• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
مقالات مترجمة

الاستراتجیة الإسرائیلیة لتحقيق النفوذ في العراق


إن موضوع نفوذ الكيان الصهيوني في العراق، والذي تتم متابعته بشكل خاص على هامش تواجد القوات الأمريكية في العراق، لم یكن مسألة جديدة، بل یتم تناوله منذ عقود وما زال مستمرًا منذ عام 2003 حتی الآن. هذا ما کتبه "حمید خوشایند" المحلل في الشؤون الدولیة في مقال نشر له علی الموقع الالكتروني للمجلس الاستراتیجي للعلاقات الخارجیة. وذلك لأن نفوذ الكيان الصهيوني في العراق له أبعاد وتداعیات مدمرة حیث یدفع بالمجتمع العراقي، إلى أبعاد أخرى من الأزمات السياسية والأمنية والاجتماعية التي لا يمكن بسهولة رسم نقطة نهایة لها. في ما يلي الترجمة الكاملة للمقال:

يواصل الكیان الصهيوني سعيه إلى تطبیع وتوسیع العلاقات العلنیة الدبلوماسية مع مختلف الدول العربية. في حین یعد العراق من الدول العربية المهمة حيث یحاول الكیان الصهيوني باستراتيجية واضحة وطرق وتكتیكات مختلفة، تطبيع العلاقات وتوسيع نفوذه في هذا البلد.

في الأشهر الأخيرة قام الكیان الصهيوني بجهد غير مسبوق للنفوذ إلى نسیج المجتمع العراقي، حتى أن فشل قمة أربيل ومعاقبة المنظمین الداخلیین للقمة لم تستطع إیقاف جهوده لوقف خطط التسلل والنفوذ في العراق.

وقال "عيساوي فريج"، وزير التعاون الإقليمي في الحكومة الإسرائيلية، في مقابلة إذاعية "هادفة"  إلی أنه في الوقت الحالي، إلی جانب دولة إسلامية أخرى، نحن أمام تطبیع مع بلد آخر وهو العراق.

وعليه، فإن استراتيجية الكیان الصهيوني للنفوذ" في العراق تتم من خلال إقامة سلسلة من الإجراءات علی صعید أربعة مجالات:

الجانب السياسي

یتم العمل علی الاستراتيجية السياسية أولاً من خلال إقامة العلاقات المشبوهة مع بعض الأحزاب والجماعات والتيارات السياسية والعناصر المهمشة التي استقطبت بشكل خاص من خلال احتجاجات أكتوبر 2019.  ثانيا عن طریق إعلان الدعم السياسي للأنشطة الكردية. ثالثا من خلال تثبیت الاستقرار والأوضاع وتوسيع النفوذ في مناطق شمال العراق. في هذا، الصدد يتم اعتبار الكيان الصهيوني کأحد الداعمين الرئيسيين لتشكيل كردستان العراق في هذا الإطار. بالتالي تعد الهجرة والاستحواذ على الأراضي في شمال العراق من بين أهم تكتيكات الكیان الصهیوني.

وحسب ما كشف المراسل الأمريكي "وين مادسون" في تقرير نشر مؤخرًا أن إسرائيل في صدد إعمال خطة جديدة في العراق تهدف إلى نقل مجموعة من يهود العراق الأكراد المقيمين في الأراضي المحتلة إلى مدينة الموصل، عاصمة محافظة نينوى، والمناطق المحيطة بها. وفي سياق ذلك یتم نقل الیهود الأکراد في الأراضي المحتلة تحت غطاء رحلات سیاحیة ودینیة إلی العراق ولمشاهدة المعالم الأثرية والتاريخية وزيارة المواقع الدينية اليهودية في هذا البلد.  وحسب الادلة المتوفرة فان الكيان الصهيوني لديه خطة محددة لتوسيع نفوذه في العراق من خلال نقل 90 ألف يهودي كردي يعيشون في الاراضي المحتلة الى العراق.

الجانب المخابراتي - الأمني والعسكري

بعد الاحتلال الأمیرکي للعراق ولا سیما في السنوات الأخيرة، وتزامناً مع توسع أنشطة داعش، دخل العديد من عملاء المخابرات وأمن الكیان الصهيوني إلی مناطق شمال العراق، تحت غطاء أشكال مختلفة بما في ذلك الصحفیين والأطباء ورجال الأعمال وما زال لدیهم نشاطات في تلك المناطق. فضلاً عن ذلك يمتلك الكیان الصهیوني، قواعد عسكرية واستخباراتية سرية في مناطق متفرقة من شمال العراق حيث استهدفت بعض منها من قبل مجموعات المقاومة. على سبيل المثال، الشركة الإماراتية G-42، التي كان من المقرر أن تتولی مهمة توفير أمن مطار بغداد، كانت تعتبر إحدى غطاءات نفوذ الكیان الصهيوني في العراق. يتم الیوم نقل عملاء الموساد إلى العراق بجوازات سفر مزورة وألقاب مختلفة، بهدف تعزيز البنية التحتية الاستخباراتية للنفوذ في العراق.

