تمر المنطقة بهزات وخضات عنيفة تؤذن بنهاية مرحلة، وبداية مرحلة جديدة. لم تأتِ الولايات المتحدة الأميركية لمغادرة العراق، ويؤيد ذلك ما نشره موقع "آرمي تايمز" بالأمس حول إرسال لواء عسكري أميركي الى العراق؛ لكن فيما إذا أجبرتها فصائل المقاومة على المغادرة من خلال تواصل عمليات الاستنزاف، وجرّها الى ساحة الحرب المفتوحة، فبالتأكيد ستتموضع قريباً من الأراضي العراقية؛ في الأردن على سبيل المثال.
ومع استبدال النفوذ الأميركي في العراق بالنفوذ البريطاني منذ سنوات، فإن ذلك يستتبع استقدام المزيد من القوات البريطانية ذات النشاط العسكري والاستخباري لتعويض الفراغ الأميركي، حيث ذكرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية قبل أربعة أشهر تقريباً أن بريطانيا تزمع إرسال لواء رينجرز من القوات الخاصة- المستوى الثاني الى شمال العراق.
ونشر موقع "ستارز آند سترايبس" قبل يومين، أن الولايات المتحدة تقوم بنقل قاعدتي السيلية الرئيسية والسيلية الجنوبية ونقطة إمداد الذخيرة فالكون بعدتها وعديدها من قطر الى الأردن.
تكمن أهمية هذه الانتقالية في كون نتائج معركة سيف القدس والهجمات المتبادلة (بما فيها السيبرانية) بين دول وفصائل محور المقاومة من جهة، وبين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني من جهة أخرى أفرزت نوعاً من التكامل داخل محور المقاومة لم يعد أمامه سوى خاصرة الأردن الرخوة، فحين تتموضع الإمدادات الأميركية في الأردن فهي تستمر بحماية أمن الكيان الصهيوني من جهة، ومن جهة ثانية يعد هذا تراجعاً لخطوات الى الخلف؛ إذ باقترابها من حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة يعني هذا أن الخناق قد ضاق على تل أبيب فعلاً.
إضافة الى أن التموضع في الأردن يعني المضيّ في مشروع إقليم الأنبار وصفقة القرن، وقد اعتدنا أن أميركا كلما تراجعت خطوات نحو الوراء؛ هربت نحو الأمام لتحقيق انتصارات في ساحة أخرى، فيما تترك قطر وحيدةً أمام الأطماع السعودية القديمة بوجود قاعدة تركية فقط؛ مما يعني إمكانية أن تستنجد قطر بإيران فيما لو تحولت المنطقة الى ساحة الحرب المفتوحة، فيما تتنمر السعودية كذلك على الإمارات حليفتها؛ وتبدو الخلافات واضحة بين طرفي الحلف العتيد في اليمن حول عدن، وصراع الجماعات المسلحة التابعة لهما هناك، كما تتبدى الخلافات في فشل الدبلوماسية النفطية بينهما في أوبك مؤخراً، وأعتقد أن الانفجار الأخير -هذا المساء- في منطقة جبل علي في دبي قد يكون مظهراً من مظاهر هذا الخلاف، إذا ما استبعدنا إمكانية أن يكون المستهدف هو المصالح الإسرائيلية في جبل علي بعد حمى التطبيع الأخيرة، أو القوات الأميركية في جبل علي، في ظل تغير قواعد الاشتباك في المنطقة.
هذا بمعزل عن مناقشة أهمية أفغانستان والدور المباشر لكل من (تركيا، روسيا، الصين)، وأخذ دورها غير المباشر بنظر الاعتبار.