• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
مقالات مترجمة

"هآرتس": الإيرانيون يخدّروننا ونحن نائمون


صحيفة "هآرتس" العبرية تنشر مقالاً للواء "اسحاق بريك " (لواء احتياط وشغل منصب مفوض شكاوى الجنود بين عامي 2008 و 2019)، وتشير فيه إلى أنّ "المعركة بين الحروب هي نقطة في بحر وليست قادرة على وقف سيطرة الإيرانيين في سوريا، ولا تمنع استمرار دقة صواريخ حزب الله"، فيما يلي ترجمة النص:

منذ نحو عقد والإيرانيون منكبّون على إقامة تشكيلٍ هائلٍ من الصواريخ والقذائف الصاروخية لأذرع إيران من حول دولة إسرائيل (حزب الله في لبنان، حماس والجهاد الإسلامي في غزة، الحوثيون في اليمن والميليشيات الشيعية في اليمن وسوريا والعراق). اليوم، أكثر من 200 ألف قذيفة صاروخية وصاروخ، كبيرة وصغيرة، موجّهة إلى المراكز السكانية في إسرائيل، إلى أهدافٍ استراتيجية، وإلى بنى تحتية أمنية ومدنية حيوية (مثل مرافق الطاقة، الموارد الطبيعية: الكهرباء، وقود، غاز ومياه، الاتصالات، المواصلات، والصحة العامة وتأمينها). 

تهديد هذه الصواريخ جعل إسرائيل أكثر دولة مُهددة في العالم. في العقد الأخير الذي بُني فيه هذا التشكيل المهول من حولنا، اعترى القيادة الأمنية والسياسية لإسرائيل سُباتٌ عميق. لم تُعدّ لا الجيش ولا الدولة لهذا التهديد الذي يتطور أمام أعيننا، لا من ناحية القدرة الهجومية ولا من ناحية قدرات حماية الجبهة الداخلية وإعدادها لتلقّي آلاف الصواريخ يومياً. 

في هذه السنوات، وفي الحقيقة إلى يومنا هذا، فضّلت هذه القيادة الانهماك بمعركة بين الحروب، التي تتجلى في هجماتٍ جوية على أهدافٍ في سوريا، من أجل وقف التمركز الإيراني فيها، ومنع نقل صواريخ ومركّبات تحوّلها إلى دقيقة عن طريق سوريا إلى لبنان. هذه الهجمات الجوية، مع كل أهميتها، هي نقطة في بحر وليست قادرة على وقف سيطرة الإيرانيين في سوريا، وحتى أنها لا تمنع استمرار دقة الصواريخ لحزب الله؛ وهي تمنح الجمهور شعوراً بأننا مسيطرون على الوضع، وهو ليس كذلك. مركّبات دقة الصواريخ تنتقل من إيران عبر البر أو عبر البحر أو في طائرات مباشرةً إلى أيدي حزب الله. 

الشعور هو أن التاريخ يعيد نفسه، حيث أن الهجمات في سوريا تذكّرني بمعركة جوية وقعت قبل حرب يوم الغفران على الحدود بين إسرائيل وسوريا على الحدود السورية – اللبنانية. في المعركة أُسقطت 12 طائرة "ميغ" سورية، وسقطت لنا طائرة واحدة فقط. شعب إسرائيل زغرد لانتصارنا الجوي وشعر أن لدينا جيش لا تستطيع له أي قوة. بعد شهرٍ على هذه المعركة، اندلعت حرب يوم الغفران التي دفعنا فيها ثمناً باهظاً جداً على غطرستنا وعلى غرورنا. 

أشعر أننا اليوم في نفس الوضع: غاراتنا في سوريا، وأثرها كنقطة في بحر، تصرف قيادتنا الأمنية والسياسية عن الانشغال بالأساس، ألا وهو إعدادٌ مكثف للجيش الإسرائيلي وللجبهة الداخلية للتهديد الوجودي الذي يتعاظم من حولنا. منذ سنواتٍ طويلة والجيش الإسرائيلي منشغل بشكلٍ أساس في المعركة بين الحروب، وليس في الإعداد للحرب القادمة. هذه العملية تخدم الإيرانيين، الذين لا يعمدون للرد بشدة (هذا إذا ردّوا) على استهدافنا لعناصرهم وبناهم التحتية التي يبنونها في سوريا. هدفهم هو تخديرنا كي نمكّنهم من استكمال عملهم بهدوء في تأسيس تشكيل الصواريخ من حولنا، وتجنّب إنتاج توتر وانفجار قبل أن يستكملوا مهمتهم. إنهم ينتظرون اللحظة المناسبة التي تناسبهم، وصبرهم كبير جداً. 

إعلان نفتالي بينيت، عندما كان وزيراً للأمن، بأن الإيرانيين يخرجون من سوريا، يدل كألف دلالة كم أن تكتيك الإيرانيين بتخدير قادتنا ناجع؛ إنهم يرتقبون تصريحات كهذه بالضبط. سوريا والعراق كانا الجسر الذهبي الذي يربط إيران بحزب الله في لبنان. فقط مؤخراً أعلن قائد حزب الله، السيد حسن نصر الله، أن مشروع دقة الصواريخ تم وأُنجز. حتى لو كان يبالغ، لا شك أنه يجب الاستجابة لكلامه بجدّية زائدة قبل أن يُعيد إطلاق آلاف الصواريخ في اليوم نحو أهدافٍ استراتيجية وأمنية مدنية، وإلى مراكز سكانية، إسرائيل عشرات السنين إلى الوراء ويوقع خسائر فادحة في سكانها واقتصادها. 

