إن رغبة الدول العربية في استئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق هي إحدى "نقاط التحول" المهمة علی صعید التطورات السياسية في سوريا، والتي يمكن أن توفر فرصاً لتعزيز المكانة الدولية، وإعادة بناء وإحیاء الاقتصاد والتجارة الخارجية للبلاد. هذا ما جاء في مقال کتبه الخبير في شؤون المنطقة حمید خوش آیند، ونشره المجلس الاستراتیجي للعلاقات الخارجیة، معددًا أهم تداعیات احیاء العلاقات العربیة مع سوریا ومنها تسلیط الضوء علی دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دعمها لسوریا إبان الأزمة، وإضعاف دور الكيان الصهيوني في المنطقة، وتعزيز الدور المتوازن لسوريا، وخلق أجواء مؤاتية لانسجام محور جبهة المقاومة مع الدول الأخرى وبالتالي تقليص الاحتكاكات في المنطقة. وفي ما يلي الترجمة الكاملة للمقال:
في هذا السیاق ولأول مرة، منذ عشر سنوات اتصل العاهل الأردني الملك "عبد الله الثاني" وولي عهد الإمارات الشيخ "محمد بن زايد" ببشار الأسد باحثين في سبل تعزيز وتوسيع التعاون بین البلدین في الأسابيع الأخيرة.
دعا المسؤولون الأردنيون، ولإظهار حسن نيتهم تجاه سوريا، وسائل الإعلام والمسؤولين إلى الامتناع عن مهاجمة وانتقاد القادة السوريين والجيش، كما التقى مؤخرًا كل من وزراء الطاقة سوريا ولبنان ومصر والأردن في "عمان" عاصمة الاردن لتسريع مشروع بناء خط أنابيب الغاز العربي من مصر إلى لبنان.
إن المسؤولين في مصر، التي تعتبر من أهم الدول العربية، هم اليوم في صدد فتح الباب لانطلاق اول حوار مباشر بين الرئيسين المصري والسوري عبر مختلف الوسائل، منها الزيارات السرية للوفود السياسية والعسكرية والأمنية.
کما دعا البرلمان المصري في خطوة مهمة، إلى إعادة العلاقات بين الحكومة المصرية والسورية والتقی وزراء خارجية البلدين على هامش الاجتماعات السنویة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وذلك لأول مرة منذ اندلاع الأزمة السورية في أوکتوبر العام الجاري.
في غضون ذلك، أشار الرئيس المصري اللواء السيسي خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة إلى سوريا باعتبارها العمق الاستراتيجي لمصر. فضلاً عن ذلك التقى "خالد الحميدان" رئيس المخابرات السعودية بشار الأسد و"علي مملوك" رئيس جهاز الأمن القومي السوري خلال زيارة تهدف إلی إنشاء قنوات الاتصال بین البلدین. جدير بالذكر أن دولاً أخرى في الخليج الفارسي أعادت فتح سفاراتها في سوريا إلى جانب الكويت وقطر والمملكة العربية السعودية.
الأسباب والدوافع
اندلعت في سوریا إحدی أطول الحروب الإقليمية بین عامي 2011 و2018، وكانت الإطاحة بالنظام السياسي السوري والرئیس بشار الأسد في طليعة أهداف الإرهابيين ومقاتليهم الداخليين وداعميهم الأجانب.
وبعد مضي عشر سنوات من الأیام الأولی لخوض سوريا أزمة عميقة ومعقدة حیث ظهرت فیها بشكل لافت دور المتغيرات والعوامل الخارجية، بات الیوم واضحاً أن الشعب السوري والحكومة السوریة هما الفائزین الواقعیین في هذه الحرب التي كان من المقرر أن تؤدي إلی توسع نفوذ الولايات المتحدة، بينما أدت إلی تقویة أعداء أمیركا في المنطقة. حققت الحكومة السورية خلال العامين الماضيين نجاحات استراتيجية فريدة من نوعها علی الصعید السياسي والعسكري، حيث لم تؤد فقط إلی استعادة مكانتها السیاسية في المعادلات الإقليمية، بل استرجعت دورها أيضًا بين الدول العربية.
سوريا، التی خرجت من إحدی أكثر الأزمات تعقيدًا وتدميرًا وخطورة في القرن الماضي منتصرة بفضل مقاومتها، علی صعید نظام الدول، تتمتع اليوم بقوة أكبر بكثير مما كانت عليه في سنوات ما قبل الأزمة. وهذه هي "الحقيقة" التي أدركتها الدول العربية، وهي الآن بتراجعها عن مواقفها في العشر سنوات الماضية، في صدد استئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق.
مما لا شك فيه أن تدمير داعش عام 2018، والذي كان من أهم عناصر نشر انعدام الأمن وانطلاق الأزمة في سوريا، واستعادة الاستقلال والسيادة الوطنية على جزء كبير من الأراضي السورية، كان لهم دورًا مهمًا للغاية في رغبة الدول العربية لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق. والآن باستثناء بعض المناطق في شمال غرب سوريا حیث تسيطر عليها جبهة النصرة وغيرها من الجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا، تم تحرير مناطق أخرى وأصبحت تحت سیطرة الحكومة السورية.
مؤخراً وردت أنباء عن استعداد الجيش السوري لشن عملية واسعة النطاق لتطهير مناطق متفرقة من محافظتي "إدلب" و"حلب “من يد المعتدين الأجانب والإرهابيين. ومن المرجح أن تبدأ هذه العملیة في الأسابیع المقبلة، وستلعب دورًا مهمًا في إنهاء الحياة العسكرية للجماعات الإرهابية المتبقية في سوريا.
بالتالي فإن مجموعة هذه التطورات، وإلى جانب إعادة انتخاب الرئیس بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وفشل قانون قيصر الأمريكي والعقوبات الناتجة عنه، وکذلك انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، وسحب سوريا من سلم أولويات السياسة الخارجية لبايدن، قد عزز هذا الايمان بين الدول العربية، بأنه یجب فصل مصیرهم عن مصالح الأمریكیین والبيت الأبيض لأن آفاق هزيمة الولايات المتحدة في سوريا بدت واضحة. كما دفعت المكانة المهمة والحيوية والجيوسياسية لسوریا، الدول العربية إلى التحرك نحو استئناف العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية مع سوريا.
الآثار الاستراتيجية
إن استئناف العلاقات بين الدول العربية ودمشق يعني فشل جميع المشاریع والمؤامرات للإطاحة بالمؤسسة العسكرية والسياسية السوریة، حیث کانت قد تمت متابعتهم علی صعید أبعاد الأجهزة والبرامج.
على المستوى الاستراتيجي، أیضاً يوفر هذا الأمر فرصة مهمة للحكومة السورية للمضي قدمًا نحو التغلب على تداعیات وخسائر عشرة سنوات من الحرب والصراع.
في حين ان اتجاه التغيرات الملحوظة في علاقات الدول العربية مع سوريا قد عزز المكانة الإقليمية والدولية لسوریا والمقاومة، حیث ساعد ذلك على استعادة دور سوریا المحوري في المعادلات الإقليمية. وعند عرض أهم تداعیات إحیاء العلاقات العربیة مع سوریا، یمكن تسلیط الضوء علی دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دعمها لسوریا إبان الأزمة، وإضعاف دور الكيان الصهيوني في المنطقة، وتعزيز الدور المتوازن لسوریا، وخلق أجواء مؤاتية لانسجام محور جبهة المقاومة مع الدول الأخرى وبالتالي تقليص الاحتكاكات في المنطقة.