانب الإيراني اليوم تغييرًا بسيطًا في تصريحات الإدارة الأمريكية ولم يشهد تغييرا عمليا في سياستها تجاه طهران، بحسب ما صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني. وحيث أنّ إيران قد حافظت على الاتفاق النووي، فمن حق الشعب الإيراني إلغاء العقوبات عنه، بحسب تعبير روحاني.

من الجهة المقابلة؛ يستعد بايدن لبث روح جديدة في الاتفاقية، لكنه للحفاظ على شركاء واشنطن الخليجيين، يحتاج إلى استراتيجية فعلية لحمايتهم وطرق تمكنهم من المشاركة في هذه الاستراتيجية.

هل هناك انفراج في عملية التفاوض الأمريكية الإيرانية؟

إن مسار المفاوضات الإيرانية – الأمريكية اليوم رهنٌ لمجموعة من الاعتبارات والظروف والشروط. ومن المرجح أن تكون أي اتفاقية جديدة أسوأ من إحياء الصفقة الحالية بالنسبة للولايات المتحدة وذلك لأسباب عدة.

  • من مصلحة الولايات المتحدة العودة للاتفاق لأنه سيخفف من احتمالية الذهاب إلى المكواجهة العسكرية التي ستكون تداعياتها خطيرة أولا على المصالح الأمريكية وعلى مصالح حلفائها وعلى المنطقة. لكن احتمالية إيقافه للبرنامج النووي الإيراني غير مؤكدة بل غير مضمونة، فيما الأمريكي يدرك ذلك ويجعله في حالة إرباك فيما يخص خيار العودة إلى الاتفاق.
  •  العودة إلى الصفقة سيتيح مزيدًا من الوقت لاتفاقيات المتابعة بشأن القضايا الإقليمية ومجالات الخلاف الأخرى. هذه القضايا حاسمة للمصالح الأمنية للولايات المتحدة وشركائها الإقليميين، ومن غير المرجح أن تنخرط طهران في أي محادثات حول هذه القضايا ما لم تتم استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة.
  • في حالة انتهاك إيران للاتفاق، يمكن للحكومة الأمريكية إعادة فرض العقوبات ليس فقط بدعم من أوروبا ولكن أيضًا من المحتمل أيضًا من الصين وروسيا، وذلك كون جميع الأطراف الأخرى تشترك في الاتفاق الأصلي في مصلحة مشتركة: منع إيران من امتلاك أسلحة نووية.
  • المصلحة المشتركة لمنع الانتشار العالمي للسلاح النووي هي التي أوجدت هذا الاتفاق في المقام الأول. إذا تجاوزت إيران الالتزام الدولي المرتبط بمنع انتشار الأسلحة النووية بشأن قدراتها، فإن هذه الدول لديها مصلحة متأصلة في ممارسة الضغط لمتابعة أهدافها الخاصة بمنع انتشار الأسلحة النووية، ومن المرجح أن يكون الرد متعدد الأطراف على أي انتهاك مع عودة الولايات المتحدة إلى الصفقة.
  • هناك تصور متزايد بين النخبة السياسية في طهران بأن أفضل استراتيجية لدفع الولايات المتحدة لإنهاء حملة الضغط الأقصى هي اختيارها بين تصعيد المواجهة غير المحسومة إلى الحرب وقدرتها على امتلاك أسلحة نووية.
  • الافتراض هو أن طهران يمكن أن تستفيد من إحجام واشنطن عن الدخول في مواجهة عسكرية لدفع أجندتها السياسية - عن طريق دفع القيود المفروضة على برنامجها النووي وأنشطتها الإقليمية إلى درجة يتعين على حكومة الولايات المتحدة الاختيار بين قبولها بامتلاك إيران أسلحة نووية أو ضربة عسكرية ضد إيران - وكلاهما لعنة لإدارة بايدن.

استنتاجات:

هناك من يعتبر أن الاقتصاد الإيراني هو في وضعٍ خانق وبالتالي يضغط على الحكومة الإيرانية للذهاب نحو الإذعان بالشروط الأمريكية، ومنهم من يعتبر أنها أمرٌ لا بد منه وذلك لتجنب حرب نووية مستقبلية. في حين يعتبر البعض الآخر أن ممارسة أقصى قدرٍ من الضغط لإلحاق المزيد من الألم لن يعيد طهران إلى طاولة المفاوضات أو يوقف طموحات إيران النووية. لكن قد يميل أحد الطرفين أو كلاهما إلى تقديم مطالب إضافية، مما قد يكون وصفة للطريق المسدود. من هنا، على واشنطن المسارعة بإحياء الاتفاق النووي مع إيران، أو المخاطرة بحدوث أزمة شاملة في الشرق الأوسط.

ما يمكن قوله، أن استمرار العقوبات الأمريكية على إيران، وبعد تجربتها الطويلة، قد أثبتت أنها لم تجدِ نفعًا. وعليه، فإن عودة الأميركي عن سياسة الضغط الأقصى المتبعة وإزاحة العقوبات عن الاقتصاد الإيراني هي بداية تفكك عقدة التفاوض للسير نحو اتفاق جديد أو متجدد.

إن أي تفاؤل بالتوصل إلى حلّ في مسار عملية التفاوض الأميركي الإيراني من دون رفع العقوبات لا يبدو خيارًا مجديًا.