اتهمت الرئاسة الجزائر، الأربعاء 3 من نوفمبر/تشرين الثاني، المغرب بالمسؤولية عن مقتل ثلاثة مواطنين جزائريين، في خطوة من شأنها زيادة حدة التوتر بين البلدين وكانت قد ازدادت حدة التشنج بين المغرب والجزائر خلال الأشهر القليلة الماضية بشكل ملحوظ حيث برزت الخلافات بين الجارتين إلى السطح. واتخذ التوتر مظاهر متعددة منها دبلوماسي تمثل في إعلان قطع العلاقات الجزائرية مع المغرب وسحب السفراء وتمثلت أخرى بإغلاق الجزائر المجال الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية المغربية. بالإضافة إلى الخطابات المتبادلة اعلاميا، كل ذلك كان من شأنه أن يزيد الهوة بين جارتين لهما من التاريخ والثقافة المشتركة أكثر مما يفرقهما.
ومن الجدير بالذكر أن حدة التوتر بين الرباط والجزائر منذ 45 عام لم تصل مطلقاً إلى ما وصلت عليه منذ نوفمبر 2020 وبشكل خاص بعد اعتراف إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بسيادة الرباط على الصحراء الغربية. في حين لم يعبّر الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد عن موقفه بشأن الاعتراف الأحادي الذي قام به سلفه دونالد ترامب قبيل خروجه من البيت الأبيض، بسيادة المغرب على مجمل أراضي الصحراء الغربية. ورفضت وزارة الخارجية الأمريكية مؤخرا الردّ على أسئلة متعلّقة بهذا الموضوع، واكتفت بالترحيب بتعيين مبعوث أممي جديد للصحراء الغربية.
تصعيد الخلاف
ألقت الرئاسة الجزائرية بأصابع الاتهام على المغرب محملة أيّاها المسؤولية عن اغتيال ثلاثة مواطنين جزائريين من خلال قصف شاحناتهم أثناء تنقلهم بين نواكشوط وورقلة يوم الأربعاء 3 نوفمبر. ومن خلال بيان للرئاسة الجزائرية أشارت من خلاله بأن هناك عدة عناصر تشير إلى ضلوع المغرب في هذا الهجوم، تعهدت الدولة الجزائرية بأن الرد على مقتل مواطنيها لن يمر مرور الكرام معبرة عن ذلك أن " اغتيالهم لن يمر دون عقاب". وقد جاءت الحادثة بعد إعلان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول عدم تجديد عقد استغلال خط أنابيب الغاز الذي يزود إسبانيا بالغاز الجزائري مروراً بالمغرب بدعوى ما وصفته الجزائر بالممارسات ذات الطابع العدواني من المملكة المغربية. ويعتبر أنبوب الغاز الذي يربط الجزائر بإسبانيا عبر المغرب، إحدى المصالح الاستراتيجية التي تجمع البلدين المتجاورين، حيث لم تجد الجزائر طريقاً أفضل لتصدير صادراتها الطاقوية نحو أوروبا سوى تدشين أنبوب غاز يمر عبر التراب المغربي، وتم إنجاز هذا المشروع في 1997، بتكلفة استثمارية تبلغ 2.3 مليار دولار، خصص منها قرابة 900 مليون دولار للشطر البري الممتد في المغرب ومضيق جبل طارق، ويمتد على طول 2136 كيلومتراً، انطلاقاً من الصحراء الجزائرية.
وقال الموقع المغاربي المتخصص في الدفاع والأمن "مينا ديفونس"، أن شاحنتي نقل جزائيتين من طراز "MAN" كانتا تقطعان الطريق بين العاصمة الموريتانية ومدينة أورقلة تعرضا لقصف مدفعي من الجدار الفاصل المغربي، على مسافة تزيد قليلاً عن 25 كيلومترًا.
ووقع الحادث، بحسب نفس المصدر، بين عين بنتيلي وبير لحلو، وهي في منطقة تسمى "الأراضي المحررة"، من الصحراء الغربية الخاضعة لجبهة البوليساريو الصحراوية.
ورغم أن المغرب لم يصدر أي موقف رسمي إزاء ذلك فإن بعض الوسائل الإعلامية المحلية أشارت من خلال تصريحات محللين وخبراء إلى عدم رغبة المغرب في الانزلاق إلى الحرب مع جارتها الجزائر. وبناء على ذلك رجح بعض الخبراء والمحللين السياسيين إمكانية وقوع صدام عسكري بين البلدين في ظل انعدام قنوات التواصل بينهما وعدم قبولهما الحوار الو التفاوض منذ سنوات. ولكن كل ذلك مجرد تحليلات واستقراءات يضعها محللون مبنية على تصاعد التشنج بين الدولتين.
