أظهر استطلاع رأي جديد أعده معهد واشنطن، موقف السعوديين من قضايا دولية مختلفة، بينها مسألة تطبيع المملكة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وأفاد الاستطلاع بأن "16 بالمئة فقط من السعوديين يرون في التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي خطوة إيجابية، مقابل 77 بالمئة يرونه سلبيا".
علاقة الرياض بتل أبيب
منذ إنشائها عام 1948 لم تحظ دولة الاحتلال باعتراف رسمي من قبل السعودية، إذ إنها في نظر السعوديين دولة عدوة والعكس، ما تسبب في إحداث القطيعة بين الدولتين طوال السنوات التالية لاحتلال الأراضي الفلسطينية، حيث كانت المملكة من تلك الدول التي دعمت فلسطين في مواجهتها ضد المحتل ومساعيها للسيادة والاستقلالية.
كما كانت الرياض من الدول الرافضة تماماً لأي اتفاقيات سلام مع الكيان الإسرائيلي وهو ما تجسد في موقفها من اتفاقية كامب ديفيد، حيث قادت حملة للتنديد بهذه الاتفاقية ودعت إلى مقاطعة مصر بسببها وهو ما كان بالفعل، قبل أن تعود العلاقات بين البلدين عام 1987.
وظلت العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني ما بين الشد والجذب، حتى عام 2002 الذي يعد علامة فارقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، حين اقترح العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، مبادرة السلام العربية، التي اشترطت إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً، على حدود 1967، وعودة اللاجئين، وانسحاب الكيان الصهيوني من هضبة الجولان السورية المحتلة، مقابل تطبيع علاقات الدول العربية مع الكيان الإسرائيلي والاعتراف به، ومن هنا بدأت مرحلة جديدة في العلاقات بين الجانبين.
ومنذ ذلك الحين دخلت العلاقات السعودية الإسرائيلية مرحلة جديدة من البراغماتية حيث سعت الرياض إلى فتح قنوات تواصل مع تل أبيب معظمها كان في إطار السرية والخفاء، أما في العلن فقد تراجعت حدة التصريحات العدائية بين الجانبين بصورة ملحوظة، وقد جسدت بعض اللقاءات التي جمعت بين مسؤولي البلدين رغبة الطرفين في فتح صفحة جديدة من العلاقات تقوم على مبدأ المصالح المشتركة بعيدًا عن الأيديولوجيات الثابتة، لكن ظلت مسألة الانتقال في العلاقات من مرحلة السر إلى العلن معضلة تواجه الديوان الملكي السعودي لسنوات طويلة إلى أن جاء محمد بن سلمان ليعيد رسم الخارطة وفق رؤى جديدة.
محمد بن سلمان وصفقة القرن
طموح محمد بن سلمان في الجلوس على عرش المملكة من جانب ورغبة العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز في أن يخلفه نجله في قيادة البلاد دفع إلى تخطي الخطوط الحمراء كافة التي كانت تمثل عقيدة سياسية لدى العقلية السعودية حيث سيطرت النظرة "الميكافيلية" على مقادير الأمور، وبات تحقيق طموح الابن غاية أيًا كانت الوسائل.
التغيرات التي شهدتها المملكة خلال الأيام الماضية من تنصيب ابن سلمان وليًا للعهد بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية تشي بمباركة واضحة من قبل البيت الأبيض لهذا القرار، لكونه خطوة محورية في تنفيذ "صفقة القرن" التي جاء بها الرئيس الأمريكي لإعادة رسم الخارطة السياسية في منطقة الشرق الأوسط.
كشفت وثائق نشرها موقع "أمريكان هيرالد تريبيون"،عن أسماء قادة في الجيش السعودي شاركوا في تدريبات سرية مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، لإدارة قوات عسكرية مشتركة في البحر الأحمر
الصفقة التاريخية كما يصفونها تهدف في المقام الأول إلى ترسيخ أركان دولة الكيان الصيهوني عبر زيادة رقعة التطبيع مع دول الجوار العربي من جانب، والتمهيد نحو مزيد من الحضور الإقليمي - اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا - من جانب آخر، والتخلص من المقاومة الفلسطينية وكل موارد دعمها من جانب ثالث.
