تمهيدا لضمهما على غرار شبه جزيرة القرم عام 2014، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم الاثنين 21 فبراير/شباط 2022، اعتراف موسكو رسميا بدونيتسك ولوغانسك "جمهوريتين مستقلتين" عن أوكرانيا.
فما قصة الإقليمين اللذين يقعان شرقي أوكرانيا، قبل أن يأمر بوتين قبل ساعات وزارة الدفاع الروسية بإرسال قوات حفظ سلام إليهما؟
إقليم دونيتسك
هو منطقة في جنوب شرق أوكرانيا، تحدها روسيا من الشرق وبحر آزوف من الجنوب، وإلى الشمال منها تقع منطقتا لوغانسك وخاركيف، وإلى الغرب منها منطقتا زوبوريجيا ودنيبروبيتروفسكا.
تبلغ مساحة دونيتسك نحو 26.5 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل نحو 4.4% من إجمالي مساحة أوكرانيا، وهي مقسمة إلى 18 منطقة، وتضم 52 مدينة و131 بلدة.
يبلغ عدد سكانها الإجمالي نحو 7 ملايين نسمة، ويشكل فيها الأوكرانيون نحو 56.8%، والروس 38.2%، وتتوزع النسبة الباقية على قوميات أخرى، كالتترية والأرمنية.
اللغة الرئيسية في المنطقة هي الروسية، وينتشر استخدام الأوكرانية في البلدات والقرى البعيدة عن كبريات المدن.
رغم مساحاتها الزراعية الواسعة، تعتبر دونيتسك منطقة صناعية، إذ تشتهر بكثرة مناجم الفحم الحجري ومعامل الحديد والصلب التي يعمل فيها معظم السكان، حيث فيها 13 منجما كبيرا للفحم، وعشرات المناجم الصغيرة، وفيها 9 مصانع لإنتاج فحم الكوك، و10 مصانع لإنتاج القضبان وغيرها من منتجات الصناعات الحديدية.
سيطر الانفصاليون في منطقة دونيتسك على الكثير من المدن، كسلافيانسك وكراماتورسك وزديرجينسك وكونستانتينوفكا وغيرها، لكن القوات الأوكرانية أجبرتهم مؤخرا على تركها، لتلاحقهم وتواجههم في مدن أخرى.
مدينة دونيتسك: هي المدينة الرئيسية في المنطقة، وعاصمة "جمهورية دونيتسك الشعبية" التي أعلنها الانفصاليون، وهي اليوم المعقل الرئيسي لهم، ولا سيما بعد أن أجبرتهم القوات الأوكرانية على ترك عدة مدن أخرى في المنطقة، مثل سلافيانسك وكراماتورسك.
تقع المدينة في قلب إقليم دونيتسك، وقد أنشئت عام 1869، وحملت آنذاك اسم حاكمها "يوزوفكا" حتى عام 1924، ثم سميت "ستولينو" نسبة إلى الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين. وفي عام 1961 أطلق عليها اسم دونيتسك.
تعتبر خامس أكبر مدينة في أوكرانيا، إذ تبلغ مساحتها نحو 358 كيلومترا مربعا، ويعيش فيها أكثر من 900 ألف نسمة.
وإلى جانب غناها بالمناجم والمصانع أيضا، تشتهر دونيتسك بفريق عمال المناجم لكرة القدم "شاختار"، والملعب الدولي المسمى باسم الفريق أيضا، الذي احتضن عددا من مباريات بطولة كأس الأمم الأوروبية "يورو 2012"، كما يرتبط اسمها بالملياردير رينات أخميتوف الذي يمتلك معظم المصانع والشركات فيها.
وإلى جانب الصناعة والزراعة، تتمتع المدينة بحياة ثقافية نشطة، حيث فيها الكثير من المسارح والمعارض والجامعات والمعاهد، لذلك فهي قبلة رئيسية للطلاب من داخل أوكرانيا وخارجها.
مدينة هورلوفكا: هي ثاني أكبر معاقل الانفصاليين في المنطقة، وتقع إلى الشمال من مدينة دونيتسك. تأسست عام 1779، وأضحت مدينة كبيرة عام 1932، ويبلغ عدد سكانها نحو 259 ألف نسمة.
سنيجنوي: هي مدينة صغيرة تقع إلى الغرب من مدينة دونيتسك. تأسست عام 1784، وأصبحت مدينة عام 1938. تبلغ مساحتها نحو 87.2 كيلومترا مربعا، ويبلغ تعداد سكانها نحو 49 ألف نسمة.
تصدرت المدينة عناوين الأخبار عندما اتهمت الحكومة الأوكرانية الانفصاليين بإطلاق صاروخ "بوك م1" من أراضي سنيجنوي، وهو ما أدى إلى إسقاط طائرة البوينغ 777 الماليزية، ومصرع نحو 300 شخص هم جميع من كان على متنها، لكن الانفصاليين ينفون هذه الاتهامات.
