تفخر الامم بقوة جيوشها كونها عنوانا لحماية البلد من اي اعتداءات للاعداء، فنرى معظم الساحات العامة تزينها تماثيل لقادة عسكريين كان لهم الدور في قيادة الجيوش لدرء خطر العدو الطامع في الاحتلال والهيمنة والاستعمار، لذا فان ميزانية الوزارات الامنية غالبا ماتكون مفتوحة للمزيد من التسليح والتدريب والتأهيل، وكلما كانت ادارة الجيوش اكثر حكمة ويقظة كلما كان البلد اكثر اطمئنانا على مصير البلد وابعاده عن المعترك السياسي.
ان جميع الاحداث التي نطالعها بالتأريخ قديما وحديثا بشأن تدخل الجيوش بالشأن السياسي وتغيير المعادلات في ادارة البلد مردها الى امرين الاول عدم حكمة القيادة السياسية او فشلها في ادارة البلد والثاني التدخلات الخارجية للدول الاخرى حيث غالبا مانسعى الدول الكبرى لشراء ذمم قادة عسكريين لقلب المعادلة السياسية ونظام الحكم الى صالح تلك الدول الخارجية، وهذا ما اعتمدته الولايات المتحدة منهجا في الهيمنة على العالم للقيام بانقلابات عسكرية في هذا البلد او ذاك كما حدث في دولة تشيلي عام 1973.
وكما حدث في مصر وكيف نسقت مع (السيسي) ايام كان في دورة تدريب بأكرونيا.
ان جميع الدول المتقدمة والتي طال امد حضارتها، مثلما تهتم بالجيش والانفاق عليه كذلك توجد لديها فئة من الجيش تحمي السلطة وتراقب لحماية الدستور والنظام العام والامن الوطني، بالاضافة الى الدور التقليدي في حماية الامن القومي. يقول الرئيس الاميركي (1953-1961)؛-يعمل الجيش دور الرقيب لحماية الدستور والنظام والامن الوطني ،بالاضافة لدوره التقليدي في حماية الامن القومي.
فالاجهزة الامنية تبنى عقائديا ووطنيا كي تدافع بحجم معتقداتها الوطنية والدينية والقيمية عن الوطن وارضه وشعبه.
فمثلا عندما حدث انهيار بالقوات الامنية بكل صنوفها وعناوينها في نينوى اثناء هجوم (داعش) على المنطقة واحتلالها ووقوع الناس تحت نير الارهاب وما كان لهم من ماسٍ معلومة، لابد من اعادة تأهيل هذه القوات عقائديا ووطنيا وتدريبا وتأهيلًا ،فكيف ل(400) داعشي بثياب الافغان احدثوا الصدمة ب(90) الف منتسب من قواتنا الامنية عام 2014 ففروا من امام خصمهم وتركوا له الارض والعرض والمال والناس ليفعل مايشاء؟
تجربة الحشد الشعبي جاءت (عفوية) فلم يسبق للعراق ان اعتمدها الا قبل مائة عام من تشكيله يوم كآن الاستعمار الانكليزي يحتل العراق، فكانت فتوى الجهاد وثورة العشرين وطرد الاستعمار.
عندما غير (الحشد الشعبي) من معادلة المعركة وبات الارهابيون من الدواعش وغيرهم يفرون قبل المواجهة معهم بل ويستسلمون افواجا لهم، فلاسباب عقائدية وليس مردها الى التدريب والتسليح ،فالقوات الامنية العراقية لم ينقصها ذلك يومها قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) فنصرهم الله سبحانه وتعالى.
الحشد الشعبي التحق ابناؤه الى المعركة دون تدريب يذكر ودون تسليح كاف، ودون حتى بزة عسكرية ودون اعمار معينة كما في الجيوش النظامية، فالتحق رجل الدين والمعلم والمدرس والموظف وابناء الفقراء والاغنياء وضباط وعسكريين سابقين متقاعدين، والتحق الصبي والشيخ ومعهم قادة سياسيون ومجرد نظرة على الاعلام والرايات التي حملوها ستقرأ اسماء الانبياء والرسل والائمة الاطهار وذراريهم وسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء ع ومفردات دينية خالصة، وترى ملابسهم مزركشة بالقطع الخضراء بدلائلها الدينية، وكيف انهم قبل الصولة يقرؤون الادعية ويمرون من تحت المصحف الشريف ويصلي بهم رجال الدين عند السواتر الامامية، ولهم اناشيدهم الدينية الخاصة ايضا.
