• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
مقالات عربية

العقل الإيراني يتحرك على وفق إستراتيجية حقيقية، إيران سارت بدقّة من التراجع إلى التوازن على مدى سنين، بدأت مرحلة التوازن بعد الاحتلال الأميركي للعراق سنة (2003م)، إيران التي تمثِّل محور المقاومة في مواجهة المحور الأميركي المتمثل بإسرائيل وأغلب دول الخليج وقارة أوروبا.

سار مع دقة هذا الوتر الإيراني حزب الله في لبنان وإنْ كانت إيران متفوقة بصفتها جمهورية تمتلك الموارد التي تؤهلها لذلك؛ ولكن نحن لا نفصل هذا الجسد المقاوم بعضه عن بعض، الجمهورية الإسلامية أرستْ ورسَّخَتْ قواعد الاشتباك على وفق ما تتطلبه المرحلة، وما يخدم محور المقاومة، فهي عندما تثبّت تفوُّقًا فإنّها تثبته بطريقة لا يمكن له أنْ يتفلَّت من بين يديها مرة أخرى؛ مُحققةً بذلك حقيقة أنّ عقارب الساعة لا ترجع إلى الوراء، ومعظم هذه النِّقاط هي:

أولًا- أميركا تحتل العراق سنة (2003م)، وقبله أفغانستان؛ وتضع إيرانَ بذلك بين فكَّي الكمّاشة الأميركية، وكان الهدف الأميركي العسكرة في طهران بعد هذين الاحتلالين، نقلت إيران المعركة إلى داخل القواعد الأميركية، ودعمت حركات المقاومة في العراق - دون سرد للتفاصيل المعروفة - وتحوَّل المشروع الأميركي (مُتراجعًا) من العسكري إلى السياسي، والضغط أكثر في جانب العقوبات الاقتصادية، ومِنْ ثَمَّ الانسحاب من العراق، هذا المناخ العسكري الأميركي الذي تدهور وانحدر وتضاءل لا يمكن أنْ يُعاد مرةً أخرى؛ إذْ إنَّ أميركا لن تستطيع التفكير بهذا المستوى العالي تجاه إيران، ولن تطمح لذلك أصلًا؛ فعقارب الساعة لا ترجع إلى الوراء.

ثانيًا- الكيان الصهيوني يبدأ الحرب العسكرية ضد حزب الله ولأول مرة في تاريخه الغاصب سنة (2006م) وتدوم الحرب لأربعةٍ وثلاثين يومًا، كان الهدف والطموح الصهيوني هو مسح وجود حزب الله في لبنان: تنظيمًا وفكرًا وسلاحًا، لكن بعد أيام من الحرب تدهور هذا الحلم الصهيوني، وتخلى عن مستواه ذاك، ونزل إلى حضيض التوسُّل بإيقاف الحرب دون (أي شروط)!

الصهيوني كان عليه أنْ يفهم منهجية ولغة الفكر المقاوم الشيعي عندما هُزِمَ الصهاينة عام (1980م)، ثُمَّ كُرِّرَت الهزيمة على يد رجال حزب الله عام (2000م) وطُرِدَ الصهيوني من جنوب لبنان وأُفشِل مشروع (درع الشمال) أو الحزام، فهذه المرحلة في الفكر الثوري الشيعي هي التقدم الذي لا يقبل التراجع، ولأجل ذلك فإنَّ الصهيونية بعد هزيمتها عام (2006م) لا يمكن أنْ تنهض من ذلك الانكسار بقوة مضاعفة حتى تصل مرحلة التوازن، ومِنْ ثَمَّ عقارب الساعة لا ترجع إلى الوراء.

ثالثًا- أميركا تتخلى عن نقطة قوة للتعامل والتفاوض مع إيران وهي (الملف النووي الإيراني)، وبذلك حوَّلته إيران إلى نقطة قوة لصالحها وغيرت منهج التفكير للدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، فهذا الملف النووي لا يمكن أنْ ينهض بصفته قوةً بيد أميركا مرة أخرى.

واستُبدِلَ بخير منه؛ إذْ عقدت الاتفاقية الاقتصادية مع الصين بقيمة (400) مليار دولار؛ ونُقِلَ الملف من عامل الضغط الأميركي على إيران إلى عامل العلاقات والمصالح المشتركة بين إيران وأوروبا، وعقارب الساعة لا ترجع إلى الوراء.

