• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
مقالات مترجمة

"هآرتس": هل سمعتم عن نظام "الذئب الأزرق"؟


كتب مدير قسم البحوث وجمع الشهادات في "نكسر الصمت"، شاي دانيئيلي، في صحيفة "هآرتس" الصهيونية مقالاً تناول فيه شهادات أدلى بها جنود صهاينة سابقون عن نظام "الذئب الأزرق" لتعقّب الفلسطينيين.وفيما يلي النص المنقول إلى العربية

كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الاميركية، الأسبوع الماضي، واستناداً لشهادات أدلى بها جنود إسرائيليون سابقون لجمعية "نكسر الصمت"، عن برنامج "الذئب الأزرق"، أحدث الابتكارات التكنولوجية التي هدفها تعقّب الفلسطينيين في المناطق المحتلة والسيطرة عليهم.

يقوم المقاتلون الإسرائيليون أثناء خدمتهم العسكرية بما يسمى إجراء "المُلازَمة"، أي يُجرون دوريات يوقفون خلالها الفلسطينيين عشوائياً ودون الاستناد لأي معلومات استخبارية، يصوّرون وجوههم بكاميرات هواتف ذكية خاصة ومن ثم يخزنون تفاصيلهم داخل النظام. يصور الجنود الأطفال والنساء المسنات رغماً عنهم.

وصرّح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي مُعقباً على استعمال هذا النظام قائلاً: "الذئب الأزرق هو أحد آليات مكافحة الإرهاب بل وهدفه تحسين جودة حياة الفلسطينيين".

وفقاً لوجهة النظر هذه، يُقلل هذا النظام الاحتكاك بين الجنود والفلسطينيين ويتيح للجنود تنميط الفلسطينيين الذين يشكلون خطراً أمنياً بنجاعة. قد يكون هذا صحيحاً، لكنّه ليس المنطق الأمني الوحيد الذي يقف وراء استعمال هذا النظام الجديد، الذي يهدف، بالإضافة إلى "تحسين حياة الرعية" الفلسطينية إلى ترسيخ السيطرة الإسرائيلية على المناطق المحتلة.

نعم، فقد سمعنا عن هذه الاستراتيجية الأمنية-الرئيسية التي تهدف إلى ترسيخ وتعزيز "الشعور بالملاحقة" لدى الفلسطينيين في المناطق المحتلة من خلال شهادات عشرات الجنود.

يستعمل الجيش اصطلاح "إثبات الوجود" الممجوج لترسيخ تفوق الجيش الإسرائيلي وجنوده القادرين على التواجد في كل مكان وزمان في الضفة الغربية.

وعليه يُعتبر نظام "الذئب الأزرق" وإجراءات "المُلازمة" على أنواعها أحدث آليات الجيش الإسرائيلي بل وجزء من منطقه العسكري. أي يعني هذا أنّ الترهيب ليس مجرّد نتيجة ثانوية لنظام التعقب الجديد، بل أحد أهدافه الرئيسية.

حدّثنا جندي خدم في منطقة الخليل قبل 10 سنوات قائلاً: "أُمِرنا بترسيخ شعور الملاحقة لدى سكان جنوب جبل الخليل من خلال إثبات وجودنا عسكرياً يومياً. كان هذا هو كل ما قمنا به (...) تدخل القرية، تنصب الحواجز، تبدأ بتفتيش البيوت، هذه إجراءات روتينية. كل يوم في مكان آخر، تغلق مفرقاً مركزياً، شارعاً، أو طريقاً..".

تعالوا نتمعن بنقاط التفتيش الفجائية التي ينصبها الجنود عادة على مداخل القرى الفلسطينية، والتي لا تُسهم بأي شكلٍ من الأشكال بوقف "مخربين" على حد قولهم.

فالهدف منها ليس صدّ "المخربين"، بل ترسيخ قدرة الجيش الإسرائيلي على تشويش حياة الفلسطينيين وترسيخ ضعفهم. فكلما كان عدد الفلسطينيين المتعرضين لقمع الاحتلال أكبر، زاد خوفهم وخضوعهم. اعترف ووفقاً لهذا المنطق، جنود كثر أنهم استعملوا نظام "الذئب الأزرق" بل وتنافسوا فيما بينهم على التقاط عدد الصور الأكبر. كما يعرف الجميع، يستعمل الجيش الإسرائيلي آلية اقتحام البيوت الفلسطينية ليلاً لترسيخ شعور الملاحقة.

أعلن قائد عام قيادة جبهة الجيش الإسرائيلي الوسطى مؤخراً، عن وقف استخدام إجراء مسح البيوت الفلسطينية المُجحف.

لكن الجنود الإسرائيليين اعتادوا على دخول بيوت الفلسطينيين وجرّهم من أسرّتهم، تسجيل تفاصيلهم وتفاصيل بيتوهم غير مبالين. كان هذا ما جاء على لسان ملازم خدم في منطقة بيت لحم خلال سنتي 2014 - 2015: "كان أحد الجنود يرسم مخططاً للمنزل في دفتره: تقسيم الغرف، سكانه، ثم يصورهم. كنا نأمرهم بالوقوف ليلا حاملين بطاقات هوياتهم لنصورهم".

أخبرنا الجنود أنّهم وفي أغلب الأحيان كانوا يتخلصون من رسومات البيوت، فهذا "المسح" ليس سوى ذريعة لتعزيز شعور الملاحقة والاضطهاد. هل هناك أنجع من جندي مسلح يقف فوق رأس طفل نائم لخلق هذا الشعور؟

نعم فهدف نظام "الذئب الأزرق" ومهمات "المُلازَمة" في عصر الهايتك هو تعزيز وترسيخ الشعور بالملاحقة. يثبت الجنود الإسرائيليون للفلسطينيين من خلال هذا النظام أنهم تحت رقابة عين الاحتلال التي لا تنام، بل والتي تحرص على جمع تفاصيل حياتهم كلها وتوثيقها.

لكن علينا أن نتذكر أن نظام "الذئب الأزرق" ليس إلا أداة إضافية تنضم إلى أخريات كنقاط التفتيش الفجائية، الاعتقالات الوهمية، التدريبات العسكرية داخل القرى الفلسطينية وغيرها من الممارسات العسكرية الأخرى.

ترسيخ الشعور بالملاحقة والاضطهاد ليس بالجديد، بل هو إحدى الآليات القديمة الناجعة للحفاظ على استمرار سيطرتنا على المناطق المحتلة. فقد روت لنا أجيال جنود لا تُعد ولا تحصي عن مهمات مختلفة حملت نفس الهدف، أي الترهيب، فهو ناجع!

لكن، لا يمكنك الاستمرار بالترهيب دون أن يجن جنونك! فها نحن نرسل جنودنا لترهيب الفلسطينيين، بل ونتوقع منهم التزام الصمت حيال ما أمرناهم بفعله. وفي هذه اللحظة تتمعن بالمرآة لتجد أنّ وطنك يعيش تشويها يشبه ما وصفه جورج أوريل [في كتابه] سنة 1984، إلّا أنه هذه المرة تشويه محلي الصنع.