الجانب الثقافي والقوة الناعمة

إن النشاط في ستار المنظمات غير الحكومية، والقضايا الاجتماعية، والتركيز على حفلات الفولكلور والعلاقات الثقافية ودور اليهود في ارتقاء مستوی الثقافة والفنون والموسيقی العراقية، وإقامة بعض أنواع حفلات الموسيقی وفولكلور يهود عراقيي الأصل في الأراضي المحتلة، وحضور بارز على صفحات التواصل الاجتماعي وإنشاء صفحات افتراضية تضم التكتيكات الثقافية والناعمة وذلك للنفوذ الصهیوني في العراق.

على سبيل المثال، نشاط صفحات الشبكات الافتراضية مثل "إسرائيل باللهجة العراقية" على فيسبوك، والذي استهدف في وقت سابق المجتمع العراقي تحديدًا؛ و" السفارة الإسرائيلية في بغداد" و"إسرائيل والعراق متحدان" و"إسرائيل في العراق"، والصفحات الافتراضية المهمة الأخری حیث تعمل لاستقطاب أكبر عدد من الفئات العراقية المختلفة وخاصة الشباب من خلال انتاج المحتوى الذكي.

في هذا الصدد، إن اختيار فيسبوك وتويتر بدلاً من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى من قبل وزارة الخارجية الإسرائيلية لم یكن من دون سبب، لأن الشعب العراقي، على عكس معظم الشعوب العربية، يستخدم فيسبوك وتويتر أكثر من الشبكات الاجتماعية الأخرى. واللافت أن الكیان الصهیوني ولتوسيع نفوذه في العراق، بدأ بتصنیع ألعاب خاصة للأطفال العراقیین، حیث يتم استيراد هذه الألعاب عبر الأردن وبيعها في مدن عراقية مختلفة.

الجانب الاقتصادي والتجاري

إن إحدی الإجراءات الاقتصادية المهمة للكیان الصهيوني المصطنع لتوسيع نفوذه في العراق هو الاستثمار علی صعید البنية التحتية الصناعية وحقول النفط لبعض مدن شمال العراق. بالطبع لا بد من التأكيد على أن الأنشطة الاقتصادية للكیان الصهيوني في العراق تترکز بشكل أکبر في إقليم كردستان والمناطق الشمالية، وهو ما تقوم به بعض الشركات الأجنبية المستثمرة في العراق بشكل مباشر وغير مباشر.

التداعیات الاستراتیجیة

إن ممارسات الكیان الصهیوني للنفوذ إلى العراق، وبالنظر إلى سیاقه وطابعه الديني وما یمتلك من موقع استراتيجي، تتعارض بطبيعتها مع المصالح والأمن القومي للعراق والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويمكن أن يكون لها التداعیات التالية:

-إضفاء الشرعية للکیان الصهيوني من خلال نفوذه في العراق وعلاقاته بأجزاء من البلاد.

-تسهيل عملية خروج الكيان الصهيوني من سیاق التحدیات العربية الإسلامية.

-تسهيل عملية ما يسمى باستقلال كردستان العراق.

-حث العراق على عدم تبني نموذج الحكم الشيعي والإسلامي.

-إنشاء قواعد التنصت علی أطراف الحدود الإیرانیة.

-تقييد توسع الأنشطة الاقتصادية الإيرانية في العراق.

-تقليص نفوذ الجمهورية الإسلامية الإیرانیة في العراق.

الاستنتاج

إن موضوع نفوذ الكيان الصهيوني في العراق، والذي تتم متابعته بشكل خاص على هامش تواجد القوات الأمريكية في العراق، لم یكن مسألة جديدة، لكنها موجودة منذ عقود وما زالت مستمرة منذ عام 2003 حتی الآن في هذا البلد. إنما اليوم، يحاول الكیان الصهيوني علناً إخراج القضیة من القنوات الأمنية والاستخباراتية الضيقة وتوسيعها إلى الفضاء المفتوح والاجتماعي للعراق حتی أنه قام بطرح خطط دقیقة لهذا الغرض.

بالتالي فإن موضوع نفوذ الكيان الصهيوني في العراق هو أمر لا ينبغي إهماله، خاصة من قبل الفئات والمجتمع العراقي. لأن نفوذ الكيان الصهيوني في العراق له أبعاد وتداعیات مدمرة حیث یدفع بالمجتمع العراقي، الذي مر للتو بأزمة داعش المكلفة، إلى أبعاد أخرى من الأزمات السياسية والأمنية والاجتماعية التي لا يمكن بسهولة رسم نقطة نهایة لها.