• اخر تحديث : 2024-11-23 11:50
news-details
مقالات عربية

عن تطورات تلقي بظلالها على سياسة إسرائيل حيال المواطنين الفلسطينيين!


شهدت الفترة المنقضية منذ الهبّة الفلسطينية الأخيرة في أيار الفائت عدّة تطوّرات داخل المجتمع الإسرائيلي من شأنها أن تلقي بظلالها على علاقة هذا المجتمع مع المواطنين العرب، بقدر ما يمكن أن تنعكس أيضاً على سياسة الدولة حيالهم. وهي تطوّرات تتقاطع مع ما شملته حملة الاعتقالات التي قامت بها الشرطة- بأداء فاعل من طرف جهاز الأمن العام ("الشاباك")- في صفوف المواطنين العرب من مظاهر جديدة في استخدام آليات القمع بما في ذلك القمع السياسي، وتعطي صورة عامة عن أهم جوانب هواجس المؤسسة السياسية الإسرائيلية فيما يتعلق بالسياسة الواجب انتهاجها إزاء الفلسطينيين في الداخل.
 
سنكتفي بالإشارة إلى تطورين تراكمت بشأنهما بعض الوقائع خلال الفترة القليلة الماضية.
الأول يكمن في ما أشار إليه التقرير الذي ظهر في صحيفة "ذي ماركر" الاقتصادية التابعة لـ"هآرتس" يوم 18 آب الجاري، وأشار إلى ازدياد كميات طلبات الحصول على تراخيص حمل السلاح منذ الحرب الإسرائيلية الرابعة على قطاع غزة والهبة التي أطلقها الفلسطينيون في الداخل ولا سيما في ما يُعرف باسم "المدن المختلطة". 
ووفقاً لمعطيات وزارة الأمن الداخلي الإسرائيلية، فمنذ بدء الحرب على غزة يوم 11 أيار 2021 بلغ عدد طلبات الحصول على ترخيص حمل السلاح من جانب السكان اليهود 10850 طلباً، ما يعني في حال الموافقة على هذه الطلبات، التي يُرجّح التقرير قبولها، زيادة عدد الأشخاص الذين توجد بحيازتهم رخص حمل السلاح في إسرائيل ويبلغ عددهم في الوقت الحالي نحو 148 ألفاً بنسبة 7 بالمئة، وزيادتهم سنوياً بنسبة 28 بالمئة.
وورد في التقرير نفسه أن عضو الكنيست من الليكود أمير أوحانا، الذي شغل في الحكومة الإسرائيلية السابقة منصب وزير الأمن الداخلي، أعلن مؤخراً إقامة لوبي في الكنيست من أجل الدفع قدماً بقوننة حق الدفاع عن النفس في إسرائيل، وهو يضم 20 عضو كنيست غيره، كلهم من المعارضة. وبطبيعة الحال لا حق يعلو في إسرائيل على حق الدفاع عن النفس في مقابل.. العربيّ!
هنا تجدر الإشارة إلى أن وزيراً إسرائيلياً سابقاً آخر للأمن الداخلي هو جلعاد إردان من الليكود، أقدم في نهاية العام 2018 على استخدام صلاحياته ووسّع دائرة استحقاق الحصول على السلاح، ورفع عدد الرخص الممنوحة لحيازة الأسلحة النارية. وفي نطاق ذلك صادق على إجراء تعديلات بشأن حمل السلاح تسمح لمليون مواطن آخر بالحصول على رخصة سلاح، بعد أن كانت هناك حاجة إلى استيفاء شروط كثيرة للحصول عليها (كما جاء في موقع الوزارة). وفي إطار هذه التعديلات، يمكن أن يحصل المتطوعون، أيضاً، في الوحدات الملائمة في الشرطة و"قوات الإنقاذ"، على رخصة سلاح. إضافة إلى ذلك، قرر إردان أن لا داعي لقيام الضباط والعناصر الذين يخدمون خدمة دائمة في الجيش الإسرائيلي بإعادة السلاح الذي بحيازتهم بعد تسريحهم من "الخدمة في الاحتياط"، ويمكن أن يطلبوا السماح لهم بحمل السلاح بعد تسريحهم أيضاً ونيل رخصة قانونية لذلك.
أمّا التطوّر الثاني فهو مرتبط بإطلاق جهات استيطانية في الصهيونية الدينية التي ينتمي إليها رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينيت حملة للاستيطان في أحد أحياء مدينة اللد (حيّ رمات أشكول) من أجل تعزيز الوجود اليهودي فيه، والوقوف في مواجهة ازدياد أعداد المواطنين العرب. وبموجب تقرير ظهر في صحيفة "يسرائيل هيوم" (20 آب 2021) فإن التجاوب مع هذه الحملة كان كبيراً، وشمل كذلك مستوطنين من الأراضي المحتلة منذ 1967.
إن ما يُشتم من التقرير الصحافي أن عقيدة الصهيونية الدينية ما زالت تشدّد على أن الاستيطان التهويدي بما يشمله من إنشاء بؤر استيطانية ("غير قانونية" بحسب القاموس الإسرائيلي الرسمي في ظاهره)، يجب ألا يكون مقتصراً على أراضي الضفة الغربية المحتلة فقط، بل أيضاً أن ينسحب على مناطق تقع داخل الخط الأخضر.
ونعيد إلى الأذهان أن ناشطين من الصهيونية الدينية أطلقوا منذ العام 2007 حملة إعلامية واسعة غايتها تشجيع العائلات اليهودية في إسرائيل على الانتقال للسكن في النقب والجليل، ضمن مشروع تكثيف تهويدهما. وبالرغم من أن عددا من المستوطنات، خصوصاً في النقب، يتم إنشاؤه من دون التقيّد بالخارطة الهيكلية العامة لإسرائيل فإن عدة دوائر حكومية تسهم في إنشاء هذه المستوطنات بالإضافة إلى هيئة خاصة واحدة هي جمعية "أور- الحركة من أجل المهمات الوطنية في أرض إسرائيل".
يبقى السؤال المطروح: إلى أي مدى تعكس هذه التطورات الوجهة التي بدأت إسرائيل بتطبيقها أو بالسير نحوها إزاء المواطنين الفلسطينيين، في ضوء الهبّة الأخيرة وما انطوت عليه من رسائل عديدة؟ إن الأمر الواضح مما تقدّم أن هناك جهات تعتبر ما حدث مفترقاً ينبغي تجييشه للدفع بأجندات خاصة إلى الأمام، قصد خدمة أهداف حزبية أو قطاعية ربما، وكذلك قصد التأثير على السياسات العامة. ولا بُدّ من أن نلفت الانتباه إلى أن تلك الأجندات تتعلق بالأساس بالحاضر، ولكنها في الوقت عينه ذات غايات تاريخية من الماضي.