خلص تقدير موقف لباحثين صهاينة أن ثمة قاسما مشتركا للتوترات الأمنية التي تواجهها إسرائيل على 3 جبهات في لبنان وقطاع غزة وإيران، وإن كانت التطورات الميدانية على كل جبهة ذات خلفية وتداعيات منفصلة ومختلفة، بيد أن القاسم المشترك هو الجرأة المفرطة من قبل ما يسمى "أعداء إسرائيل" وأيضا إعادة بلورة وفرض قواعد عسكرية جديدة بالمواجهة مع إسرائيل.
ووفقا لمقال مشترك نشر في صحيفة "يديعوت أحرونوت" كتبه عاموس جلعاد وميخائيل ميلشتاين الباحثان في "المعهد للسياسة والإستراتيجية" بالمركز المتعدد المجالات في هرتسيليا، تمثلت قواعد اللعبة الجديدة والقواسم المشتركة للتوترات، والتحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل، بالحرب على غزة، في مايو/أيار الماضي، واستهداف سفن بمياه الخليج التي تتهم تل أبيب إيران بمهاجمتها، وتوجهت التوترات الأمنية مطلع أغسطس/آب الجاري، بإطلاق حزب الله قذائف صاروخية من لبنان باتجاه بلدات إسرائيلية بالجليل.
ويقول تقدير الموقف للباحثَين إن الأحداث الأخيرة والتوترات الأمنية التي تواجهها إسرائيل تشير إلى أن هناك تحولات وتغييرات في ذهنية ومنطق "أعداء إسرائيل" الذين نأوا بأنفسهم عن مواجهة شاملة مع إسرائيل، وعمدوا إلى ضبط أنفسهم تحسبا من الانزلاق لحرب شاملة.
وعزا الباحثان هذا التحول بمنطق إيران وحماس وحزب الله إلى التغييرات الإقليمية والدولية، وأبرزها إدارة جديدة بالبيت الأبيض غير معنية باستعمال القوة بالشرق الأوسط، وعدم حصول إسرائيل على دعم من أميركا كما كان في الماضي، وضعف الأنظمة العربية، والأزمة السياسية بإسرائيل والتعقيدات الداخلية وعدم استقرار الحكم.
إسرائيل وإيران
بدا يواف شتيرن الإعلامي الإسرائيلي المتخصص بالشؤون العربية والفلسطينية متناغما بطرحه مع تقدير الموقف للباحثيْن بكل ما يتعلق بالقواسم المشتركة للتوترات الأمنية التي تواجه إسرائيل بهذه المرحلة.
وأوضح للجزيرة نت أن تمادي حزب الله وحماس وإيران بالجرأة باستهداف إسرائيل ومصالحها يأتي بظروف استثنائية، سواء بتغيير الإدارة الأميركية وأيضا استبدال الحكومة الإسرائيلية، ونهاية حقبة رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، والأزمات السياسية الداخلية بإسرائيل، وكذلك مواصلة مفاوضات فيينا، وعودة محتملة لواشنطن للاتفاق النووي، وهي ظروف ومركبات دفعت "أعداء إسرائيل" للسعي لفرض معادلة جديدة بكل ما يتعلق بقواعد الاشتباك مستقبلا.
ويعتقد المتخصص بالشؤون العربية والفلسطينية أن تمادي "أعداء إسرائيل" و"إبداء المزيد من الجرأة للاحتكاك والاستفزاز على مختلف الجبهات وحتى في البحر، لا يعني أن إسرائيل فقدت قوة الردع أو غير جاهزة لحرب شاملة".
ويرى شتيرن أن الدبلوماسية الإسرائيلية للحكومة الجديدة تسير بخطى ثابتة نحو تدعيم ذاتها بالشرق الأوسط بحلف مدعوم من أميركا وبريطانيا لمواجهة إيران والفصائل المسلحة التي تسعى لفحص مدى رد إسرائيل على أي هجوم تقوم به، والرد على أي عملية عسكرية إسرائيلية دون خوض مواجهة شاملة ضدها، لأن أي حرب شاملة سيكون لها تداعيات إقليمية ودولية ولن تقتصر على إسرائيل فقط.
استفزاز وتحضير
وتعليقا على إطلاق حزب الله قذائف صاروخية من لبنان باتجاه إسرائيل، يقول الباحث بمركز "بيغن-السادات" للدراسات الإسرائيلية الإستراتيجية اللواء احتياط جرشون هكوهين "هذه الحالة تعيدنا إلى الجبهة مع قطاع غزة التي تشكلت على مدار أشهر طويلة بإطلاق رشقات صاروخية باتجاه البلدات الإسرائيلية بالجنوب، وأعقب ذلك العملية العسكرية حارس الأسوار التي انتهت دون حسم".
وبسبب القواسم المشتركة للتوترات الأمنية على مختلف الجبهات، أوضح هكوهين للجزيرة نت أن على إسرائيل أن تكون على جهوزية عليا لحرب شاملة، مشيرا إلى أن الرشقات الصاروخية سواء من غزة أو لبنان مؤشر لمحاولات فرض قواعد جديدة تقابل برد محدود، يظهر و"كأن إسرائيل تسعى لفرض قواعد اشتباك جديدة، وهو ما تسعى الفصائل المسلحة لتجاوزه، واستمرارها بإطلاق قذائف صاروخية، لربما سعيا لاستفزاز الجيش الإسرائيلي واختباره بجره لمواجهة شاملة".
وبدا القائد السابق لقوات الاحتياط بهيئة الأركان العامة بجيش الاحتلال على قناعة بأن على إسرائيل أن تجهز ذاتها لحرب شاملة، قائلا "لو كنت زعيم البلد لكنت أستعد للحرب. يجب علينا أن نخرج من حالة الإنكار، نواجه حملة تهديد وجودية، لربما ستكون أكثر صعوبة من حرب الأيام الستة بالعام 1967، وعلى الرغم من ذلك، فإن شعب إسرائيل ليس في وعي أنه ملزم بالتحضير للحرب".
إرهاق واستنزاف
ولتبرير طرحه الذي يشدد على ضرورة أن تكون إسرائيل بحالة جهوزية عليا للحرب، يقول هكوهين "نحن بحاجة إلى فهم ما يفعله حزب الله وحماس، هذا أسلوب متطور للغاية. إنهم لا يريدون حربا شاملة، يريدون إرهاقنا واستنزافنا، إنهم ملتزمون بالجهود اليومية لإلحاق الأذى بدولة إسرائيل حتى زوالها. إنه واجب ديني بالنسبة لهم".
وأضاف "هم يوجدون بكل مكان، حزب الله في لبنان، وحزب الله في سوريا، والمليشيات الشيعية التي تقودها إيران موجودة أيضا في اليمن، وسيناء وفي غزة، هذه ليست تهديدات بسيطة، إنها تهديدات مغلفة تتمدد وتتوسع، وهو ما يلزم إسرائيل أن تستيقظ لما يدور بالإقليم ودول الجوار".
وإذا ما كانت إسرائيل مستعدة لمواجهة هذه التهديدات والتوترات الأمنية، يعتقد هكوهين أن القيادة العامة للأركان، وعلى الرغم من أن الجيش صغير نسبيا بحالة تأهب، ويستعد بشكل صحيح ضد حزب الله وحماس، لكنه يوضح أن "الجيش الإسرائيلي النظامي أصغر من أن يتحمل كل التهديدات في نفس الوقت، وعليه فهناك ضرورة لإنشاء حرس وطني من جنود الاحتياط قوامه 100 ألف حامل سلاح لمواجهة التهديدات".