كتب توم أوكونور مقالة مطولة في مجلة "نيوزويك" الأميركية تناول فيها صمود الرئيس السوري بشار الأسد بعد عشر سنوات من الحرب، وبعدما قطعت معظم الدول الغربية والعربية علاقاتها مع الأسد وحكومته، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات اقتصادية في عام 2011 وأغلقت سفارتها في دمشق في عام 2012. حتى جامعة الدول العربية علقت عضوية سوريا فيها. وأصبحت سوريا منبوذة دولياً، بحسب الكاتب.
وقال الكاتب: لكن الآن في عام 2021، لم ينجَ الرئيس السوري فحسب، بل يبدو أنه مستعد للعودة بشكل مذهل إلى المسرح العالمي. بعد مرور عقد من الزمان على الحرب، يقف الأسد قوياً، حيث تمكن، بمساعدة الحليفين القديمين إيران وروسيا، من استعادة جزء كبير من سوريا من أيدي المتمردين و"الجهاديين" الذين حاولوا الإطاحة بحكمه.
وأضاف الكاتب أنه الآن، بدأت العديد من الدول التي قطعت العلاقات مع سوريا قبل 10 سنوات بالترحيب بالرئيس الأسد، على الرغم من المعارضة الأميركية المستمرة لحكمه. وثمة إشارات واضحة: في الشهر الماضي فقط، أعاد الأردن فتح حدوده مع سوريا، ومن المتوقع على نطاق واسع أن تعيد جامعة الدول العربية عضوية سوريا قريباً.
وقال السفير الأميركي السابق روبرت فورد، وهو آخر مبعوث أميركي إلى سوريا، لـ "نيوزويك": "الأسد سيبقى في السلطة. لا توجد طريقة لتخيّل أن المعارضة السورية الآن من خلال قوة السلاح ستكون قادرة على إجباره على التنحي. ليس هناك بديل قابل للتطبيق".
وأضاف فورد أنها نتيجة صعبة يجب مراقبتها. وزعم أن "سوريا دولة ممزقة اقتصادياً واجتماعياً. نزح نصف البلاد [و] فرّ أكثر من ربع السكان من البلاد. لن يتحسن الوضع بالنسبة للسوريين العاديين داخل سوريا، ولن يتحسن الوضع بالنسبة للاجئين السوريين. إنه أمر مأساوي فقط".
ونقلت المجلة عن منى يعقوبيان، المحللة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية والتي تعمل اليوم كمستشارة أولى لشؤون سوريا في "معهد الولايات المتحدة للسلام"، إنه مع عدم احتمال حدوث تغيير في القيادة، سينتقل التركيز الآن إلى كيفية تعامل الدول الأخرى مع دمشق. وقالت يعقوبيان لنيوزويك: "بالنظر إلى الدعم الروسي والإيراني القوي، من المرجح أن يحافظ الأسد على قبضته على السلطة على المدى المتوسط على الأقل. لقد أدركت العديد من دول المنطقة ذلك، وبدأنا نرى المزيد من الجهود البارزة لاستيعاب هذا الواقع".
وأشارت المجلة إلى أنه مع تقدم التقارب بين سوريا والدول العربية الأخرى، فإنه ما لم يتضح بعد الشكل الذي ستتخذه تلك الجهود، والأهم من ذلك، كيف ستستجيب الولايات المتحدة - وهي تطورات من المحتمل أن تؤثر على ميزان القوى في المنطقة وخارجها.
وأضافت "نيوزويك" أن ديفيد شينكر، الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى حتى كانون الثاني/يناير الماضي، وهو الآن زميل في معهد واشنطن للشؤون الدولية، قد أوضح في وقت سابق هذا العام الدوافع لإعادة سوريا إلى الدول العربية المختلفة.
شينكر: تحرك الدول العربية لاحتضان الأسد، سيصعّب الإبقاء على العقوبات
كتب شينكر في تقريره: "يبدو أن مجموعة من الدوافع الضيقة هي التي تقود هذا العناق. بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن إعادة دمج الأسد وإعادة بناء سوريا يحمل وعداً بإنهاء انتشار القوات التركية في إدلب.. ويبدو أن الأردن مدفوع أساساً بالرغبة في مساعدة اقتصاده، وإعادة اللاجئين السوريين، وإعادة تأسيس التجارة واستعادة النقل البري عبر سوريا في طريقه إلى تركيا وأوروبا. لكن قيود قانون قيصر الأميركي تستمر في إثارة غضب عمان".
وأشار شينكر إلى أن المخاوف الإقليمية الأكبر موجودة عند مصر و"إسرائيل"، اللتين تأملان في الحد من ترسيخ قوة إيران. وأضاف: يبدو أن المسؤولين المصريين يؤيدون الفكرة المشكوك فيها بأن عودة سوريا إلى الجامعة العربية سيزيد تدريجياً من"عروبتها" وبالتالي يبعد دمشق عن إيران الفارسية". ومن المحتمل أن تشترك دول إقليمية أخرى في وجهات نظر مماثلة، حتى أن بعض شخصيات الأمن القومي الإسرائيلي تقدر تقديراً غير مرجح أن روسيا قد تحد من النفوذ الإيراني في سوريا.
