يكاد يجمع المؤرخون ان هناك فئة تملك الاستعداد النفسي للالتحاق بالمحتل حتى لو كلفها ذلك حياتها.
ويعتقد بعض الكتاب ان سبب هذا (الالتحاق) والاسراع في خدمة "المحتل" وتقديم كافة الخدمات له من معلومات او ترجمة او حتى "القتال" معه ضد اي جهة يقاتلها حتى لو كانوا من ابناء وطنه، الى مجموعة من الاسباب بعضها (الانهيار النفسي) والهروب الى الامام بسبب (صدمة الاحتلال) او الاستعداد المسبق لقضايا خلافات اجتماعية او سياسية او دينية، وربما الاعجاب بالمحتل بسبب (الاعلام).
الذي يسبق قدوم المحتل فيما يرى اخرون ان فئة من المجتمع تبحث عن مصالحها اينما تكون حتى على حساب الوطن ومستقبله وكرامة شعبه.
يقول جنكيز خان (المعلومات التي تصلنا من خصومنا قبل الهجوم عليهم تفوق اي معلومات اخرى)!
هذه المقدمة سقناها بعد المشكلة التي تظهر عند اي انسحاب للقوات المحتلة من ارض اي بلد كان، حيث سرعان ما تتوجه الانظار للثأر من (الخونة) - وفقا لتعريف قوى التحرر بالعالم، او الدول التي خاضت معارك خارج او داخل حدودها فاكتشفت تعاونا من بعض ابناء البلد مع (العدو).!
لا نريد الذهاب بعيدا بالتاريخ في التعامل مع هؤلاء الذين يسميهم المحتل (متعاونا) ويسميهم ابناء البلد بـ (الخونة) لكن ما لفت نظرنا، ان واحدة من اشكاليات الانسحاب السريع للقوات الاميركية وحلف الناتو من افغانستان انهم تركوا خلفهم الالاف من (المتعاونين) من مترجمين ومقاتلين وعمال وسواق وادلاء وغيرهم، باعتبار ان مدة مكوث القوات المحتلة على ارض افغانستان طويلة وتمتد لعقدين من الزمن.
حين باشرت القوات المحتلة بالانسحاب لم يكن في جدولها وحساباتها، كيف سيتم التعامل مع هؤلاء (المتعاونين) الذين سرعان ما قرأوا وسمعوا بيانات (طالبان) التي تتوعدهم بالويل والثبور وتصفهم بـ (الخونة)!
اعداد هؤلاء يتجاوز الـ 15عشر ألف وإذا اضفنا لهم اسرهم سيكون الرقم كبيرا جدا، هم خرجوا في تظاهرة ووقفوا عند السفارة الاميركية بـ (كابل) وهتفوا واسمعوا صوتهم الى الاعلام العالمي لكن احدا يومها لم يستمع لهم لا من قبل "الأمريكان"، ولا دول "حلف الناتو."
اصبحت هناك ضغوط على حكومة "بايدن" و"جونسون" ودول الحلف عموما ولكن الاجراءات البطيئة والتسويف وفرت فرصة لطالبان ان تنفرد بهم وهي تحتل المنطقة دون الاخرى، فيما ليس هنالك من وسيلة اعلام غربية تحدثت عن مقاتلهم وتبرؤا قبائلهم منهم.
الأمريكان من جهتهم وكي يسكتوا الاصوات المطالبة بإيجاد حل لهؤلاء (المتعاونين) وخاصة منظمة (المحاربون القدامى) اعلنت وزارة الخارجية ان الولايات المتحدة ستجد قاعدة عسكرية في ولاية فرجينيا لـ (700) لاجئ افغاني تعاونوا مع القوات الاميركية.
افزع طالبي اللجوء الافغان، فعدد المتقدمين رسميا للجوء "عشرين ألف" وماذا يعني الرقم (700) امام ذلك؟ ثم ان الأمريكان الى الان يخططون ليجعلوا من قاعدة عسكرية في فرجينيا مكانا اوليا لهم خاصة وان هؤلاء الـ (700) كانوا قد طلبوا اللجوء قبل أكثر من عشر سنوات!!
الحكومة الافغانية غير قادرة على معالجة هذا الملف وتطالب هؤلاء للانخراط مع الجيش الافغاني للقتال!
لا شك ان مصير هؤلاء الافغان الذين تعاونوا مع القوات الاجنبية أصبح مجهولا، فأولئك غادروا وعادوا الى بلدانهم وهؤلاء صنفوا (خونة) وبيد فئة (متشددة) رفضت التفاوض بشأنهم في أصعب الظروف وطالبتهم قبل سنوات طوال بإعلان (التوبة) وتسليم أنفسهم قبل فوات الاوان.
الجميع يعلم ان الولايات المتحدة تعتبر ان هؤلاء (نتاج حرب) وهي دفعت لهم مرتباتهم يوم كانوا يقدمون لها الخدمات وما عادت بهم فائدة.
في العراق جرت مفاوضات بشأن طالبي اللجوء من العراقيين، وكيف سيتم التعامل معهم بعد خروج القوات الاميركية، خاصة وان التحامل عليهم كبير من قبل عموم الشعب وقوى المقاومة مهما كانت منازلهم ومواقعهم فهم في وصف (الخونة).
الولايات المتحدة من جانبها تشكك بالأرقام للعدد الكبير الذي تقدم لطلب اللجوء من العراقيين، كما تشكك بالتقارير والمعلومات التي تقدموا بها.
ان مصير من هم بالعراق وقد تعاونوا وقدموا الخدمات للعدو للقوات الاجنبية سيكون بذات المصير بالنسبة للأفغان خاصة وان ارقاما كبيرة اضيفت لأرقام اللاجئين في حراك تشرين، فتسارع البعض من الشباب وغير الشباب بالإعلان عن موقفه العلماني والكراهية للدين ورجال الدين والطعن بالمقدسات والدعوة للموبقات والاجهار احيانا بـ (التطبيع).
فيما يصطف عدد ليس بالقليل من الذين قدموا خدمات مباشرة ومازالوا يقدمون الى القوات الاميركية والمؤسسات التابعة لأميركا بالعراق طبقا لعناوينها.
لا شك ان وزيرة الهجرة والمهجرين العراقية قد ناقشت مع الأمريكان خلال زيارتها لواشنطن ملف اللاجئين، ويبدو ان المسؤولين الأمريكان ختموا هذا الامر بالشمع (لدينا شكوك كثيرة في ملفات اللاجئين العراقيين)!
مهما كانت النتائج والتوقعات فان الانخراط في خدمة (المحتل) تعد (خيانة) دون أدنى تبرير فهناك فرق كبير بين من يقاتل المحتل دفاعا عن وطنه لإخراج المحتل وبين اخر يضع خدماته في خدمة (المحتل) ويطيل من عمر الاحتلال ويكون سببا في أكبر عدد من الضحايا بين صفوف ابناء وطنه، وان يصنف بـ (الخائن)، وحين يحل العقاب به ليس هنالك من يحزن عليه، بل العكس يكون درسا بالتأريخ.
كنا نتوقع ان الشعوب تتعظ وتفكر في مصير من سبقوهم ممن قدموا خدماتهم الى (العدو) ونموذجنا القريب الحرب الفيتنامية وكيف ان (المتعاونين) مع الأمريكان تعلقوا بالطائرات الاميركية عند الانسحاب فالقوهم من الاعلى وتركوهم ليلقوا مصيرهم على يد الثوار في فيتنام الجنوبية.