هذه (العقيدة) وراء نصرهم رغم انهم التحقوا دون السؤال عن امتياز او راتب بل انهم كانوا عبارة عن استجابة لنداء ديني ووطني.
ان مجرد نظرة على سلوك ابناء الحشد الشعبي اثناء دخولهم المناطق المحررة وهم يحملون النساء والاطفال والشيوخ على ظهورهم، او يتحول ظهر احدهم الى سلم لنزول الاسر الفارة من سوح المعارك يدلك على البناء العقائدي لهذه الفئة.
ان وجود الحشد الشعبي يمثل (صمام امان للعملية السياسية) واي مساس به يعني المساس بالوطن والامة والدين، ولا خلاف على وجوده كجزء من القوات الامنية ،وليس من الصلاح خلق اي ازمة بينه وبينه القوات الامنية الاخرى، لان ذلك يصب بمصلحة اعداء العراق الذين يرون في وجود الحشد الشعبي مصدا ضد مؤامراتهم ومخططاتهم.
المحاولات التي طالت الحشد كثيرة ابتداء من التهم التي وجهت لابنائه بـ (سرقة الدجاج) الى قصف معسكراته من قبل الاميركان حتى اثناء تقدم القوات الامنية في القتال ضد الارهاب وسجلوا (57) اعتداء في ذلك وكانت هنالك ضحايا ايضا.
الحشد لا يقبل الامرة من القوات الاميركية واي خطوة تخطوها قياداته تضع بالحسبان مصلحة الوطن لذا رابطوا عند الحدود العراقية السورية والاردنية فأزعجوا القوات الاميركية، وتواجدوا في نينوى والانبار فكسبوا ود الناس هناك فازعجوا اميركا والطبقة السياسية العميلة، كما ازعجوا من يمثل المنظمات الارهابية داخل العملية السياسية.
ان حكومة (الفوضى) التي صنعتها اميركا اخيرا والمتمثلة بالكاظمي وطاقمه ومن جاء به ومنحه هذا المنصب، تمثل تهديدا للتجربة السياسية في بلدنا، وقد بدأت نواتها منذ ان رضي حيدر العبادي ان يكون في منصب بعيد عنه وعن استحقاقه، واستمرت التداعيات بدخول متظاهري التيار الى المنطقة الخضراء والتجاوز على بعض النواب، وماكان من التشكيلة الوزارية و(المظروف المفتوح والمغلق) و(شلع قلع) ثم حكومة عبد المهدي الخالية من اي (طعم ورائحة) وصولا الى (فوضى تشرين) التي ندفع ثمنها الى يومنا هذا!.
التصعيد الذي نشهده ضد الحشد الشعبي وقياداته، علينا ان نأخذه في بعدين الاول ان اميركا وعملاءها بالعراق والمنطقة لايريدون لمثل هذه النخبة العقائدية ان تبقى وتديم وجودها وتترسخ لذا اطلقوا العنان لاتباعهم سواء بالحكومة وخارجها لاضعاف الحشد على الاقل ثم العمل على الغائه، والثاني ان الواجب الديني والوطني يقضي ان نقف بحزم لصالح الحشد الشعبي لان في ذلك ضمان لطهارة الارض وسمو القيم والثبات على القيم الوطنية والدينية. يجب ان يترك العراقيون اخطاء السياسيين ومافعلوه ببلدهم لان ذلك جزء من وهن الامة وخيبة ابنائها، وان يتجهوا الى حماية مؤسسة الحشد الشعبي لانه الساتر الاخير الذي بقي لنا وعليه نبني آمالنا ومستقبل بلدنا .31/5/2021