دخل المرشح الديمقراطي جو بايدن عالم السياسة الأميركية قبل نصف قرن من الزمان، وبفوزه الرسمي ببطاقة ترشح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية المقبلة، يخطو نحو حلم راوده منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي.
بايدن (77 عاما) ولد لأسرة متواضعة من عمال المناجم في شرق ولاية بنسلفانيا، وسلك مسارا سياسيا انطلاقا من ولاية ديلاوير الصغيرة المجاورة لبنسلفانيا، وهي الولاية التي مثلها في مجلس الشيوخ 6 فترات، مجموعها 36 عاما، إضافة إلى شغله منصب نائب الرئيس السابق باراك أوباما 8 سنوات، في حين لم يقم بأي دور سياسي منذ وصول الرئيس دونالد ترامب للحكم قبل 4 أعوام
وفي أواخر العام الماضي، أعلن بايدن ترشحه للانتخابات الرئاسية، وبعد تفشي فيروس كورونا في البلاد قبيل الانتخابات الأميركية، بدا أن حظوظه الانتخابية تتعزز بفضل سجله الطويل بين دهاليز العمل السياسي في واشنطن، ومعرفته العميقة والتجربة الفريدة في العمل الحكومي الرسمي.
ويدفع بايدن بتلك الخبرة الطويلة كسند كبير يعتمد عليه في مواجهة عالم مختلف ضاعف خطورة تفشي فيروس كورونا المستجد.
ويرى الديمقراطيون أن بايدن يمتلك المهارات القيادية اللازمة كقائد عام يستطيع صياغة توصيات خبراء الرعاية الصحية والاقتصاد، بما يغير طريقة تعامل البلاد مع جائحة كورونا.
وإذا حقق بايدن الفوز في الانتخابات الرئاسية -كما تتوقع أغلب استطلاعات الرأي حتى الآن- فسيصبح في 78 من عمره عند تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني المقبل، إذ ولد في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1942، وهو ما يجعله الأكبر عند بدء مهامه الرئاسية مقارنة بكل من سبقوه إلى البيت الأبيض.
المأساة والتعاطف
يرتبط اسم جو بايدن عند كثير من الناخبين من كبار السن بما جرى له عندما انتخب سيناتور وهو شاب لولاية ديلاوير عام 1972، ولم يكن بلغ 30 عاما.
وقبل أدائه يمين القسم الدستورية عقب فوزه بأول انتخابات لمجلس الشيوخ توفيت زوجته نيليا وابنته نعومي في حادث سيارة، ولحقت إصابات خطيرة بولديه بو وهانتر.وتجددت المأساة مع وفاة ابنه "بو" وعمره 46 عاما بسبب ورم سرطاني في المخ عام 2015؛ مما أكسبه تعاطف كثير من الناخبين من كبار السن.
سجل مختلط في القضايا الخارجية
خدم بايدن سنوات طويلة رئيسا للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وسمح له هذه المنصب بمقابلة أغلب حكام العالم على مدار سنوات طويلة.
وبسبب طول سنوات خدمة بايدن في مجلس الشيوخ، تغيرت الكثير من مواقفه تجاه العديد من القضايا، وذلك رغم تبنيه مواقف تقليدية في ما يتعلق بالسياسة الخارجية بصفة عامة، وقناعة راسخة بدور أميركي ريادي على الساحة الدولية.
كان بايدن من أشد المتحمسين لتوسيع حلف الناتو شرق أوروبا، وأيد بشدة تدخل الحلف في حرب البلقان، كما كان من مؤيدي غزو العراق عام 2003، بل دعا رسميا إلى تقسيم العراق لـ3 دول: كردية في الشمال، وسنية في الوسط، وشيعية في الجنوب.
وقف بايدن متحفظا داخل إدارة الرئيس أوباما عندما وقعت أحداث الربيع العربي، وكان يخشى من ترك حلفاء واشنطن، خاصة الرئيس المصري حسنى مبارك، وطالب أوباما بالوقوف إلى جانب الرئيس المصري وعدم تأييد المظاهرات المناوئة له.
ودعم بايدن بشدة التوصل لاتفاق نووي مع إيران، وكان من أنصار التشدد مع روسيا عقب غزوها منطقة جزيرة القرم بأوكرانيا، ويتبنى موقفا تقليديا وسطيا من الصين.
وفي ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، يعبر بايدن عن معارضته أي خطوات أحادية الجانب -بما في ذلك الضم- الذي يقوّض أفق حل الدولتين.
وتعهد بالعمل على عودة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني لمائدة المفاوضات، لكنه تعهد كذلك بعدم التراجع عن قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها.
كما تعهد بايدن بمراجعة علاقات بلاده بالمملكة العربية السعودية، وعدم منح ولي عهدها شيكا على بياض مثل ما يفعل ترامب.
نائب رئيس غير متوهج
وهذه هي المرة الثالثة الذي يرشح فيها بايدن نفسه للرئاسة، إذ حاول وفشل عامي 1988 و2008. انضم لحملة باراك أوباما مرشحا لنائب الرئيس، ووقع اختيار أوباما عليه ليوازن به عدم خبرته بدهاليز العاصمة الأميركية، ولاستقطاب تأييد الناخبين المعتدلين ممن كانوا يخشون من أجندة أوباما المصنفة ليبرالية ويسارية بمعايير منتصف العقد الماضي.
