لا أعتقد أن المسؤول الامريكي "الكبير" يمتلك كثيراً من الذكاء عندما قال إن بلاده تمتلك "الخطة ب" للتعامل مع ايران إذا فشلت مفاوضات فيينا النووية او اذا تملّصت طهران من العودة لطاولة المفاوضات لإرغامها على القبول بالشروط الامريكية وإحياء الاتفاق النووي المتعثر منذ انسحاب الولايات المتحدة منه في أيار/مايو 2018.
منذ الزيارة التي قام بها رئيس المخابرات المركزية الامريكية وليام بيرنز للكيان الاسرائيلي في آب/اغسطس الماضي، بدا واضحاً أن واشنطن تريد إقناع الاسرائيليين بضرورة إحياء الاتفاق النووي لما له من مصلحة لهم وللمنطقة. وبدا واضحاً ايضاً أن "واشنطن – بايدن" أضعف بكثير من "واشنطن – أوباما" حيث تقف عاجزة عن تجاوز اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة كما تم تجاوزه من قبل الرئيس الامريكي الأسبق باراك اوباما عندما توصل مع المجموعة الغربية للاتفاق عام 2015.
ادارة الرئيس جو بايدن الان بين مطرقة "الكيان الإسرائيلي" الذي يصرّ علی عبور الاتفاق النووي من خلال نافذته وأمنه القومي؛ وبين السندان الايراني الذي يصرّ علی إحياء الاتفاق دون زيادة او نقصان. يبدو لي أن أحد الخبراء الامريكيين كان محقاً عندما قال في مجموعة الازمات الدولية ان الغرب لن يكون لديه بديل لقبول مطالب الايرانيين بشان رفع العقوبات لأن الخيارات الاخری مكلفة، خصوصاً في ظل الرغبة الايرانية بتنفيذ قرار البرلمان الايراني القاضي بحماية المصالح الايرانية.
المعلومات الايرانية تتحدث عن استكمال طهران مشاوراتها وتصوراتها بشأن آلية عودة مسار فيينا، وهي بصدد إبلاغ الجانب الغربي بجهوزيتها لاستئناف المفاوضات الادارة الامريكية تعلم أنها امام خيارين: اما مفاوضة ايران في ظل نسبة تخصيب اليورانيوم الحالية وهي 60 بالمئة؛ أو أنها ستكون مجبرة علی مفاوضتها وهي تملك اليورانيوم المخصب بنسبة 90 بالمئة.
ويعتقد هذا الخبير الامريكي في مجموعة الازمات الدولية ان الاتفاق النووي أسهل الخيارات المطروحة لإحتواء ايران. علی هذه القاعدة يبدو ان المسؤول الامريكي الكبير الذي تحدث عن "الخطة ب" لا يتمتع بالذكاء السياسي لأنه نسي أن المرحلة الذهبية التي كانت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بثلاثيها "بومبيو؛ كوشنير؛ بولتون"، لم تتمكن من تنفيذ "الخطة ب" التي كانت موضوعة علی طاولة البيت الابيض. أعجبني ما قاله الكاتب اللبناني راجح الخوري "ان المرشد علي خامنئي بات يتصرف علی ان بايدن المنهك من افغانستان الی الخلاف مع الفرنسيين، هو الذي يركض وراءه؛ وأنه لن يقبل في فيينا الا بالشروط الايرانية التي تناسبه".
"نقطة الضعف" التي تعتقد بها الولايات المتحدة عند الايرانيين، هي الحصار الاقتصادي، ولا يمكن إنكارها بأي شكل من الاشكال. لكن المتابع لهذا الشأن يُدرك بوضوح نجاح ايران الی حد بعيد في تجاوز تداعيات هذا الحصار والالتفاف عليه بالرغم من المشاكل المتعددة التي سببها الحصار علی اقتصاديات العائلة الايرانية. المسار الاخر؛ هو الاستدارة التي أحدثتها القيادة الايرانية بالتوجه نحو الشرق وتحديداً الصين التي هي افضل لإيران من امريكا وربما من الغرب كلّه؛ لأن التعامل معها يكون بطرق بديلة عن الدولار؛ ولأن اسواقها ضخمة؛ ولأن ايران محطة مهمة في “مبادرة الحزام والطريق” التي تعمل الصين علی تنفيذها.
علی هذه القاعدة تستند عملية تشكيل الفريق المفاوض الذي يقود المفاوضات في فيينا الشهر المقبل علی الارجح، كما يقول مسؤول ايراني كبير. ولن يضع المفاوض الايراني جميع ما يملك من البيض في السلة الغربية كما كان الحال خلال الجولات السابقة من المفاوضات؛ وبالتالي، سيتحرر، يضيف هذا المسؤول، "من الكثير من القيود التي كانت تقيّده في المفاوضات السابقة".
هذه الافكار والتصورات – كما يقول المسؤول الايراني الكبير – كانت حاضرة خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان الی موسكو الاسبوع الماضي. وقبل ان يلتقي نظيره الروسي سيرغي لافرورف، اتصل الاخير بنظيره الامريكي أنتوني بلينكن، ليعرف منه ما يُريد الأمريكيون فعله في الملف الايراني. المعلومات الايرانية تتحدث عن استكمال طهران مشاوراتها وتصوراتها بشأن آلية عودة مسار فيينا، وهي بصدد إبلاغ الجانب الغربي بجهوزيتها لاستئناف المفاوضات. تبقی الارادة التي تتمتع بها الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق النووي وتريد العودة اليه: هل إن هذه العودة ضمن المصداقية التي يبحث عنها الرئيس جو بايدن؟ أم أنه يريد البقاء في الدائرة "الإسرائيلية" التي كانت جزءاً من ضياع المصداقية الامريكية؟