على الرغم من الإنتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان من قبل دول الإتحاد الأوروبي المتاخمة لبيلاروسيا، لم تتمكن المفوضية الأوروبية من تطبيق الإجراءات القانونية الواجبة وإنفاذ قانون الإتحاد الأوروبي. علاوة على ذلك، فهي ذهبت أبعد في ترسيخ هذه الإنتهاكات لا بل وقوننتها، اذ اقترحت في 1 كانون الأول 2021، مشروع قانون يسمح بإدخال تدابير طوارئ مؤقتة تتيح للاتفيا وليتوانيا وبولندا بالإنحراف عن قواعد الإتحاد الأوروبي المتبعة، وإبقاء طالبي اللجوء على الحدود لمدة 20 أسبوعًا من دون تأمين حتى الحد الأدنى من الضمانات الأمنية لهم، لا بل وعلى العكس، بذل اقصى الجهود لتسهيل ترحيلهم القسري. هذه الخطوة غير المبررة، ستؤدي إلى إضعاف الإطار القانوني للإتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالهجرة واللجوء، وستفتح سبلاً جديدة لانتهاك حقوق الإنسان التي ما برح الإتحاد يتغنى بها.
وكما هو معروف فان غزوات الولايات المتحدة الأميركية للدول والضغوط والعقوبات والسياسات العدوانية التي تمارسها بالتعاون مع حلفائها في الإتحاد الاوروبي، دمرت بلدان عريقة في الشرق الأوسط وأفريقيا ودفعت ملايين السكان للهرب من الحروب والصراعات والمآسي التي صنعتها هذه السياسات، فاذا بهؤلاء يمخرون عباب البحار في ظروف قاسية تؤدي الى هلاك الكثيرين منهم، فيما الناجين يجدون أنفسهم عالقين على حدود الدول الأوروبية الغربية في مواجهة الأعيرة النارية من شرطة هذه الدول وفي مواجهة كلابهم الشرسة التي يطلقها هؤلاء على اللاجئين وأطفالهم.
هذا ما حصل مع اللاجئين العالقين في بيلاروسيا عند الحدود مع بولندا في شتاء قارص وثلوج ضمن ظروف أقل ما يقال فيها انها صعبة للغاية. وبدلاً من تلقي المساعدة التي هم بأمسَ الحاجة اليها، نرى سلطات تلك الدول، ولا سيما بولندا ولاتفيا وليتوانيا، تهاجمهم بضراوة وهم العزل، وتطلق عليهم نيران الأسلحة الرشاشة وتعرضهم لإيذاء وحشي وهجوم من كلاب شرسة وتطلق عليهم الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه في حرارة جليدية تحت الصفر، إضافة لذلك قام الجيش البولندي في 19 تشرين الثاني العام 2021، باعتقال مئات المهاجرين الذين عبروا الحدود البيلاروسية حيث تعرضوا لابشع انواع العنف والاذلال.
هذه الإجراءات التعسفية والحاقدة أدت الى مصرع عدد كبير من اللاجئين المسالمين، ووفقًا للمنظمة الدولية للهجرة، فقد 21 شخصًا من اللاجئين حياتهم وجرح المئات على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا في الأشهر الأخيرة من العام 2021 نتيجة الإجراءات التعسفيية والقاهرة التي استعملها الجيش والشرطة البولندية ضدهم. ومع ذلك، من المحتمل أن تكون الأرقام أعلى من ذلك بكثير، حيث أن المعلومات على طول هذه الحدود نادرة ويصعب الحصول عليها. وقد تمكنت Lighthouse Reports من التعرف على 17 شخصا أهدر دمهم، وهم: رجاء حسن، أحمد الحسن، أفين إفران زاهر، عيسى جرجس، أحمد حميد الزبهوي، جيلان دلر إسماعيل، فرهاد نابو، مصطفى الريمي، خالد رمضان، وفاء كامل.
كما ان بين الضحايا أطفال، ففي 10 تشرين الثاني من العام 2021، تجمد من البرد حتى الموت صبي يبلغ من العمر 14 عامًا على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، وقتل طفل سوري آخر يبلغ من العمر عاماً واحداً في الغابة على الجانب البولندي من الحدود، فيما الباقون عانوا من أمراض وأوبئة وهم يواجهون إنتهاكات خطيرة لحقوق الانسان سمحت بها المفوضية الأوروبية. وفي 6 كانون الثاني الجاري، أعلنت منظمة أطباء بلا حدود (MSF) سحب فريق الإستجابة للطوارئ التابع لها من الحدود، بعد أن منعتها السلطات البولندية مرارًا وتكرارًا من الوصول إلى الغابات في المنطقة الحدودية.
وكانت منظمة العفو الدولية قد جمعت أدلة جديدة عن العنف الوحشي ضد طالبي اللجوء. تُظهر هذه المواد حوادث الضرب وغيره من أعمال التعذيب أو سوء المعاملة، بما في ذلك حرمان الأشخاص من الطعام والماء والمأوى والصرف الصحي .ويستمر الترهيب حتى ضد الجمعيات المؤيدة للاجئين على الحدود البولندية: في 15 كانون الأول العام 2021، دخلت الشرطة البولندية نقطة مساعدة إنسانية في بلدية غروديك وفتشتها واستجوبت المتطوعين، ثم صادرت أجهزة الكمبيوتر والهواتف الخاصة بهم. في 18 تشرين الثاني2021، أعيد ما يقرب من 400 مواطن عراقي على متن رحلة جوية من مينسك، قال بعضهم فيما بعد إنهم تعرضوا لسوء المعاملة من قبل السلطات البولندية، مع العلم ان مبدأ عدم الإعادة القسرية، ينص على عدم جواز إعادة أي شخص بالقوة إلى دولة أو إقليم آخر قد يتعرض فيه الأشخاص المطرودون لخطر التعذيب أو غيره من أساليب سوء المعاملة. وتظهر بولندا بذلك بوضوح انتهاكها الصارخ للقوانين والمعايير الدولية. وكانت مجموعة من اللاجئين السوريين عند الحدود مع بولندا قد بعثت برسالة مفتوحة إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وإلى حكومة بيلاروسيا تطلب فيها الحماية من التعسف والعنف الفائق من السلطات البولندية والليتوانية. وبالرغم من قيام أطباء ونشطاء محليون بيلاروس على الحدود البولندية البيلاروسية بمساعدة المهاجرين فقد أعلنت الحكومة الإستونية أنها ستبدأ في بناء سياج حدودي جديد مع روسيا، نتيجة للأزمة على الحدود البيلاروسية البولندية، على الرغم من أن إستونيا ليس لديها حدود مع بيلاروسيا.