ولعب دورا بارزا في حشد الأصوات في الكونغرس لقانون أوباما للرعاية الصحية، وهو ما يعد من أبرز إنجازاته خلال تواجده بالبيت الأبيض. وأشرف بايدن أثناء وجوده في البيت الأبيض على ملفات خارجية؛ أهمها سحب القوات الأميركية من العراق، وحشد المجتمع الدولي ضد التدخل الروسي في أوكرانيا.
ولم يبرز بايدن من خلال دوره كنائب للرئيس نظرا لطغيان شخصية أوباما على المشهد، ولم يترشح للرئاسة عقب انتهاء حكم أوباما عام 2016، وترك الساحة لهيلاري كلينتون، وأثار استغراب كثيرين عندما ترشح لانتخابات 2020.
حملة انتخابية متعثرة في بدايتها
بدأ بايدن حملته الانتخابية بمقطع فيديو بدأ بعبارة "تشارلوتسفيل، فيرجينيا"، ملمحا إلى ما شهدته تلك المدينة من عنف جماعات عنصرية تؤمن بتفوق الجنس الأبيض، وهو ما أستغله للفت الانتباه إلى الانقسام والعنف الذي يقول إنه اجتاح البلاد في عهد الرئيس دونالد ترامب.
وفي مناظرات الحزب الديمقراطي التمهيدية لم يبل بايدن بلاء حسنا، وهاجمته المرشحة كامالا هاريس بسبب عدم تخليه من إرث العنصرية، إذ رفض بايدن كيسناتور بمجلس الشيوخ الاختلاط بين التلاميذ السود والبيض في الحافلات المدرسية من أجل الإسراع في الاندماج بين البيض والسود في المدارس العامة، وهو ما يستخدم دائما ضده.
واحتل بايدن المركز الرابع في ولاية أيوا، والخامس في نيوهامبشير، ثم الثاني في نيفادا، لكنه عاد من ولاية كارولينا الجنوبية بفوز حاسم أثبت قوته مع الدوائر الانتخابية الرئيسية، بما في ذلك الناخبون السود، وهو ما ساعده على الاستمرار في حصد الانتصارات والمندوبين.
أصبح المرشح المفترض للحزب عندما انسحب السيناتور اليساري بيرني ساندرز من السباق في الثامن من أبريل/نيسان الماضي. ويتبنى بايدن الموقف التقليدي للحزب الديمقراطي من قضايا الرعاية الصحية والمهاجرين وحقوق الشواذ الجنسية وتغير المناخ والإجهاض وحق حمل السلاح وفرض الضرائب.
إلا أن هذه التقليدية تدفعه أحيانا للصدام بالتيار اليساري الذي تزيد قوته بالحزب، والذي لا يُمكن لبايدن الانتصار في الانتخابات من دون أصواته.
اليسار الديمقراطي.. الولاء غير المضمون
خلال كلمتها أمام مؤتمر الحزب الديمقراطي ليلة أمس الثلاثاء، أعلنت النائبة الديمقراطية ألكساندريا أوكازيو كورويز، ذات الشعبية الطاغية وسط أنصار التيار التقدمي اليساري بالحزب؛ أنها تمنح صوتها لبيرني ساندرز للترشح للرئاسة، وامتنعت عن ذكر بايدن في كلمتها، في رسالة رمزية للحزب تشير إلى وجود تيار يساري كان يفضل السيناتور ساندرز.
وعكست الانتخابات التمهيدية في العديد من الولايات صعود تيار اليسار، واتساع شعبيته بين الناخبين الديمقراطيين، وهو التيار الذي كان يرفض جو بايدن في بداية الانتخابات التمهيدية بدعوى أنه يمثل ماضي البلاد والحزب.
وتؤشر خطوة النائبة كورويز إلى أن الانقسام داخل الحزب أصبح كبيرا جدا رغم الاتفاق على دعم بايدن كشخصية موحدة للتيارات الديمقراطية الرئيسية التقليدية واليسارية.
ودخل بايدن السباق الرئاسي رافعا شعار أولوية هزيمة ترامب عبر توحيد شقي الحزب: المعتدل واليسار، ورغم تعثره في تمهيديات ولايتي أيوا ونيوهامبشر، فإنه ما لبث أن تصدر بعد اكتساحه نتائج الثلاثاء الكبير.
ووفقا لأرقام نشرتها نيويورك تايمز، فإن بايدن تمكن من توحيد الحزب، إذ أعلن 96% من أنصار إليزابيث وارن و87% من أنصار بيرني ساندرز تأييدهم لبايدن.
ورغم ذلك، هناك سؤال حرج يُطرح في أصوات الحزب: هل سيصوت كل الديمقراطيين لبايدن مهما كان حجم الاختلافات الأيديولوجية بينهم؟ أم سيتكرر سيناريو الموسم الانتخابي الماضي حين عزف بعض أنصار بيرني ساندرز عن الاقتراع لصالح هيلاري كلينتون؟