يبدو الوطن العربي وكأنه سيدخل في أتون أزمة مائية كبيرة سيكون لها انعكاساتها السلبية على كل جوانب الحياة المجتمعية من اقتصادية وسياسية ومجتمعية وغيرها، ويترافق هذا مع صمت مطبق لما يدعى (جامعة الدول العربية)؟!، وتغيب تصريحات قادتها النارية (وعنترياتهم) كما فعلوا بخصوص سورية وليبيا والعراق والجزائر والسودان واليمن وغيرها، وتأتي خطورة ذلك من الارتباط العضوي بين الأمن المائي والأمن الوطني وخاصة الأمن الغذائي، ومعالم ومرتكزات هذه الأزمة تتجسد في عوامل داخلية وخارجية نذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر (الجفاف والتغيرات المناخية والاحتباس الحراري وزيادة الملوحة وقلة الأمطار السنوية وتوسع التصحّر والاعتداء على الغابات وتلوث البيئة وضعف المصادر المائية الجوفية والجارية والهدر الزائد وسوء الاستغلال وزيادة تكلفة تحلية المياه من البحار والمحيطات وغياب طرق الري الحديثة وزيادة الفاقد المائي وتهديدات دول الجوار والتدخل الصهيوني ....إلخ).
وما يزيد الأمور تعقيداً هو أن المنطقة العربية تؤمن مياهها من مصادر خارجية وبنسبة /68%/، وأزمة الدول العربية ستتفاقم مستقبلاً وخاصة أن الوطن العربي يقع ضمن المناطق الجافة وشبه القاحلة وبدأنا نرى زيادة تأثير ضغوطات الدول الخارجية، ومنها مثلاً من قبل تركيا ضد سورية والعراق من خلال نهري دجلة والفرات وإثيوبيا ضد مصر والسودان من خلال نهر النيل والكيان الصهيوني ضد كل الدول العربية وخاصة الأردن ولبنان وفلسطين من خلال البحر الميت والليطاني واليرموك وبحيرة طبرية ...إلخ، ويتجلى ذلك بفرض إجراءات أحادية مخالفة للاتفاقيات الدولية المائية الضامنة لدول العبور والمصب، وهذا سيؤدي لتقليل حصة الدول العربية من المياه مما يزيد من شدة الضغوطات الاقتصادية لأن الماء هو الرافعة الأساسية للصناعة والزراعة بنوعيها الاستخراجية والتحويلية وإنتاج الكهرباء وكما قال تعالى ( وجعلنا من الماء كل شيء حي )، وبالتالي فإن الأمن المائي هو جزء لا يتجزأ من الأمن العربي القومي الشامل، وإذا استمرت الأمور هكذا فإن الوطن العربي سيدخل في حلقة الفقر والعجز المائي، وستتضخم هذه المشكلة مع الزمن وخاصة مع صمت دول العالم وجامعة الدول العربية، ولا سيما أن الدول المعتدية لم تتقيد بالاتفاقيات المائية الدولية ومنها مثلاً أنّه ومنذ سنة /1993/ حدد يوم /22/ من شهر آذار في كل سنة بمثابة (اليوم العالمي للمياه) وبقي هذا حبراً على ورق، وكدليل على ذلك خفّضت تركيا ضخ المياه إلى سورية والعراق من/500/ م3 في الثانية حسب الاتفاقية الموقعة سنة /1987/ إلى /200/ م3 مما أدى إلى انخفاض منسوب نهر الفرات بمعدل خمسة /5/ أمتار لأول مرة في التاريخ، وعلى صعيد الوطن العربي فإن الدراسات أكدت أن حصة المواطن العربي من المياه تشكل أقل من /10%/ من المتوسط العالمي، وهذه النسبة القليلة ستتراجع مستقبلاً مع زيادة معدل النمو السكاني العربي بأكثر من /2%/ وتراجع الموارد المائية، وبالتالي ستحدث فجوة كبيرة بين العرض الكلي المتراجع والطلب الإجمالي المتزايد مما يؤدي إلى فجوة تسويقية كبيرة، ومن هنا ركّز التقرير الاقتصادي العربي الموحد لسنة /2020/ على أن نصيب الفرد العربي من المياه العذبة سنوياً بحدود/800/ متر مكعب لسنة /2019/ وستتعرض هذه الكمية للتناقص من سنة /2025/ لتصل إلى /667/ متراً مكعباً، ومن باب المقارنة فإن نصيب الفرد العربي سنة /1955/ كان /3430/ م3، أي أن النسبة الحالية تعادل من سنة /1955/ نسبة /20%/ فقط، فهل تتحول سلعة المياه إلى سلعة إستراتيجية، وهل نسعى لزيادة الاستثمار في المياه ومشاركة القطاع الخاص في ذلك وهو الذي يساهم في الناتج المحلي الإجمالي في سورية أكثر من /65%/ ونتوجه لزيادة استخدام التقنيات وحماية النظم الايكولوجية البيئية والتصدي للضغوطات الخارجية، وعلى المستوى العربي هل تأخذ جامعة الدول العربية موقفاً لحماية المواطن العربي من خلال عودتها إلى الحضن السوري وتتبرأ مما عملته ضد سورية والعراق وليبيا ؟! أم أنها ستبقى مع (غيطها) أي رئيسها (أحمد أبو الغيط) لتكون العامل الأساسي لطوفان المشاكل العربية وعندها سنقول كما قال شاعرنا الكبير (بدوي الجبل):
ما للسّفينة لم ترفع مراسيها؟ ألم تهيئ لها الأقدار ربّانا؟
ضمّي الأعاريب من بدو ومن حضر إنّي لألمح خلف الغيم طوفانا