استضافت طهران يوم الأحد 21 نوفمبر وفدا رفيع المستوى من جمهورية أذربيجان برئاسة نائب رئيس الوزراء شاهين مصطفى يوف، الذي يترأس اللجنة الحكومية المشتركة للشؤون الاقتصادية والتجارية والإنسانية لأذربيجان وإيران. وبحسب وكالة أنباء جمهورية أذربيجان "آذرتاج" عقدت لقاءات في وزارتي الطرق وبناء المدن والنفط الايرانيتين ونوقشت خلالها آفاق التعاون الثنائي.
وفي وقت سابق، كان وزير الخارجية الأذربيجاني جيحون بيراموف قد قال في مقابلة، نحن مهتمون بتطوير العلاقات مع إيران وهناك الكثير من التعاون بين البلدين. وبشأن مستقبل العلاقات بين البلدين، قال وزير خارجية جمهورية أذربيجان: أستطيع أن أقول إن هناك العديد من الخطط للتعاون الثنائي في ضوء القواسم المشتركة الكثيرة بين البلدين. أنا متأكد من أنه يمكننا تطوير العلاقات الجيدة على أساس حسن الجوار، مشيرا إلى ضرورة تطوير العلاقات بين البلدين، وأضاف: إن أولوية السياسة الخارجية لجمهورية أذربيجان هي الحفاظ على العلاقات وتطويرها مع دول الجوار، وخاصة جمهورية إيران الإسلامية. وبالنظر إلى المجالات والامكانات العديدة للتعاون الثنائي والتاريخ الإيجابي دائما لهذه العلاقات، سنشهد في المستقبل تطورا في العلاقات بين البلدين.
فائدة التعاون بين الجانبين
بينما أرسلت جمهورية أذربيجان وفدها السياسي إلى طهران، شهدت العلاقات بين البلدين بعض التوترات خلال الأسابيع القليلة الماضية، والآن يبدو أن باكو تفضل الدخول في تعاون وتقارب بدلاً من التوترات مع جارتها الجنوبية.
خلال الزيارة إلى طهران، ذكّر الجانب الإيراني الوفد الأذربيجاني بضرورة التعاون بدلاً من التوتر، وأعرب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي استضاف المسؤولين الأذربيجانيين يوم الأحد، عن ارتياحه لتنامي العلاقات التجارية الثنائية والأواصر العميقة بين الشعبين، واعتبر تحرير أراضي جمهورية أذربيجان أساساً أرضية فصل جديد في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، مؤكدا ضرورة الاستفادة من القدرات الاقتصادية للجانبين في مجالات التجارة والنقل والطاقة والسياحة.
وأشار وزير الخارجية الإيراني إلى امكانيات الجمهورية الإسلامية الإيرانية، معلنا عن استعداد الشركات الإيرانية للمشاركة في إعادة إعمار المناطق المحررة حديثاً، واشار الى نجاح البلدين في مجال التطعيم، مؤكدا ضرورة تسهيل تنقل مواطني الجانبين واستئناف الرحلات الجوية بين البلدين.
وفي جانب آخر، أشار أمير عبد اللهيان إلى الموقف الدائم للجمهورية الإسلامية الإيرانية الداعم لوحدة أراضي الدول، مؤكدا على عدم تغيير الحدود الدولية في المنطقة.
كما أعرب نائب رئيس وزراء جمهورية أذربيجان خلال هذا اللقاء عن ارتياحه للقاءات البناءة التي عقدها مع وزيري النفط والطرق بناء المدن في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، معلنا قرب البلدين من الاتفاقيات التاريخية في مجالات النفط والغاز والنقل.
كما أكد على الدور البناء لوزيري خارجية البلدين في تجاوز التوترات الأخيرة، معلنا عقد اجتماع اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي بين البلدين مطلع العام المقبل. وفي جانب آخر، أشار شاهين مصطفى يوف، إلى زيادة التجارة بين الجانبين منذ بداية عام 2021، منوها إلى أن زيادة التجارة بنسبة 22٪ خلال فترة الوباء دليلا على العلاقات الودية والقدرات الاقتصادية للجانبين. كما تشاور الجانبان حول قمة منظمة التعاون الاقتصادي المرتقبة ووثائق الاتفاقية الثنائي.
بناءً على ذلك، وكما قال مسؤولو البلدين، يمكن للجانبين متابعة التفاعلات الوثيقة للغاية في مجال إعادة إعمار المناطق المتضررة في حرب قره باغ، وبالنظر إلى استعداد وقدرة كلا البلدين، فإن هذه المجالات المشتركة تمثل فرصة ثمينة لباكو وطهران.
وجود متغيرات متدخلة
رغم مجالات التعاون والتفاعل الواسعة بين طهران وباكو، إلا أن وجود بعض العوامل المتداخلة تسبب في توتر العلاقات بين البلدين في بعض المراحل، كما حدث قبل شهر فقط.
الكيان الصهيوني:
رغم تواجد الكيان الصهيوني خارج منطقة القوقاز وأن فلسطين المحتلة ليس لها حدود مع جمهورية أذربيجان، إلا أن تل أبيب قامت بدور لا يمكن إنكاره في تأجيج نيران التوترات الأخيرة في المنطقة.
يستمر الصراع في قره باغ منذ سنوات حول الأراضي المتنازع عليها بين جمهورية أذربيجان وأرمينيا. حيث اعتبر الصهاينة وجود هذه الاشتباكات الحدودية فرصة لبيع وتصدير الاسلحة الحربية وتصاعد سوق صادرات الاسلحة الى جمهورية أذربيجان.
