نشرت المجلة الإيرانية العلمية "آفاق الأمن" في عددها 49 - شتاء 2020 مقالا، درست فیه سيناريوهات المستقبل السياسي لليمن حتى عام 2029، حيث وضعت ست سيناريوهات محتملة. في هذا المقال، وبالنظر إلی الأعمال البحثية والكتب المتوفرة، فقد تم وصف الأحداث الماضية والحاضرة للیمن علی صعید معالجة الدراسات المستقبلية اليمنية فقط.
إن السيناريو الأول، الذي تتركز فيه عناصر الوحدة والحفاظ علی حكومة ثورية في اليمن، هو السيناريو المفضل للجمهورية الإسلامية الإيرانية. ومن بوادر تحقق هذا السيناريو انسحاب النظام السعودي والإماراتي من الحرب القمعية ضد اليمن، وسيطرة أنصار الله علی جميع مناطق اليمن الشمالية وقبول الحوار والاتفاق بين جنوب الیمن وحركة أنصار الله.
الترجمة الكاملة للمقال
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، تأثّر المجتمع اليمني السياسي والثقافي دينيًا، وعلى الرغم من أن الأحكام الإسلامية الفردية قد سارت في المجتمع اليمني بعد اعتناق الإسلام، إلا أن تأثير الشريعة الإسلامية كان في سياسات ذلك البلد بعد الثورة الإسلامية في إیران.
لقد دفع انتصار الثورة الإسلامية الشيعة الزيديين في شمال اليمن، تحت ما يسمى بالحوثيين؛ للاحتجاج على الاستبداد الداخلي والغطرسة الخارجية لحاكم البلاد "عبد الله صالح"، وذلك لإقالته بالاتحاد مع جميع المعارضين الذين ناضلوا من أجل تحقيق مطالب أخرى أهمها تفعيل القرآن والأحكام الإسلامية كمرجع أساسي في المجتمع، وتطوير وتحسين اقتصاد البلاد وقطع ید الدول الغربية من المنطقة.
في السنوات الأخيرة، جذبت التطورات الداخلية في اليمن انتباه المراقبين ودول منطقة غرب آسيا، وكذلك القوى الإقليمية. من الجانب الآخر أثارت الاضطرابات في اليمن، والتي جاءت نتيجة للحروب المتتالية للحكومة مع الحوثيين في شمال البلاد، والمواجهات مع الانفصاليين في الجنوب، مخاوف كبيرة على المستويين الإقليمي والدولي، فضلاً عن تزايد نشاط تنظيم القاعدة الإرهابي.
من منظار آخر، من المفيد التطرق للدور المحوري الذي لعبته حركة أنصار الله بعد الغزو السعودي لليمن، في محاربة أحد الأعداء القدامی للخطاب الإسلامي في المنطقة، وهي المملكة العربية السعودية.
بالنظر إلى خصائص الفكر النضالي والثوري لحركة أنصار الله وارتباطه بخطاب الثورة الإسلامية، من الممكن من خلال التخطيط والإجراءات المناسبين، إنشاء جبهة جديدة حیث تقع علی إحدى جوانبها جبهة المقاومة المتمركزة في إيران فيما تقع في الجانب الآخر السعودية التي لدیها مشروع المواجهة مع الثورة الإسلامية والفكر الشیعي في الدول العربية.
بالتالي، فإن لليمن أهمية استراتيجية في مستقبل نفوذ الثورة الإسلامية في غرب آسيا و إن فهم العوامل المؤثرة على مستقبل اليمن أمرٌ ضروري للتخطيط الاستراتيجي لجمهورية إيران الإسلامية في هذا البلد.
يرتبط تأثير الثورة الإسلامية في دول منطقة غرب آسيا، وخاصة تحركات التحرر فیها، ارتباطًا وثيقًا بموضوع تصدير الثورة الإسلامية، لأن هناك نظريات مختلفة حول تصديرها. حیث إن قبول كل منها سيؤثر على الترتيب السياسي والعسكري للمنطقة، وتصبح المکوّن المؤثر والفعّال في تحديد مدی نفوذ الجمهورية الإسلامية في دول المنطقة.
وفي تقييم عام، یمكن القول إن ثلاثة أحداث رئيسية أدت إلى التأثير الأكبر للثورة الإسلامية في الدول الإسلامية: التوجه إلى اتباع نمط الديمقراطية الدينية إثر الصحوة الإسلامية مع تزايد قوة أنصار الله في اليمن، سقوط صدام في العراق وانتصار حزب الله لبنان في حرب تموز 2006 مع الكيان الصهيوني.
الآن، وعلى الرغم من استمرارية هذه المواجهة علی الصعيد الفكري (مواجهة الخطاب التكفيري الإسلامي مع الإسلام الثوري)، والسياسي (المواجهة بين إيران والسعودية في الشؤون الإقليمية والدولية) والعسكري (الغزو السعودي والحلفاء لليمن) يبدو أن موضوع الثورة الإسلامية وتزايد العمق الاستراتيجي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة، أصبح من القضايا المهمة التي يمكن أن تحدد الوضع الحالي والمستقبلي للمنطقة.
إن وصول أنصار الله إلى السلطة في الیمن وتوسيع النفوذ الإيراني في شبه الجزيرة العربية؛ أدی إلى انتشار حالة من الذعر وقلق بين المملكة العربية السعودية وحلفائها بالتزامن مع غزوهم العسكري لليمن باعتباره حربًا بالوكالة ضد إيران.