الدور السعودي الجديد بعد ولاية ابن سلمان للعهد ومباركة ترامب له يعد الأبرز في المنطقة في ضوء عدد من المستجدات الراهنة والتي لا يمكن أن يتم تفسيرها بمعزل عن المخطط الأمريكي السعودي الإسرائيلي لتمرير صفقة القرن في أسرع وقت كإحدى المبادرات الأمريكية لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي. كما أن أبرز محاور صفقة القرن يتمثل في اتساع رقعة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وهو ما سعى إليه ابن سلمان بصور متعددة، لعل أبرزها محاولة تحسين وجه "دولة الاحتلال" وكسر حالة العداء الشعبي مع السعوديين من خلال التمهيد لفكرة تقبلها في ضوء حزمة المصالح المشتركة ضد إيران.
سعوديون ضد التطبيع
لمواجهة كل المحاولات السابقة من أزلام النظام السعودي لتحقيق التقارب مع الكيان الصهيوني كان الشعب السعودي دائماً يقف في موقف المخالف للتطبيع وشهدت منصات التواصل الاجتماعي مراراً وتكراراً حملات تحت عنوان سعوديين ضد التطبيع لمواجه الأفكار التطبيعية سواء على المستوى الثقافي أو السياسي أو أي محاولة أخرى من قبل النظام السعودي.
السعوديون، ممّن هبّت بهم الحميّة، رفضوا دعوات التطبيع، وكان من أبرزهم الناشطة السعوديّة نهى البلوي، والتي رفضت بدورها فكرة التطبيع مع الاحتلال، واعتبرته من البديهيات، كما فسّرت معنى التطبيع، وأكّدت أن إسرائيل دولةٌ مُحتلّةٌ، وعدوة، وستبقى كذلك.
المُعارضة السعوديّة مضاوي الرشيد، شاركت هي الأخرى بالحملة الرافضة للتطبيع، وعلّقت بالقول إن محمد بن سلمان وامبراطوريّته، بحاجة لمُحاولات صعبة جدّاً، من أجل التغلّب على الجُذور الشعبيّة السعوديّة المُعارضة للتطبيع مع إسرائيل، وهي دولة احتلال مُفترسة من عصر استعماري مضى.
أما نجل الداعية سلمان العودة، المُعتقل لدى السلطات السعوديّة، فاستغرب هذا التسامح الرومنسي مع الاحتلال، بينما تكون القسوة على المُسالم الغريب.
لا يمكن أن نقول غاب العلماء والدعاة والمثقفون السعوديون كما غاب رأيهم في القضايا العامة داخل المملكة وخارجها، بل تم تغيبهم عمداً منذ الحملة الأمنية التي شنها ولى العهد محمد بن سلمان، عقب تسلمه الحكم في 2017م، وأسفرت عن اعتقال أجهزته الأمنية لمئات المعتقلين وتغيبهم داخل السجون العلنية والسرية.
وعمد بن سلمان على بناء التطبيع السعودي مع الكيان الإسرائيلي، وفق خطة ممهنجة أبرمها منذ زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الرياض عام 2017.
إعلان الإمارات اتفاق التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، بات الحديث في الصحافة الأمريكية والإسرائيلية عن أن السعودية قريبة جداً من إعلان اتفاق التطبيع رسمياً.
وليس بالأمر الغريب أن يحذو ابن سلمان حذو نظيره ولى عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وهو الذي قتل معارضيه، وزج المئات منهم داخل السجون، وألغي دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما جعل منظمة التعاون الإسلامي أداة سعودية لتحقيق التطبيع مع إسرائيل.
نعم هناك العشرات من الدعاة والمثقفين الذين يقبعون في سجون بلادهم، لرفضهم التطبيع السعودي مع الكيان الإسرائيلي. ومنهم المفكر الإسلامي د. سلمان العودة والداعية الدكتور عوض القرني والناشط جميل فارسي والأكاديمي عبد الله المالكي والناشط عبد العزيز عودة والحقوقي محمد البجادي والإعلامي مساعد الكثيري والإعلامي عبد الله الدحيلان وأخيرا الصحفي الراحل جمال خاشقجي.
الجميع يعلم النية الموجودة في صدور حكام آل سعود للتطبيع مع الكيان الصهيوني وهم يلهثون لتحقيق هذا الهدف ولكن الشعوب العربية بشكل عام والشعب السعودي بشكل خاص لا يزالون يخالفون التطبيع ويرون فيه خيانة لقضية الأمة وشهدائها