تنطلق جولة الانتخابات النصفية باكراً، وسط سعي طرفي المعادلة السياسية، الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لتعديل تمثيلهما في مجلسي الكونغرس. تتجاذب هذه الانتخابات جملة مواضيع وتحديات وفرض أجندات، بعضها مستفز بشكل صارخ، وبعضها الآخر ينضح بالعنصرية، تكريساً لحالات الانقسام العمودي في المجتمع.
كل من الفريقين يتمترس خلف قضايا يعتبرها أولوية لدى جمهوره، تتراوح بين الاقتصادية والاجتماعية والرعاية الصحّية، من دون أن تلامس جذور الأزمات المتفاقمة، وتتصدَّرها المجالس المحلية لاعتقادها بأنّها تفرض ضغوطاً على المرشحين المحتملين لتبنّيها وتأييدها.
صادقت أبرز الولايات الجنوبية المؤيّدة للتيارات اليمينية المتشددة على عدد من القوانين مبكراً، والتي ترمي في معظمها إلى الحدّ من زخم التمثيل الحقيقي للتغيّرات السكّانية والديموغرافية فيها، على الأقل في مؤسساتها التشريعية الرسمية، وخصوصاً تلك التي شهدت نزوحاً كبيراً من مواطني ولاية كاليفورنيا، ومعتقداتهم ليبرالية نسبياً، بدوافع اقتصادية صرفة، إلى ولاية تكساس "المحافظة".
تمهيداً لأجواء الانتخابات المقبلة وفرض أجندة خاصة على الرأي العام، أقرت ولاية تكساس، على سبيل المثال، مشروع "قانون 3979"، يمنع السلك التربوي في كلّ المراحل التعليمية من التطرق إلى مسألة "العبودية والعنصرية" في المجتمع الأميركي ويجرمه، باستثناء اعتبارها مجرد "انحراف سلوكي عن المبادئ المؤسسة للنظام الأميركي".
في المقابل، اعتبرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن ترسيخ اليمين الأميركي أجندة انتخابية تناقض الثوابت التاريخية "يرمي إلى عرقلة أساليب التدريس التي من شأنها توعية الطلبة بحقيقة نظام العبودية وتجدّد نزعات العنصرية" في العصر الراهن ("نيويورك تايمز"، 6 تموز/يوليو 2021).
بعض الولايات الجنوبية سنّت تشريعات تربوية تنتهك حقوق الفرد الأساسية في التعبير، وتحظر تأييد السياسة الفيدرالية بمساواة الفرص التعليمية بين أفراد المجتمع كافة. ومن أبرز الأمثلة الصارخة على انتهاك الحريات، كان تبني مركز أبحاث محافظ في ولاية تكساس، "مؤسسة السياسة العامة لتكساس"، مؤخراً، قائمة مصطلحات "ممنوعة" من التداول في مراحل التربية والتعليم العامة، مثل "العدالة الاجتماعية والاستعمار"، لكن تطبيق تلك القائمة على مؤسسات التعليم الخاصة والعليا سيشكل انتهاكاً صريحاً لنصوص الدستور الأميركي، وكذلك لقانون الحريات المدنية الذي يجرّم التمييز لاعتبارات الأصول العرقية.
في ظلِّ تلك اللوحة المتشابكة من القضايا التي تنال اهتمام العامة وجمهور الناخبين على السواء، يشحذ قادة الحزبين كل ما توفر لديهم من ذخيرة لتعديل التوازن الراهن في مجلس الشيوخ (50 عضو لكل منهما). واستناداً إلى ذلك، إن الأجندة الخاصة بالرئيس جو بايدن، المعدة للإنجاز في أقل من سنة ونصف السنة، ستتأثر بشكل جوهري بالحراك الشعبي والتوجهات السياسية المناوئة لحزبه.