رابعًا- قصف القواعد الأميركية في العراق بالصواريخ الباليستية من قِبَل إيران (لأول مرة بتاريخ أميركا بعد الحرب العالمية الثانية) مطلع عام (2020م) ضربة تأديبية بسبب اغتيال أميركا لقائد فيلق القدس الحاج قاسم سليماني (رضوان الله عليه)، يقابله رضوخ أميركي وتسليم وصمت؛ فإنّ هذه الحركة الإيرانية أجبرت الأميركي أنْ يَقْبَل إيران خصمًا موازيًا لها، ويتقبل - مرغمًا - ضربات أقل حجمًا ووزنًا منها مستقبلًا، ولأجل ذلك فإنّ نمط التفكير الأميركي اختلف هنا، وتدهور من عليائه اللامعة إلى منطقة الشظايا والدخان وزلزلة القصف الباليستي، وهذا التدنّي بالمستوى لا يمكن أنْ يصعد لعليائه مرة أخرى في هذا المقطع من التاريخ، وعقارب الساعة لا ترجع إلى الوراء.

خامسًا- النهوض الثلاثي العالمي: روسيا والصين وإيران، القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والمالية، القوى الصاعدة بصفتها بديلًا عن الأحادية الأميركية لكن دون الغطرسة والاستبداد والعقوبات الأميركية؛ هذه القوى المتكاملة بدأت بإزاحة أميركا عن العرش لقيادة العالم، وبدأت محاصرة أميركا وعزلها في الجغرافيا العالمية وفي مجلس الأمن الدولي، وخير الأدلة هو الفشل الذريع الذي مُنِيَت به أميركا في مجلس الأمن الدولي بشأن تمديد فرض الحظر التسليحي ضد إيران، وبذلك تجاوزت إيران مستوى (التراجع التسليحي، مُحلِّقةً وماسكةً مستوى التفوُّق التسليحي) فإيران كسرت موازين القوى لصالحها في ضربة واحدة، وهذا التراجع الأميركي لا يمكن له النهوض فجأة للاتقاء إلى مستوى التوازن؛ لاحظوا نحن نتكلم عن عدم إمكانية الوصول إلى منطقة (التوازن) وليس (التفوُّق) فالتفوق لم يعُد في آفاق أميركا، وعقارب الساعة لا ترجع إلى الوراء.

النتيجة:

١- القوى الثلاثية: روسيا والصين وإيران، حتمًا هي من سيرسم النظام العالمي الجديد، وزوبعات أميركا ليست بالوزن الذي يمكنها من كسر هذه القوى.

٢- في منطقة غرب آسيا، وإنْ تورط ترمب بحرب (صورية) ضد إيران (محور المقاومة) فإنّ إيران سيكون ردّها جادًا وحازمًا وحاسمًا ومدمِّرًا؛ فهي لن تسمح لترمب أنْ يحصد نقاط فوزه من خلال الإطاحة بسمعة إيران؛ ولأجل ذلك فإنّ آمال أميركا في غرب آسيا لَإنَّها آمالٌ مكسورة، وهي لن تتمكن من النهوض من مرحلة التراجع إلى مرحلة التوازن، وأي مشروع أميركي في (منطقة التراجع) لهُوَ مشروع صوريّ لا قيمة إستراتيجية له، ولن يغير من الميزان العسكري شيئًا.

٣- حزب الله بقيادة سيد الجنوب والمقاومة؛ لن تستطيع أميركا ومحورها الذي تقزَّمَ كثيرًا أنْ تحقق ضده تفوُّقًا عسكريًا أو سياسيًا، فالميزان الذي فرضته الجمهورية الإسلامية، وفرضه حزب الله على مدى الأعوام لا يسمح بهذا الهراء مطلقًا، فكل الشعارات والرسائل والحركات الأميركية لهي نقلات جنود على رقعة شطرنج مهزومة سلفًا؛ فالملك والوزير والقلاع والفيلة غادرت البقعة تجر أذيال الخيبة، ولم يبقَ سوى حصانين خليجيين استعراضيين بلا فارس وبلا بندقية.