لازالت الغالبية العظمى تحتفل بذكرى ثورة ١٤ تموز التي اطاحت بالنظام الملكي واعلان الحكم الجمهوري كبداية للتغير الذي طغى على الأنظمة العربية تباعا نحو هذا النوع من أنظمة الحكم.
في الفترة التي سبقت الانظمة الملكية كانت الثورات العربية عنوانا بارزا تجتاح الدول العربية لنيل سيادتها وكان من نتائجها وافرازاتها على الواقع ان تبنت الدول الاستعمارية أنظمة ملكية تحكم الدول العربية التواقة لطلب الحرية.
فمن سوريا والعراق والحجاز لمصر مرورا بليبيا والجزائر والمغرب وبقية البلدان التي قادت الثورات للخلاص من الاستعمار حيث توجت بانتصار ارادة الشعوب والحصول على الاستقلال بأنظمة ملكية.
في الخمسينيات من القرن المنصرم ظهرت ثورات من نوع آخر يقودها الضباط الاحرار (كما يسمون أنفسهم) للانقضاض على السلطة بحجة عمالة الأنظمة الملكية وموالاتها للدول الغربية التي ساعدت في تنصيبهم، وكان عبد الناصر وزملائه ممن قادوا ثورة التغيير في مصر ضد الملك فاروق وتم ترحيله بعد ان سلم السلطة للضباط.
أما عبد الكريم قاسم المحسوب على الضباط الاحرار الذي قاد الثورة مع زملاءه فقد انشطر فيه الشعب العراقي نصفين ما بين مؤيد ومعارض أثناء فترة حكمه وقد ازداد الخلاف بعد اعدامه للملك ووصيه وعائلته ورئيس وزراءه.
وقد اختلفت الروايات ما بين الرسمية والشعبية لكن الثابت والحقيقي ان الصور وثقت مجزرة القتل وتقطيع الأجزاء والسحل في الشوارع من قبل الجماهير انتقاما والسؤال؛ هل كان بإمكانه أن يمنع ذلك وهو صاحب المقولة (عفا الله عما سلف)؟
ان آثار العنف والانتقام والثأر انطبعت كصورة ذهنية في عقول الغالبية من الشعب واصبحت جزء من سلوكياتهم وقد يتبادر للذهن بأنها سلوكيات شاذه او ردود افعال غير مسيطر عليها او انفلات غير محسوب.
للأسف ان الأحداث اللاحقة وحتى الحديثة منها اثبتت عنيفة وعداء وانتقام السلطات تجاه الشعب اولا وثانيا الشعب تجاه المجتمع والمؤسسات حينما تتهيأ له الفرصة للتدمير والثأر والقتل واعتقد غالبا ما تكون سمة شعوبنا العربية بهذا الاتجاه نتيجة المعاناة والظلم وهدر الكرامة والتسلط وفقدان العدالة والبطالة والجهل ، وهذا ما مرسوم له وفق توقيتات وجداول وهو تدمير المجتمعات والشعوب وضياعها وتحويلها إلى امة جاهلة تسعى للعنف حينما تريد التغيير واستطاع الغرب ان يشوه معالم الدين عموما ورسم له صورة قاتمة تتجسد في القتل والتنكيل والتمثيل والسبي من خلال القاعدة وداعش.
لقد مرت الأنظمة العربية بأنواع السلطات بعد الثورات العربية فمن الملكية إلى سلطة الضباط إلى الدكتاتورية والاستبداد إلى فوضى الربيع العربي (المخطط له) ثم للأنظمة البرلمانية الديمقراطية والتي لم تسهم في ارتقاء الشعوب وتطورها ولم تسفر عن شيء تقدمه لهذه الشعوب بقدر ما ساعدت على انحلال المجتمعات وضياع القيم وتدني مستوى التعليم والخدمات الاخرى وانتشار الجهل والامية وعدم الاستقرار والحروب والصراعات حتى بين أبناء الشعب الواحد.
لقد فشلت جميع انواع الأنظمة التي حكمت الشعوب العربية وما استمرت اخيرا الا دول التاج الملكي المرتبطة بالمملكة الام او التي خضعت وتآمرت على الحقوق العربية ومنها تلك التي سارت على ركب صفقة القرن ووقعت على ذبح القضية الفلسطينية وللأبد.