من ناحية الإيرانيين، ضربة تقليدية بالغة القوة على إسرائيل تكفي بالتأكيد، وستحقق نتائجهم المحبّذة. النووي الإيراني، الذي يسعون للوصول إليه، يهدف من منظورهم إلى إنتاج ميزان رعب بين إيران وإسرائيل. بالنسبة لهم، إطلاق كتلة هائلة من الصواريخ التقليدية نحو إسرائيل من كافة أذرعها سيوقع أضراراً شديدة لا تقل عن [أضرار] قنبلة ذرية، لكن فقط من دون غبارٍ إشعاعي. إطلاق كتلة كهذه من الصواريخ لن ينظر إليه العالم كفعلٍ يشذ عن الخطوط الحمراء للقانون الدولي، التي تمنع استخدام سلاحٍ نووي. 

محاولة الإيرانيين بناء قدرة نووية تهدف لبث إشارة لإسرائيل: "نحذّركم، إذا استخدمتم نووي ضد إيران، ستتلقون نووياً منّا على رؤوسكم". في هذه المعادلة، إسرائيل لديها مشكلة خطيرة جداً، لأنه ليس لديها رد على 3000 صاروخ كبير وصغير، الذين سيُطلقون عليها يومياً، ومئات منها دقيقة في كل صاروخٍ منها مئات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة. إذا سقطت الصواريخ في كل يوم على التجمعات السكانية في غوش دان [الوسط وضمنه تل أبيب]، وفي خليج حيفا، وفي بئر السبع والقدس، وإذا أصابت أهدافاً استراتيجية أمنية ومدنية (مثل محطات كهرباء ومنشآت مياه ومطارات والقواعد البرية للجيش الإسرائيلي وقواعد سلاح الجو والفضاء)، ستسبب خسائر وأضرار فادحة جداً لإسرائيل من الصعب التكهّن بحجمها. 

من وجهة نظر الإيرانيين، ميزان الرعب الذي سينشأ بين إيران وإسرائيل سيمنع إسرائيل من استخدام سلاحٍ نووي (الذي يُنسب إليها بحسب مصادر أجنبية) ويُكسب الإيرانيين وأذنابهم تفوقاً هائلاً على إسرائيل. ميزان رعبٍ نووي كهذا يمكن ان ينشأ حتى لو اشترت إيران – أو ستمتلك في المستقبل – بضعة قنابل ذرية من كوريا الشمالية، قبل ان تستكمل بنفسها تطوير قنبلة نووية. 

هذا الوضع يفرض على صنّاع القرار في المستوى السياسي والعسكري الغوص في الأمر عميقاً، وبدء مداولات فوراً، إلى أن يتّخذوا قرارات تُنفّذ فورياً حول سبل تعامل إسرائيل والجيش الإسرائيلي مع هذا التهديد الوجودي. 

القرارات ستكون، من بين جملة أمور، إقامة مجلس ذي أسنان وفق القانون، وتكون وظيفته بلورة عقيدة أمن قومي، والتفكير بحلول في الدفاع وفي الهجوم ضد صواريخ العدو وقواته البرية. كما سيقترح المجلس كيفية حماية السكان في أماكن حرجة، ويتناول عميقاً ما يُتوقع ان تكون الساحة المركزية في الحرب القادمة – الجبهة الداخلية. وتحوّل الحكومة الحلول المقترحة إلى مشاريع وطنية، على سبيل المثال تطوير ليزر بالغ القوة. 

وستتضمن القرارات، من بين جملة أمور، تعزيز الجيش الإسرائيلي بقدرته على حماية الحدود، وفي قدرته على شن هجوم في أماكن تحسّن قدرة الحسم. مليارات كثيرة من الشواكل، التي تذهب هباءً اليوم، يمكن توجيهها إلى هذه المواضيع، من خلال إنجاع الجيش الإسرائيلي ووزارة الأمن، سيما في مجال المشتريات والعقود بين وزارة الأمن والجيش وبين شركاتٍ مدنية (مثل شراء غواصات وصولاً إلى مشاريع أخرى كثيرة). 

خسارة مئات آلاف الشواكل وأكثر نتيجة وقف مشاريع ليس لها استمرارية، بعد ان أُنفقت عليها مئات الملايين، بسبب قادة جدد يخترعون في كل مرة الدولاب من جديد، هي بمثابة "تُخرجون القديم من وجه الجديد" [سفر اللاويين، والمقصود انتهِ من القديم أولاً]. هناك الكثير من الأمثلة عن هدر المال وقُصر الملاءة. 

مراقب الدولة مصرّ لسببٍ ما على عدم المبادرة إلى تفتيشٍ [رقابي] واسع في وزارة الأمن وفي الجيش الإسرائيلي في كل ما يتصل بمجال المشتريات والعقود والمشاريع الكبيرة. يبدو انه يخشى فتح صدوق بندورا، رغم ان وظيفته بحسب القانون هي التوصية بسبل لتحسين مسلكية مختلة، من أجل استغلال ميزانية وزارة الأمن والجيش بنجاعة لتعزيز قدرة الجيش الإسرائيلي.