ففي سبتمبر من العام الماضي، أفادت وسائل الإعلام أنه بينما تستمر الحرب الدامية بين جمهوريتي أذربيجان وأرمينيا حول منطقة قره باغ، أفادت مصادر عن زيادة في عدد رحلات الطائرات الحربية الإسرائيلية إلى جمهورية أذربيجان.
وكتبت صحيفة "هآرتس"، الثلاثاء، 6 أكتوبر 2020، بالتزامن مع اليوم العاشر من استئناف الحرب في جنوب القوقاز، أنه في الأسبوعين الماضيين، زادت رحلات الشحن التي تحمل أسلحة إسرائيلية إلى أذربيجان بشكل كبير.
وبحسب هذه الصحيفة، فإن مطار تل ابيب شبه متوقف ولا توجد رحلات تجارية تقريباً، لكن رحلات الشحن تتزايد بين تل أبيب - باكو كل يوم. وكتبت صحيفة هآرتس أن الزيادة في الرحلات الجوية بين اسرائيل واذربيجان كانت "نتيجة مباشرة لاستئناف الأعمال الحربية" في منطقة قره باغ عقب دوي أصوات المدفعية في القوقاز. فسجلت رادارات المراقبة تحليق طائرات النقل الأذرية، التي تستخدمها وزارة الدفاع الأذربيجانية، في المسار بين باكو ومطار رامون العسكري بالقرب من قاعدة الجيش الإسرائيلي في منطقة عوفدا.
وكانت معظم هذه الرحلات تحمل أسلحة إسرائيلية لتحريض باكو على استمرار الحرب والتوتر في قره باغ، ولا شك في أن الهدوء في المنطقة لا يتماشى مع مصالح تل أبيب. لذلك، يحاول الصهاينة، بصفتهم فاعلاً تدخلياً في المنطقة لتحقيق أهداف اقتصادية، تأجيج نيران التوتر في المنطقة.
ابقت إسرائيل مبالغ وتفاصيل المعاملات قيد الكتمان منذ بدء بيع الأسلحة إلى أذربيجان، والتي استمرت منذ عام 2006 على الأقل، لكن معهد سيبري في ستوكهولم سجل ما قيمته 825 مليون دولار من الأسلحة التي اشترتها أذربيجان من أذربيجان بين عامي 2006 و2019.
من جهة أخرى، يحاول الكيان الصهيوني التأثير على العلاقات بين جمهورية أذربيجان وإيران تحقيقاً لأهدافه المعادية لإيران من خلال زيادة نفوذه في باكو. كما أن المعاملة التي تتم مع الشيعة الأذريين في جمهورية أذربيجان تتأثر بشكل رئيسي باللوبيات الإسرائيلية. وقبل ذلك، دعا آريا غوت المستشار الصهيوني لحكومة جمهورية أذربيجان المسؤولين الأمنيين في هذا البلد إلى التعاطي بجدية مع شيعة جمهورية أذربيجان، والذي وصفهم هذا العنصر الصهيوني باتباع إيران في جمهورية أذربيجان.
ومن جهة أخرى، ان معظم القيود في العقود الثلاثة كانت رسمية وحكومية والتي فرضت على شيعة جمهورية أذربيجان الذين يشكلون غالبية الشعب في هذا البلد.
حيث كان يسجن باستمرار رجال الدين والنشطاء الشيعة مثل الحاج علي إكرام نارداراني وجميع كبار هذه المنطقة، الحاج محسن صمدوف زعيم الحزب الإسلامي والحاج آغا نوري، والحاج واقف عبد الله اوف الذي استشهد في السجن وعرف بـ "شهيد الحجاب" بسبب كفاحه ضد منع الحجاب في المدارس، والحاج أبجل سليمانوف، والحاج طالع باقرزاده رجل دين وثوري شاب، والحاج ايلقار إبراهيم أوغلو، والحاج ألشن مصطفى أوغلو، والحاج فراميز عباسوف، وعشرات بل حتى مئات رجال الدين الآخرين الذين لا يزال الكثير منهم رهن الاعتقال في سجون جمهورية أذربيجان.
تركيا:
تركيا هي أهم لاعب متدخل في منطقة القوقاز والتي تدعم باكو بشكل رئيسي خلال معارك قره باغ واستمرار الحرب في المنطقة. من المهم جدا لأنقرة إنشاء ممر بري مباشر من جمهورية أذربيجان إلى تركيا. يواصل الأتراك تنفيذ هذا الممر البري تماشيا مع تحقيق أهداف الوحدة التركية الإقليمية.
في الوقت الراهن، لا تتمتع جمهورية أذربيجان بارتباط مباشر إلى نخجوان وحدود تركيا عن طريق البر، لأن محافظة سينويك الأرمنية تقع بين جمهورية أذربيجان ومقاطعة نخجوان. لكن أنقرة تشجع باكو على انشاء طريق بري مباشر عبر أرمينيا، على الرغم من أن أرمينيا ترفض بشدة تقسيم محافظة سينويك.
من ناحية أخرى، بالنظر إلى أن إنشاء طريق بري بين جمهورية أذربيجان ونخجوان، الذي يتابع بضغط من تركيا، سيؤدي إلى تغييرات في الحدود، تعارض الجمهورية الإسلامية الايرانية بشدة هذه الخطة وتحذر من تنفيذها. وهذا التحذير الإيراني تسبب في التزام الصمت تجاه تنفيذ الممر البري. ومع ذلك، على الرغم من العلاقات الوثيقة مع طهران، لا يزال القادة الأتراك ينتظرون الفرصة المناسبة لتنفيذ مطالبهم في شكل الوحدة التركية والوصل مع جمهورية أذربيجان، الامر الذي كان سبباً رئيسياً للتوترات الإيرانية الأخيرة مع باكو.