في عرف الانتخابات الأميركية، إن حزب الرئيس مرشّح لخسارة أغلبية تمثيله في مجلسي الشيوخ والنواب في الانتخابات النصفية، أي بين فترتي الانتخابات الرئاسية. ودرجت العادة أن يحجم الناخبون المؤيّدون للرئيس عن المشاركة بكثافة. انتخابات أعضاء مجلس الشيوخ في هذه الدورة ستعقد في 34 ولاية؛ 20 مقعداً لنواب عن الحزب الجمهوري، و14 مقعداً للمنافس الديمقراطي، تؤثر فيها بشكل مباشر مجموعات الضغط "اللوبيات"، وخصوصاً قطاع الصناعات العسكرية وقطاع التمويل في "وول ستريت" والإمبراطورية الإعلامية.
تشير استطلاعات الرأي بمجملها إلى قلق مشروع داخل معسكر الرئيس بايدن، نتيجة تدني معدلات التأييد لسياساته، والتي تتراوح بين 50-55%، وهي ليست كتلة متراصة بطبيعة الحال. كما يواجه بايدن تحدياً إضافياً بين مؤيديه السابقين من "خريجي الجامعات من البيض"، والذين دعموه بنسبة 54% في الجولة الانتخابية السابقة. جزء لا بأس به من تلك العينة اضطرته الظروف الاقتصادية، وما نجم عن جائحة كورونا من تغييرات هيكلية وديموغرافية، إلى إدخال تعديلات جوهرية إلى نمط حياته اليومية، وأضحى في وضع لا يُحسد عليه من تردي معدلاته المعيشية.
وعليه، يمكن الاستدلال على حرص الرئيس على الترويج لسياساته الاقتصادية والاستثمار في البنى التحتية، بعد طول غياب وتجاهل من الحزبين، إذ إنّ أيّ تعديل، ولو طفيف، في الأداء الاقتصادي سيمكّنه من استثماره انتخابياً.
قراءة اللوحة الانتخابية المقبلة لمجلس الشيوخ تشير إلى مقعدين متأرجحين في ولايتي بنسلفانيا وويسكونسن، اللتين فاز فيهما بايدن بنسبة متدنية 1%. كما أن الحزب الديمقراطي معرض لخسارة نحو 4 مقاعد من مجلس الشيوخ تعود إلى ولايات أريزونا ونيفادا وجورجيا ونيو هامبشير.
جردة سريعة لأهمّ المقاعد المرشّحة لفوز الخصم بها تشير إلى أريزونا، الممثلة بعضو مجلس الشيوخ "الليبرالي" مارك كيلي، وخصوصاً مناهضته حمل السلاح في الأماكن العامة، بعد تعرض زوجته النائب الأسبق في مجلس النواب غابي غيفورد لإطلاق نار خلال مهرجان انتخابي كاد يقتلها، يقابله جمهور من الناخبين المحافظين في غالبيته.
المنافس الجمهوري لمقعد أريزونا، مارك برونوفيتش، يشغل منصب المدعي العام في الولاية، ولديه سجلّ وافٍ من سياسات محافظة تحظى بتأييد جمهور لا بأس به من الناخبين، أهمها معارضته المهاجرين الذين يفتقدون الأوراق الثبوتية، وفوزه بحكم قضائي مؤخراً ضد شركة "غوغل"، محوره انتهاكها الحرية الفردية.
شهدت ولاية جورجيا الجنوبية فوز مرشح الحزب الديمقراطي الأسود، رفائيل وورنوك، في الجولة السابقة بنسبة 51%، لملء المقعد الشاغر عن غياب السيناتور السابق آيزكسون. منافسه المحتمل ذو البشرة السمراء، هيرشل ووكر، صديق شخصي للرئيس السابق دونالد ترامب، وشغل منصباً استشارياً لدى البيت الأبيض حول الرياضة واللياقة البدنية والتغذية.
شهرة ووكر تعود أيضاً إلى تفوقه في مباريات كرة القدم للمحترفين في عدة أندية، منها نادي "رعاة البقر لدالاس"، وجامعة ولاية جورجيا المشهورة، إلى جانب نجاحه المهني كرجل أعمال مشهود له.