تقول "نيوزويك" إن كل هذه التطورات تتعارض مع الموقف الرسمي للولايات المتحدة من الرئيس الأسد وسوريا. فلا تزال العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن ودمشق مقطوعة، وسفارتاهما مغلقتان، مع عدم وجود مسار واضح للمصالحة. وأضافت المجلة أنه مع ذلك، بشكل غير رسمي على الأقل، يبدو أن هناك تغييرات تجري على قدم وساق. وقال شينكر لـ"نيوزويك": "قالت إدارة بايدن إنها لن تطبّع العلاقات مع الأسد، لكن لم يعد يبدو أنها تثني الشركاء العرب عن القيام بذلك". وأوضح أن "عقوبات قانون قيصر، إذا طُبقت، قد تمنع الدول العربية من استئناف العلاقات الطبيعية، بما في ذلك التجارة، مع سوريا برئاسة الأسد. لكن الالتزامات الكبيرة المتزايدة تقوّض عزلة سوريا وما تبقى من سياسة الضغط في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي لعام 2015 الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار وتسوية سياسية لإنهاء الحرب الأهلية المستمرة في سوريا".
وأوضح شينكر أنه حتى الآن، منعت هذه السياسة حكومة الرئيس الأسد من تحقيق نصر كامل. فمع تحرك الدول العربية لاحتضان الأسد، سيصبح من الصعب بشكل متزايد الإبقاء على العقوبات.
وقالت "نيوزويك" إن سوريا تستمر في الحفاظ على وجود دبلوماسي في الولايات المتحدة في شكل بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة في مدينة نيويورك.
وقالت علياء علي، التي تشغل منصب السكرتير الثالث في البعثة، لـ"نيوزويك" أن حكومتها تأمل في أن القرار الأخير الذي اتخذته إدارة بايدن بالسماح بشحنات الطاقة إلى لبنان "سينعكس إيجاباً على الشعب السوري، ويكون نقطة انطلاق للولايات المتحدة". وأضافت أن على أميركا التراجع عن سياساتها ومقارباتها الخاطئة في المنطقة.
ووصفت علي هذه التطورات بأنها انتصار لسوريا وخسارة للولايات المتحدة، قائلة إن ذلك ما كان ليحدث لولا انتصار الدولة السورية وفشل الإدارات الأميركية في تحقيق أهدافها واقتناع معظم الدول الإقليمية والدولية أنه لا يمكن التوصل إلى نتائج في ما يتعلق بالسياسات أو رسم مسارات استراتيجية في المنطقة إلا بالتنسيق مع دمشق.
ورأت المجلة أن وجود القوات الأجنبية غير المصرّح لها من قبل الحكومة السورية على الأراضي السورية لا يزال يمثل نقطة شائكة مع دمشق، فلا يزال حوالي 900 جندي أميركي في البلاد، حتى بعد الخروج العسكري لإدارة بايدن من أفغانستان وهدفها المعلن المتمثل في إنهاء "الحروب إلى الأبد".
وقالت بثينة شعبان، إحدى كبار مستشاري الرئيس الأسد، لنيوزويك: "لا يمكننا الحديث عن نصر سوري نهائي ما لم يتم تحرير كامل الأرض السورية، حيث لا تزال هناك أجزاء من بلادنا محتلة من قبل القوى الأميركية والتركية".
وتساءلت المجلة: ما الذي يدفع هذه الدول للتحرك نحو تطبيع العلاقات مع سوريا؟ وتنقل عن خبراء قولهم "إن الرغبة في الاستقرار الإقليمي تبدو أقوى من المخاوف بشأن قيادة الأسد أو مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان التي رافقتها". وقالت يعقوبيان: "في الوقت الذي تكافح فيه المنطقة الأزمات والفوضى، وتجذّر التحديات الاقتصادية، ووباء كوفيد والمعاناة الإنسانية المنتشرة على نطاق واسع، فإن الحكومات في المنطقة مهتمة أكثر بوقف تصعيد النزاعات ومعالجة هذه التحديات المستمرة والمزعزعة للاستقرار".
ومن بين الأمثلة التي تستشهد بها يعقوبيان حول التحول في المشاعر الإقليمية تجاه الأسد، التحسن الأخير في العلاقات بين سوريا والأردن، الشريك الرئيسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. فإضافة إلى إعادة فتح الحدود في أيلول/سبتمبر الماضي، تلقى العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني اتصالاً رمزياً من الأسد في وقت سابق من هذا الشهر، وهو أول اتصال من نوعه بين الزعيمين منذ عقد. وتجدر الإشارة كذلك إلى القرار الأخير الذي اتخذته إدارة بايدن بتخفيف بعض العقوبات الأشد على سوريا المدرجة في قانون "قيصر" لعام 2019 الذي يحظر على الشركات الأجنبية الانخراط في الأنشطة التجارية التي تدعم دمشق. فقد سمحت التغييرات بتسليم الغاز المصري والوقود الأردني إلى لبنان المتعطش للطاقة عبر سوريا.
وقالت المجلة إن هناك علامات أخرى على تهدئة التوترات في المنطقة: فقد أعادت الإمارات والبحرين بالفعل فتح سفارتيهما في دمشق، وأعاد الإنتربول الدولي هذا الشهر سوريا إلى هيئة إنفاذ القانون العالمية للمرة الأولى منذ إبعاد البلاد منها في عام 2012.