كثر في الآونة الأخيرة استخدام الوصف الإنساني فقد وصف البعض القرار 1973 الصادر عن مجلس الأمن بالحظر الجوي على ليبيا والذي رافقه قصف جوي لمدن الليبية والعمل العسكري واسع النطاق بالتدخل الإنساني وكذلك في سنوات الثمانينيات من القرن الماضي هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية نيكاراجوا وحصدت عشرات الآلاف من الضحايا بأسلحتها الفتاكة ودمرت الدولة تدميراً شبه كاملاً وكان هذا الاعتداء الإرهابي مصحوباً بالحظر اقتصادي مروع لدولة صغيرة لا حول لها ولا قوة وقد سمي هذا القصف والتدخل بالتدخل الإنساني ، كذلك اجتياح موسوليني الايطالي بأثيوبيا وأعمال الدمار والتخريب والقتل التي حدثت على نطاق واسع كل ذلك يندرج بالمأساة تحت بند التدخل الإنساني بينما المسمى الصحيح لكل هذه الممارسات هي الجرائم ضد الإنسانية وقد سبق لمحكمة العدل الدولية أن أدانت الولايات المتحدة الأمريكية لاستعمالها غير المشروع للقوة وذلك عام 1986 في قضية نيكاراجوا ونتيجة هذه القضية وبعد إحالة قرارها إلى مجلس الأمن الذي أصدر قراراً يتيماً ووحيداً وفريداً من نوعه يدعو فيه الولايات المتحدة إلى احترام القانون الدولي.
ونظراً لأن هذا التدخل يسمى بالإنساني فهذا يقودنا قبل الخوض في غمار هذا الموضوع إلى تعريف القانون الدولي الإنساني ومتى ظهر هذا المصطلح في القانون الدولي.
فالقانون الدولي الإنساني هو مجموعة من القواعد القانونية الآمرة التي أقرها المجتمع الدولي وتحمل الطابع الإنساني التي يتضمنها القانون الدولي العام والتي تهدف إلى حماية الأشخاص والأعيان من جراء العمليات العدائية العسكرية والتي تجد مصدرها في المعاهدات الدولية والعرف الدولي.
- وقد أطلقت تسمية القانون الدولي الإنساني في مؤتمر طهران للصليب الأحمر عام 1968 وأطلقت هذه التسمية نظراً للتدخل ما بين القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون النزاعات المسلحة ثم تم التأكيد على هذه التسمية في مؤتمر اسطنبول للصليب الأحمر عام 1969 على اتفاقيات جنيف الأربعة الموقعة في 12/آب/1949 وعلى القانون الدولي لحقوق الإنسان والذي هو عبارة عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين لعام 1966 وعلى قانون النزاعات المسلحة وهو قانون لاهاي لعام 1899 و 1907 ثم تم التأكيد عليها أيضاً وتكريسها بعد نفاذ البروتوكول الأول والبروتوكول الثاني عام 1077 الملحقين لاتفاقيات جنيف الأربعة وأصبح هذا القانون من أضخم فروع القانون الدولي العام وخاصة بعد صدور البروتوكولين الملحقين . ثم أضيف إليهما اتفاقية حقوق الطفل وميثاق روما الذي شكلت بموجبه محكمة الجزاء الدولية.إذا قبل أن نخوض في هذا الموضوع الهام وهو التدخل الإنساني لابد لنا من التذكير بالالتزامين الواقعان على عاتق الدول المنضمة والمصدقة على اتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكولات الملحقة.
أما الالتزام الأول ما نصت عليه المادة المكررة في اتفاقيات جنيف الأربعة وهي المادة الأولى والتي تنص (تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال).
الالتزام الثاني هو ما نصت عليه المادة /89/ من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الأربعة والتي تنص (تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بان تعمل مجتمعة أو منفردة في حالات الخرق الجسيم للاتفاقيات وهذا الملحق البروتوكول بالتعاون مع الأمم المتحدة وبما يتلاءم مع ميثاق الأمم المتحدة ).