أيَّدت ولاية نيفادا مرشحي الحزب الديمقراطي في الجولة الأخيرة، لكن نفوذ الحزب الجمهوري وتأثيره فيها له تاريخ طويل. ومن المرجح دعمها مرشحيه في الجولة المقبلة. الممثلة الراهنة عن الولاية، كاثرين كورتيز ماستو، فازت بنسبة متدنية تكاد لا تتجاوز 47% في الجولة السابقة. منافسها الجمهوري، آدم لاكسالت، شغل منصب المدعي العام السابق للولاية، ويحظى بتأييد الجناح اليميني المتشدد في الحزب الجمهوري. يشار إلى أنّ نيفادا أيدت الرئيس بايدن في الانتخابات الرئاسية بنسبة ضئيلة أيضاً 50.06%.
ولاية نيو هامبشير، في أقصى الشمال الشرقي، فازت بها مرشحة الحزب الديمقراطي ماغي حسن، لكنها شهدت تراجعاً ملحوظاً في تأييد ناخبيها بنسبة 2 إلى 5، وهي نسبة مقلقة لأيّ مرشح. حاكم الولاية الجمهوري كريس سنونو أعرب عن نيته الترشح لعضوية مجلس الشيوخ، وكذلك اللواء المتقاعد في القوات الخاصة دونالد بولدوك. السيدة حسن تفوَّقت على بولدوك في استطلاع رأي حديث بنسبة 52%، بيد أن دخول حاكم الولاية الجولة الانتخابية سيعقّد حظوظها على الأرجح.
النائب الجمهوري عن ولاية بنسلفانيا "الحاسمة"، بات تومي، أعلن عدم ترشحه في الجولة المقبلة. ومن المرجّح أن يفوز بالمقعد مرشح الحزب الديمقراطي، وخصوصاً أن الولاية فاز بها الرئيس بايدن بنسبة 50% عقب صدامٍ دامٍ مع الرئيس السابق ترامب. أعلن 8 مرشحين عن الحزب الديمقراطي نيتهم خوض الجولة الانتخابية، إضافة إلى 9 آخرين ينوون الترشح، وليس بين الفريقين مرشح قوي حتى اللحظة.
السيناتور الجمهوري القوي رون جونسون، عن ولاية ويسكونسن، فاز بمنصبه بنسبة 50.17% في العام 2016، لكنه لم يعلن نيته الترشح للجولة المقبلة. في المقابل، أعلن 5 مرشحين عن الحزب الديمقراطي جهوزيتهم لخوض الجولة الانتخابية المقبلة، لا يوجد بينهم مرشح قوي، والكل بانتظار إعلان السيناتور جونسون خطوته المقبلة في ظل تصريحاته السابقة التي أشار فيها إلى أنه لا ينوي شغل المنصب لأكثر من دورتين انتخابيتين.
أمام هذه اللوحة الأولية لموازين القوى، تشتدّ حدة الجدل العام حول اعتماد "مبدأ العرق" من عدمه، والذي سبقت الإشارة إليه، ويجري تداوله بقوة بين مراكز الأبحاث وصناع القرار السياسي. وفي هذا الصّدد، أوضح معهد "بروكينغز" أنَّ التيار اليميني، ممثلاً بالحزب الجمهوري، ينشر بين صفوفه تفسيراً مضلِّلاً للمبدأ، لإثارة مخاوف قاعدته الانتخابية، بالزعم أن تناول الطرف الآخر للمسألة "يضع اللوم على مجمل العنصر الأبيض لاضطهاده" ذوي البشرة السمراء، وفي الوقت عينه تصنيفهم "كضحايا مضطهدين ميؤوس منهم".
في النتيجة، حفّزت تلك المخاوف المجالس التشريعية المحلية والهيئات التعليمية على السواء على اعتماد حظر على إدخال مادة "العنصرية" في المناهج الدراسية في 6 ولايات، انضمت إليها 3 ولايات أخرى، استباقاً لبدء الجولة الانتخابية (معهد "بروكينغز"، 2 تموز/يوليو 2021).