الصحراء الغربية، بذرة الخلاف
تعد مسألة الصحراء الغربية إحدى أهم قضايا الخلاف المغربي الجزائري حيث وتشهد العلاقات الجزائرية المغربية توترا منذ عقود بسبب قضية الصحراء. تدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تسعى إلى استقلال الصحراء الغربية. في المقابل، يرى المغرب الصحراء جزءا لا يتجزأ من أراضيه. وقد عاد النزاع إلى الواجهة في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، عندما تم خرق وقف إطلاق النار بعد سريانه نحو 30 سنة. جاء ذلك إثر عملية عسكرية للجيش المغربي في منطقة الكركارات العازلة أقصى جنوب الإقليم الصحراوي لإعادة فتح الطريق نحو موريتانيا بعد أن أغلقه المطالبون بالاستقلال. تبع ذلك إعلان بوليساريو الحرب وانتهاء وقف إطلاق النار في الصحراء الغربية.
وفي خطوة رأتها الجزائر تصعيدية من جانب المغرب، قدم الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، في يوليو/ تموز 2021، ورقة إلى أعضاء مجموعة عدم الانحياز يدعوهم لدعم ما سماه بـ "تقرير المصير للشعب القبائلي"، واصفا منطقة القبائل بأنها "خاضعة للاستعمار الجزائري". وجاءت الخطوة المغربية بعد إعلان الجزائر البدء في إجراءات ترسيم الحدود مع جبهة البوليساريو. وتعترف الجزائر بجبهة البوليساريو دولة مستقلة. وكان المغرب قد وقع اتفاقا مع الولايات المتحدة، في ديسمبر/كانون الأول 2020، تعترف بموجبه واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، مقابل تطبيع الرباط علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل.
ومن جانب آخر دخل الكيان الصهيوني على خط الأزمة بين المغرب وإسرائيل. إذ هاجم وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، الجزائر أثناء زيارته إلى المغرب، في أغسطس/آب 2021، قائلا إن الجزائر باتت "أكثر قربا من إيران"، وإنها "تشن حملة ضد قبول إسرائيل في الاتحاد الإفريقي بصفة مراقب" حيث جاءت القطيعة بين الجارتين محصّلة لزيادة منسوب التوتر بينهما في الأشهر الأخيرة، الذي بلغ ذروته بعد هذه التصريحات.
وكان وزير الخارجية الجزائري قد صرح عن مجموعة من الأسباب التي دفعت الجزائر إلى قطع علاقاتها مع المغرب حيث أوضح أن العلاقات الجزائرية المغربية منذ عام 1962 كانت علاقات أزمة لكن كان في هذه المرة أسباب جوهرية دفعت الجزائر إلى اتخاذ هذا الموقف غير المسبوق، مشيراً إلى مذكرة عمر هلال مندوب المغرب في نيويورك "عندما تجاوز كل الخطوط الحمراء ودعا صراحة إلى تقرير مصير منطقة في الجزائر"، على حدّ تعبيره، مضيفًا: "هذا يُعتبَر عدوانًا على دولة سيدة حدودها معروفة في الأمم المتحدة"، و تطرق وزير الخارجية الجزائري إلى موضوع تطبيع المغرب علاقاته مع الكيان الصهيوني حيث يؤكد أنّ الجزائر لا تتدخّل في الشأن الداخلي للمغرب، "لكن أن يصبح هذا الكيان مهدّدًا للأمن القومي في الجزائر من خلال ما سمعناه في زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي" هو المشكلة. حيث كشف عن وجود تواطؤ مغربي صهيوني لايذاء الجزائر ملفتا إلى أن هناك اعتقاد راسخ لدى الجزائريين بأنه كلما توطدت العلاقات المغربية الاسرائيلية كلما ساءت العلاقات بين البلدين الشقيقين الجزائر والمغرب.
كل تلك الأحداث أدت لتكريس التشنج بين الجارتين والجديد الآن هو أن الرباط لا تريد الرجوع إلى الوضع السابق والجزائر لا تقبل بالوضع الجديد وفي الوقت ذاته تشعر الجزائر بأنها مضطرة للرد لأن عدم القيام بأي شيء من شأنه أن يبعث برسالة مفادها أنه: يمكنكم مهاجمتنا”. ومع ذلك، من غير المحتمل حدوث مواجهة مباشرة بين البلدين وفي المقابل سوف تعمل الجزائر على زيادة دعمها لجبهة بوليساريو.