إذا فالتدخل الإنساني ذو صلة بالقانون الدولي الإنساني حسب ما جاء في المادتين المذكورتين أعلاه . ولا يجوز استعمال تعبير إنساني لوصف عملية عسكرية وهذا التدخل يطلق فقط على الأعمال الغير عسكرية التي تهدف إلى منع أو تخفيف المعاناة الإنسانية وهذا الهدف هو من المبادئ الأساسية السبعة للحركة الدولية للصليب الأحمر.
وهذا المصطلح " إنساني" يظهر في:
1.منظمة إنسانية محايدة.
2.نشاطات إنسانية.
3.أعمال إغاثة ذات طبيعة إنسانية ومحايدة.
فأي عملية عسكرية لكون لها أجندة سياسية ووصفها بالإنسانية متناقض مع الأعمال الإنسانية.
واستخدام كلمة إنساني أي أنه عمل مشروع فهذا استخدام للقوة المحظورة في المادة الثانية من ميثاق الأم المتحدة الفقرة الرابعة والتي تنص يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي , فالقانون الإنساني يعترف بحق تقديم المساعدة الإنسانية وذلك ما جاء بتقرير اللجنة الدولية للتدخل وسيادة الدولة بعنوان مسؤولية الحماية.
كما أنه لا يمكن إدانة المساعدات الإنسانية المحايدة على أنها تدخل في السيادة الوطنية للدولة وعوداً على قضية نيكاراجوا لعام 1986 وما قالته محكمة العدل الدولية بأن التدخل الإنساني يكون ضمن الأهداف السبعة للصليب الأحمر وليس هناك ما يسمى حرب إنسانية وهذا القرار صدر عن المحكمة نتيجة نشاطات عسكرية وشبه عسكرية.
أما لجنة التدخل وسيادة الدولة قالت تدخل إنساني لغايات الحماية الإنسانية .
فالتدخل الإنساني يثير إشكالات في القانون الدولي وفي العلاقات الدولية.
وليس هناك تعريف متفق لمصطلح التدخل الإنساني وهذا يدفعنا إلى طرح السؤال التالي:
متى يكون لدولة أو مجموعة من الدول الحق باللجوء إلى القوة؟
ينص ميثاق الأمم المتحدة في المادة الثانية التي تحدد المبادئ للمنظمة العتيدة بالفقرة الرابعة على ما يلي: يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في التزاماتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة...
ويوضح الفصل السابع الاستثناءات وهي في حال تهديد السلم والأمن الدوليين يمكن لمجلس الأمن أن يقوم بعمل عسكري كما أن ميثاق الأمم المتحدة يضمن الحق الفردي والجماعي للدفاع عن النفس وذلك حسب ما جاء في المادة /51/ والتي تنص : ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينقص الحق الطبيعي للدولة إفرادي أو جماعات في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة .
كما يمكن لمجلس الأمن أن يقوم بعمل عسكري في حال تهديد السلم والأمن الدوليين.
إن القانون الدولي الإنساني يشترط عندما يحصل انتهاكات خطيرة لمواده بملاحقة المسئولين عن هذه الانتهاكات ويعاقبون كمجرمي أمام المحاكم الوطنية وهذا ما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة أو أمام محاكم دولية تؤسس لهذه الغاية أو أمام محكمة الجنايات الدولية إذا انتهكت اتفاقيات جنيف والبروتوكول الأول حصراً فإن الدول ملزمة بالمادة /1/ المشتركة بأن تحترم اتفاقيات جنيف وتضمن احترامها وان الدولة في هذه الخروقات ملتزمة بالتحرك المشترك أو منفردة بالتعاون مع الأمم المتحدة حسب المادة /89/ للبروتوكول الأول.
والرأي أنه في حال انتهاك اتفاقيات جنيف يجب على الدول أن تلجأ أولا لـ :
الحوار الثنائي – الضغوط الدبلوماسية – الإدانة - قطع العلاقات – الدبلوماسية – إجراءات ذات طابع اقتصادي.
إذا الإجراءات الدولية لا تتضمن استعمال القوة.
ثم استخدام القوة ضمن الميثاق وكما نصت المادة /89/ للبروتوكول الأول وذلك ضمن أحكام المادة /53/ من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص:
لا يجوز القيام بفعل تنفيذي في إطار ترتيبات إقليمية أو من قبل وكالات إقليمية دون تخويل من مجلس الأمن.
