هناك ثمة مفارقات بين الموقف الرسمي والشعبي تجاه القضية الفلسطينية على مر التاريخ. فلسطين في نظر الشعوب العربية تعد خطا احمر وهي قضية العرب الاولى التي يجب ان لا يتخلى عنها اي عربي ولها عمق عربي واسلامي.
ان العداء تجاه الكيان الصهيوني يعتبر معادلة صفرية بالنسبة للحكام العرب ظاهرا وعند الجماهير ظاهرا وباطنا فلم تعد المواقف كما هي حينما بدا حكام الخليج ظاهرا بالتطبيع مع موافقة او معارضة شعوبها، وامست العلاقات والدعوة لهذا التطبيع مع الكيان الصهيوني مسألة وقت لتنظم بقية الانظمة العربية تباعا لذلك.
كيف استطاعت امريكا والكيان الصهيوني ان يقنع الحكام العرب بالتطبيع وتؤثر على الجماهير التي ابتعدت كثيرا عن القضية الفلسطينية؟ نجحت القوة الناعمة التي دعى لها جوزيف سي ناي عام 2004 باعتبارها وسيلة النجاح في السياسة الدولية من خلال رسائل الاستمالة والجذب واسلوب الاغواء، وتم السيطرة على العقول وفق نظرية التاطير التي تعد مصيدة لاحتلال العقل والوعي ومن خلالها يجري تمرير السياسات وكسبها على حساب القضية الفلسطينية دون ان تترك بصمات.
الادارة الامريكية استخدمت القوة الناعمة بعد ان قامت بتوظيف الفنانين والدعاة والوعاظ والمهرجانات والندوات لتبرير ماقامت به لاقناع الحكام والملوك للتطبيع، كما استخدمت هذه القوة ووظفت من قبل الاطراف المختلفة لتغيير القناعات الرسمية والشعبية. كذلك رعت الادارة الامريكية والكيان الصهيوني بعض الناشطين الشباب والمدونين والصفحات لدعوة حكام بلادهم للتطبيع مع الكيان باعتبار ان قضية فلسطين اصبحت من الماضي، وان العداء للصهيونية والمطالبة بحقوق الشعب الفلسطيني لا جدوى منها.
بعض المطبعين مقتنعين بانه لا فائدة من المواجهة مع الصهيونية لكون حليفتها امريكا وهذه تحكم العالم ولا مناص من اعادة العلاقات والتطبيع معها. اما البعض الذي اعلن ولاءه وتبعيته لامريكا وللكيان الصهيوني لا تهمه اصلا قضية فلسطين اما الفئة الثالثة فترفض التطبيع جملة وتفصيلا، باعتبارها قضية اسلامية والمقاومة هي الطريق الوحيد لاستعادة الحقوق المغتصبة.
الفواعل التي اثرت في القضية الفلسطينية كثيرة وهي ظروف داخلية وخارجية منها عدم انسجام السلطة الفلسطينية بشقيها السياسي والمقاوم وكذلك تخاذل الحكام العرب، وعدم جدوى قرارات مؤتمرات القمة العربية التي تخص القضية الفلسطينية. اما دوليا فغالبية القرارات الدولية التي تدين الكيان الصهيوني غير ملزمة له او يتم الاعتراض عليها بالفيتو من قبل المندوب الامريكي، واما تضعيف الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية ومساندتها بدى واضحا نتيجة المواجهات والحروب والاهتزات الدولية. فمن احتلال العراق واشغاله بالقاعدة والحرب الطائفية وداعش واشعال الجبهة الداخلية واغراقه فيها، مرورا بالوضع السوري الذي انهكته الحرب والى اليمن وعدوان التحالف العربي، مرورا بلبنان الذي تأزم وضعه الداخلي بسبب الخلافات والمناكفات السياسية والتدخل الدولي فيه، كلها كانت فوضى مقصودة لضمان سلامة امن الكيان الصهيوني على اعتبار ان هذه الدول هي دول ممانعة ومقاومة ورافضة للتطبيع ومدافعة عن القضية الفلسطينية. رغم المفاوضات المستمرة الارض مقابل السلام والمفاوضات الامنية لم يجني الشعب الفلسطيني اي مكسب لصالحه، ولازال الكيان الصهيوني يقضم اراضي الفلسطينين ويشرد سكانها ويبني المستعمرات ويدنس المقدسات والعالم في صمت مريب لا يقوى على اصدار قرار ادانة ضد الكيان الصهيوني .