• اخر تحديث : 2024-05-02 13:29
news-details
إصدارات الأعضاء

دور الجيش في الماضي والحاضر


مثل الجيش الاسرائيلي بقرة مقدسة أحيط بهالة مُدَثّرة بثوب الدين جعلت المس به كبيرة وخيانة عظمى للتوراة وللمشروع الصهيوني.

هذه القيمة رُسخت على مدار عقود بفضل دور الجيش والمهمة التي أوكلت له في حماية كيان قام على حساب الفلسطينيين في بحر عربي معاد وفي ظل خدمة إلزامية استمرت 3 أعوام لكل الاسرائيليين حتى سُمي بجيش الشعب وتربع على سدة قيادة الدولة في العقود الأولى في المناصب الحساسة، فالكيان في حرب دائمة تحت الرماد تنفجر أحياناً في معارك وحروب فوق السطح.

جنرالات الجيش المتقاعدين تولوا كل المناصب والوزارات السيادية، لكن بعد الانقلاب في نهاية العقد السابع من المئة الفائتة عندما تولى الليكود الحكم وتراجع دور الكيبوتس الذي لم يمثل في حينه أكثر من 8% من تعداد الصهاينة سكّن في الكنيست 25% من أعضائه كانوا من الكيبوتس ونسبة عالية من الوزراء وهيئة الأركان وقيادة فرق وألوية الجيش ووحداته الخاصة.

هذا التغيير مع تراجع حضور ضباط الجيش المتقاعدين من بين المرشحين للأحزاب انعكاساً لهذا التغيير بعد انقلاب الليكود على المعراخ (حزب العمل) وتشكيل قوائم خاصة من ضباط متقاعدين وفشل حصولها على نسب عالية وتعثر أدائها كما حصل مع رافاي بقيادة بن جوريون بعد خروجه من حزب العمل وحزب الطريق الثالث بقيادة ڤيلنائي ومتسناع وثمن جنرالات آخرين بارزين.

هذه التجارب الفاشلة وتراجع الحضور بعد التعديل في حضور الشرقيين الذين هُمشوا تماما في مؤسسات الجيش والمال والسياسة العليا والقضاء والتعليم سابقاً في ظل حكم حزب العمل.

بقي الجيش يحظى باهتمام واحترام وقدسية مع غياب حضوره وتمثيله الواسع، لكن الأحزاب المترشحة حافظت على تقديم مرشح لوزارة الحرب نجم ذاع سيطه وانتشر خبره في قتل الفلسطينيين أثناء تنفيذه عمليات خاصة أو الإشراف على مجازر نُفذت بحق العرب والفلسطينيين.

الجيش استعاض عن التهميش قياساً مع العقود الأولى للكيان بالتأثير على القرار من خلال التخويف والتغرير ، حيث بقي للجيش قدرة على التأثير في الرأي العام باتجاه الأحزاب والأشخاص وفق سياستها وتوجهاتها، ولا زال رأي الجيش محل احترام وتقدير، ولا يوجد حزب من الأحزاب يتجرأ على مخالفة الجيش في مسائل أمنية علناً ، الأمر الذي مكن الجيش من رفع نسبة الخطورة لأي قرار لا يريده، فيُخوف السياسيين ويردعهم عن تبنيه وتنفيذه ، أو بنظرية التغرير من خلال عرض البدائل محاولاً الإيحاء والتوجيه باتجاه ما يريد ، حيث في كل قضية يقدم 4-5 بدائل يرصع غالبيتها بالمخاوف وسوء العاقبة والنتائج ويزين الخيار الذي يراه ويريد تبنيه، فلا يجد السياسي إلا أن يسير وفق عملية التغرير والاستدراج.

قادة بمستوى رابين وشارون قادوا الجيش والحكومة كانوا يرفضون الاطلاع على التقارير الصادرة عن شعبة الاستخبارات في مسائل محورية وحساسة، وكانوا يصرون على الاطلاع على المصادر الأصلية حتى يقدروا الموقف بعيداً عن تأثير قراءة الجيش وتوصياته.

عمد الجيش في محطات ذهب السياسيون لاتخاذ قرارات لا تتوافق مع الجيش تسريب معلومات تُضعف القرار وتؤثر على الأحزاب والأشخاص الذين يتبنون بقصد الردع والتخويف من اتخاذ قرارات بمعزل عن رغبة وتوصيات الجيش.

في العقدين الأخيرين في ظل حكم نتنياهو وشارون وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وقدرة المجتمع على التأثير وخصوصية الحرب المعاصرة في زمن الصورة والسايبر.

وتعرض الجيش لنكسات متوالية في ظل تحويل دوره حيناً كما حصل في انتفاضة الحجارة وعجزه أحياناً في انتفاضة الأقصى وحرب 2006 و2008/2009 وحرب 2012 و2014 ومعارك ومواجهات عدة أدت لتراجع دافعية القتال،

والتسرب من التجنيد بالقانون لدى المتدينين، وخارج القانون، وانخفاض المنتسبين للألوية المقاتلة لحساب الوحدات السايبرانية والإدارية في الخطوط الخلفية للجيش.

هذا ما أثر على مكانة البقرة المقدسة وهمش دور الجيش قياساً مع المكانة والتأثير الواسع في الماضي، وجعل وسائل التواصل الاجتماعي تضج بانتقاد الجيش، حيث أصبح جزءاً من الحوار الجماهيري ومحل خلاف وفي وسط المناكفات الحزبية، ولم يبق في دائرة الإجماع المطلق لدى كل شرائح الجمهور الصهيوني.

لكن في ظل صعود الغِر سيتصرف الجيش بما يراه ولن يواجه صعوبة في تنفيذ رؤاه ومواقفه، وهذه فرصة لتحديد مواقف الجيش من القضايا المختلفة في كل الجبهات، حيث لوحظ في الآونة الأخيرة على الناطق باسم الجيش إصدار بيانات تخللها شرح وتفسيرات لما يجري وما سوف يحدث في إشارة لبصمة الجيش في اختيار طبيعة الردود والمبادرات سواء في الضفة أو غزة أو في لبنان وسوريا وفي البحار.

يضاف لإصرار الجيش على موائمة سياساته في مواجهة التحديات والمخاطر مع سياسة الولايات المتحدة وتحت سقفها، الأمر الذي لم يكن موجوداً قبل عدة أشهر في ظل تولي نتنياهو لرئاسة الوزراء.

الأمر الذي يوحي أن الغر مستسلم للجيش مسلم له بإدارة الدفة مع أن فشل الجنرالات في حزب ازرق ابيض لم يُنسى بعد.