أما فيما يتعلق باللجنة الدولية للصليب الأحمر ودورها في تحديد الانتهاكات فإن لجنة الصليب الأحمر تمتاز بالحيادية ضمن أهدافها فهي لا تعبر عن رأيها وليس من اختصاص اللجنة أن تحدد الأدوات لوضع حد للانتهاكات إذا ولو كانت هي تلك الدولة التي وقعت فيها الانتهاكات لا يستطيع الصليب الأحمر حسب أهدافه أن يقوم بالتقصي والتحقيق لان هذه الأعمال ليست من اختصاصه وتبعده عن الحيادية.
ولا تستطيع هذه المنظمة أن تحدد باستخدام السلاح لوقف الانتهاكات لأن هذه المسائل تتعلق بحق التدخل وهي ذات طبيعة سياسية.
إن الانتهاكات الخطيرة جداً تمنع القيام بالأعمال الإنسانية فهذه المشكلة تتجاوز القانون الدولي الإنساني إلى القانون العام ومجلس الأمن حسب الميثاق عندما يقرر القيام بعمل مسلح طبقاً للفصل السابع يكون دوره الأساسي هو استعادة السلام فالمجموعة الدولية والمجتمع الدولي مسؤوليته الحقيقية هي: منع النزاعات – الدفاع عن القيم الأساسية التي يعبر عنها القانون الدولي الإنساني.
فأي تدخل مسلح سيكون له عواقب تدعو لمخاوف إنسانية .
اللجنة الدولية للتدخل وسيادة الدولة:
تم تأسيس هذه اللجنة في عام 2000 بمبادرة من وزير الخارجية الكندي لويد اكسورثي. وهذه اللجنة مؤلفة من عشرة أشخاص لهم سمعة دولية بما فيهم رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر والتي تهدف إلى إيجاد إجماع حول كيفية معالجة الانتهاكات المريعة والمنتظمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني.
وقد جاء في تقريرها على تقصي الحقائق وقد جاء في تقريرها بأنه لابد من تقصي الحقائق ووجود تقرير من مصدر حيادي غير حكومي ومحترم عالمياً حول خطورة الموقف من أجل تقرير التدخل العسكري لغايات إنسانية.
والمقصود هنا في تقرير هذه اللجنة هو الصليب الأحمر ولكن الصليب الأحمر هي بعيدة عن اتخاذ أي قرارات سياسية لتبقى قادرة على العمل في أي مكان على الأرض وهي غير راغبة إطلاقاً بلعب هذا الدور ويقول التقرير الصادر عن هذه اللجنة أن التدخل العسكري يكون بهدف تحييد القدرات العسكرية والصناعية للخصم وهذا تحييد في الأغلب أداة لفرض الاستسلام، ونحن نعلم أن القانون الإنساني يركز على تساوي أطراف النزاع المسلح بمواجهته ويركز تقرير هذه اللجنة على ارسال بعثات تقصي حقائق إلى الميدان من قبل مجلس الأمن – الأمين العام . ولكن هناك بموجب اتفاقيات جنيف والبروتوكول الأول الخاص بالنزاعات ذات الطابع الدولي لعام 1977 وحسب ما نصت عليه المادة 90 تم تأسيس اللجنة الدولية لتقصي الحقائق وهذا يثير نقاش حول ما يدعوه البعض الحرب ضد الإرهاب لأن هذه التهديدات الجديدة للسلم العالمي تستوجب ردوداً جديدة.
وهناك إجراءات يمكن أن تستعمل في الحرب الهامة ضد الإرهاب وليس على الإرهاب وهذه تكون تطبيق القانون والتعاون بين الدول فالقانون الدولي الإنساني ليس الإطار القانوني الوحيد في الحرب ضد الإرهاب.
إن القانون الإنساني يلبي احتياجات الحماية المعاصرة وأن قواعده تشكل توازن بين اعتبارات أمن الدولة والحفاظ على الحياة والكرامة الإنسانية والتحدي الحقيق أما المجتمع الدولي هو التطبيق الكامل للقانون الموجود.