وأخطر ما في الأمر أن الإتحاد الأوروبي زاد من تطرفه واحتقاره لحقوق الانسان اذ اقترح مؤخرا بناء 1800 كيلومتر من الأسوار على حدود أوروبا!!! هذا يحدث بعد 32 عامًا من سقوط جدار برلين. الملفت في هذا الإطار ان رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل أعلن إن الإتحاد الأوروبي يمكنه أن يمول بشكل قانوني بناء الحواجز الحدودية، ما يمثل موقفًا جديدًا لهذا الإتحاد الذي رفض تاريخيًا تمويل الجدران الحدودية. في حين ان وزير الداخلية السلوفيني أليش هوجس قال في مؤتمر صحفي في سراييفو إنه "يجب تأمين الحدود الخارجية، حتى مع الأسوار إذا لزم الأمر".
ومؤخرا كشف تقرير جديد بعنوان "طرق التعذيب - دورة الإساءات ضد الأشخاص المتنقلين من إفريقيا" تحدث فيه عن الانتهاكات المنهجية والعنف الذي يواجهه المهاجرون أثناء سفرهم بين دول المنشأ والعبور والمقصد.
ووفقًا للمجلس الدانماركي للاجئين، تم في العام 2021، رفض ما يقرب من 12000 طالب لجوء على حدود أوروبا، وهو رقم يمكن أن يكون أعلى مستوى على الإطلاق. كما ناقش المجلس الأوروبي في اجتماعه في 16 كانون الأول العام 2021 وفي تدابير جديدة، الجوانب الخارجية للهجرة وجرى التركيز على بحث عمليات العودة من الإتحاد الأوروبي إلى بلدان المنشأ بشكل خاص، فيما تضغط بعض الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي، بما في ذلك النمسا وبولندا ولاتفيا وليتوانيا، من أجل زيادة احتجاز طالبي اللجوء عند الحدود، بحجة الهجمات المختلطة والتهديدات للأمن الداخلي أو الصحة أو النظام العام. في 14 كانون الأول العام 2021، قدم المفوضان الأوروبيان إيلفا جوهانسون ومارغريتيس شيناس مقترحات لتحديث قانون حدود شنغن. تهدف هذه التحديثات إلى تعزيز الحدود الخارجية والتعاون من أجل زيادة ضوابط الحدود الداخلية، ويتضمن الإقتراح إطالة فترات التسجيل واحتجاز المهاجرين على الحدود وعسكرة أكثر صرامة للحدود، يتم حاليا دراسة الاقتراح من قبل البرلمان والمجلس. كما ونشرت صحيفة الغارديان دراسة استقصائية عن كيفية إنفاق مئات الملايين من اليورو الإضافية على التكنولوجيا المتقدمة والمعدات العسكرية لمراقبة وردع المهاجرين على الحدود. ومن بين التقنيات المستخدمة طائرات بدون طيار عالية الأداء، وأجهزة استشعار وكاميرات، بالإضافة إلى أجهزة كشف الكذب. وتشير وثائق مسربة ان عددا من الدول الاوروبية تعارض حتى استقبال الأشخاص الذين يتم إنقاذهم بعد عمليات البحث والإنقاذ في البحار.
وإضافة الى لجوء الإتحاد الأوروبي لقوانين متطرفة ومعادية لحقوق الانسان في مواجهة اللاجئين، فقد دفعت المفوضية الأوروبية باتجاه اجراءات أخرى تتناول هذه المرة حتى الأشخاص الأوروبيين المتعاطفين مع اللاجئين وحقوقهم، اذ نشر مرصد حماية المدافعين عن حقوق الإنسان في أوروبا تقريرا تحدث فيه عن سعي الإتحاد الأوروبي لوضع دراسة حول أنماط تجريم المتضامنين مع حقوق اللاجئين في أوروبا من خلال قمع أصوات المدافعين عن حقوقهم بشتى الوسائل. تحدد الدراسة ثلاثة نماذج رئيسية لتجريم التضامن: خلق بيئة معادية حول الهجرة؛ استخدام القانون الإداري لإعاقة العمل في مجال حقوق الإنسان؛ واستخدام القانون الجنائي لإسكات أصواتهم.
للأسف الشديد فان القادة الجدد والمشرفين على سياسات الإتحاد الأوروبي الذين ينسقون بشكل مباشر مع الإدارة الأميركية، بدأوا بإدارة الظهر لقوانين حقوق الإنسان التي كانت قائمة فيما مضى والتي كانت تمييز القارة القديمة عن الصلف والعدوانية الأميركية، ليتماهوا اليوم بشكل تام تقريبا مع هذه السياسات حتى في التعامل مع ابسط قواعد احترام الحقوق الإنسانية.