إن العملية العسكرية السعودية، التي بدأت في 25 مارس/آذار 2015، تُظهر بوادر بعض التحيز الاستراتيجي ضد أنصار الله. حيث أن مهاجمة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لليمن، تشبه ما قام به الملك عبد الله قبل أربع سنوات في مواجهة شيعة البحرين.
أظهرت الأزمة اليمنية أن الولايات المتحدة قد نشرت حروبًا بالوكالة في المنطقة عبر المملكة العربية السعودية. وکلما انتشرت الأزمات الأمنية في مناطق جيوسياسية، فإنها تخلق مواجهة بين اللاعبين، حيث أن كل منهم يسعى للتأثير على موازین القوى والسياسات الإقليمية.
وفقًا لبعض الخبراء، فإن اليمن هو جزء من الفضاء الجيوسياسي الاستراتيجي لجبهة المقاومة حيث يتمتع مضيق "باب المندب" بأهمية جيوسياسية استراتيجية للغایة. ومن المعروف أن أي دولة ستكون في أفضل وضع، علی مستوی توازن القوی الاستراتيجية فیما لو تمكنت من السيطرة على العديد من المضائق خلال حالة الصراع.
فيما يلي سيناريوهات المستقبل السياسي لليمن حتى عام 2029:
يمكن تطبيق السيناريوهات السياسية اليمنية على المسؤولين والمديرين في المجالات ذات الصلة ويمكن أن تؤدي إلى تطوير أساليب التفكير المنهجي والدراسات المستقبلية حول القضايا الرئيسية علی صعید القضايا الإقليمية والدولية.
السيناريو الأول:
إن الجماعات السياسية إلى جانب المملكة العربية السعودية تتفق مع أنصار الله، ولكسب رضی الجنوبیین، یتم تحديد فترة انتقالية مدتها سبع سنوات وتأجيل معالجة وضع اليمن إلى المستقبل. وبحسب السیناریو يُجبر الجنوبيون على الموافقة على ذلك، حیث إنهم عاجزين عن اعلان الاستقلال.
السيناريو الثاني:
في هذا السيناريو يتم إعادة أنصار الله إلى صعدة وکذلك نزع الأسلحة الثقيلة والاستراتيجية منهم، واقتصار مشاركاتهم بشكلٍ ضعيف في جزء محدود من السلطة السياسية اليمنية. وبحسب هذا السيناريو فإن السلطة في اليمن تبقى في أيدي المجموعات المؤيدة للسعودية ویکوّن حزب الإصلاح السلطة في الشمال والقوات الإماراتية في الجنوب.
السیناریو الثالث:
بحسب هذا السیناریو تستمر الحرب في اليمن، وتستکمل حركة أنصار الله سيطرتها على المحافظات الشمالية لليمن، ولن تکون لهم علاقة بالمناطق الجنوبية لتجنب تجدد التوتر مع أعدائهم. تصبح صنعاء العاصمة للحكومة الشمالية لليمن، وتشكل برلمان مستقل. بينما تقید نشاطات جماعة الإخوان المسلمين وحزب الإصلاح في شمال الیمن، وتوقف السعودية الحرب فتخرج قواتها منها، فتتشكل حكومة مستقلة في الجنوب بدعم من الإمارات.
السيناريو الرابع:
تصبح السلطة في الیمن بید القوات الموالية للسعودية، حيث تحاول المجموعات الغربية، دعم مشارکة أنصار الله بالسلطة ولكن بمستوى ضعيف، وذلك لوقف تحركاتهم الانتقامية. كما تتم عودة أنصار الله إلى صعدة، مع كونهم غير راضين عن الوضع الراهن.
السيناريو الخامس:
في السیناریو الخامس، لا تتوصل السعودية والإمارات إلى اتفاق، وجنوب اليمن يبقی منقسما، فيما تعلن منطقة حضرموت استقلالها بتحريض من المملكة العربية السعودية، وتوحد الإمارات العربية جزءًا من الجنوب وتعلن استقلالها. إن حركة أنصار الله تكون غير قادرة على التواصل مع الجنوب فتهیمن على الأجزاء الشمالية من اليمن فقط، والمملكة العربية السعودية تكتسب القوة في شرق اليمن، وبذلك تكون الإمارات قد مهدت الطريق لتشکیل حكومة مستقلة في الجنوب.
السيناريو السادس:
انتصار حزب الإصلاح بدعم من السعودية والمجموعات الأخرى؛ حيث تقوم المملكة العربية السعودية بإجبار الإمارات على قبول اليمن الموحد وإشراك الجنوبيين في الحكومة. یصبح وضع أنصار الله يشبه فترة حاکمیة عبد الله صالح. كما يعمل على نزع سلاح أنصار الله وإضعاف تواجده في السلطة وكذلك في صعدة.
إن السيناريو الأول، الذي تتركز فيه عناصر الوحدة والحفاظ علی حكومة ثورية في اليمن، هو السيناريو المفضل للجمهورية الإسلامية الإيرانية. ومن بوادر تحقق هذا السيناريو انسحاب النظام السعودي والإماراتي من الحرب القمعية ضد اليمن، وسيطرة أنصار الله علی جميع مناطق اليمن الشمالية وقبول الحوار واتفاق بين جنوبي الیمن وحركة أنصار الله.