إقليم لوغانسك
يقع إقليم لوغانسك في أقصى شرق أوكرانيا، وتحده روسيا من الشرق والشمال والجنوب.
تبلغ مساحته نحو 26.6 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل نحو 4.4% من إجمالي مساحة أوكرانيا، وهي مقسمة إلى 18 منطقة إدارية، وتضم 37 مدينة و109 بلدات.
يبلغ عدد سكانه الإجمالي نحو 2.2 مليون نسمة وفق إحصاء عام 2014، ويشكل فيه الأوكرانيون نحو 57.9%، والروس 39%، وتتوزع النسبة الباقية على قوميات أخرى، كالمنتسبين إلى روسيا البيضاء والتتر والأرمن والأذريين والمولدافيين.
اللغة الرئيسية المستخدمة في المنطقة هي الروسية، وينتشر استخدام الأوكرانية في البلدات والقرى البعيدة عن كبريات المدن.
منطقة لوغانسك صناعية، فيها الكثير من مناجم الفحم ومعامله، كما يعتمد اقتصادها على شبكات وطرق ونقاط عبور البضائع من روسيا وإليها، بسبب الشريط الحدودي الطويل معها.
سيطر الانفصاليون في منطقة لوغانسك على عدة مدن وبلدات، لكن القوات الأوكرانية حصرتهم مؤخرا في بضع مدن وبلدات.
لوغانسك هي المدينة الرئيسية في المنطقة، وعاصمة "جمهورية لوغانسك الشعبية" التي أعلنها الانفصاليون، وتعد معقلا رئيسيا لهم اليوم.
تقع المدينة في جنوب شرق منطقة لوغانسك، وتأسست لتكون مصنعا عام 1795 وحتى 1882، ثم كبرت وتحولت إلى مدينة "فوروشيلوفغراد" حتى عام 1958، وكان فيها الكثير من سجون ومعتقلات الاتحاد السوفياتي السابق.
تعتبر لوغانسك من أكبر مدن أوكرانيا، إذ تبلغ مساحتها نحو 286 كيلومترا مربعا.
في لوغانسك عدة مناجم ومصانع للآليات، والكثير من الجامعات والمعاهد في مختلف المجالات العلمية والأدبية.
ومن أبرز مدن المواجهات في منطقة لوغانسك، تقع مدينة ألتشيفسك إلى الغرب منها، على مساحة تبلغ 50 كيلومترا مربعا، وقد أسست عام 1895.
هروب الرئيس
فبراير/شباط 2014: بعد هروب الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانوكوفيتش إلى روسيا، وأحداث القرم التي أدت إلى ضمها في وقت لاحق من مارس/آذار من العام نفسه، بدأ في منطقتي دونيتسك ولوغانسك حراك الانفصال أوائل أبريل/نيسان 2014.
سريعا ما انتقل الحراك إلى شكل مسلح، بعد أن استفاقت كييف من صدمة الفراغ الحكومي الذي خلفه هروب معظم المسؤولين في نظام يانوكوفيتش.
ساعد على ذلك سيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا -المناوئين لسلطات كييف الجديدة الموالية للغرب- على المقار الحكومية والمواقع العسكرية في المدن الرئيسية وغيرها.
إعلان الانفصال
مايو/أيار 2014: الإعلان من جانب واحد عن قيام جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين.
لم يعترف أي طرف بهاتين "الجمهوريتين"، لكنهما طمحتا سريعا إلى عضوية الاتحاد الروسي، وحاولتا الوحدة فيما بينهما باسم "روسيا الجديدة"، كما سعتا إلى الاستحواذ على مناطق أوكرانية أخرى شرق البلاد.
شكلت كييف آنذاك ما عرف بـ"عملية مكافحة الإرهاب"، واستطاعت بعد شهور استعادة عدة مدن رئيسية سيطر عليها الانفصاليون (سلافيانسك، كراماتورسك، ماريوبول) فتوقفت -عمليا- أطماعهم التوسعية.
منذ بداية الأمر، أصرت موسكو على اعتبار أن ما يحدث في شرق أوكرانيا "حرب أهلية"، مؤكدة أنها لا تدعم الانفصاليين، وأنها "وسيط" بينهم وبين كييف.
رفضت كييف هذا الأمر، بل تحولت تدريجيا إلى اتهام روسيا بإرسال مسلحين متقاعدين ومرتزقة وأسلحة وعتاد ثقيل لم يكن موجودا في المنطقة، تحت غطاء قوافل كثيرة من "المساعدات الإنسانية" عبر مسافة حدودية خارجة -حتى اليوم- عن سيطرة أوكرانيا، تقدرها كييف بنحو 400 كلم من أصل نحو 2295 كلم هي كامل الحدود البرية والبحرية بين البلدين.
بسيطرة الانفصاليين الموالين لروسيا على تلك المناطق، تحولت إلى نمط الحياة الروسية، بدءا من الاتصالات، ومرورا بالخدمات، وحتى الاعتماد على الروبل الروسي بدلا عن الهريفنيا الأوكرانية، حيث يحصل السكان على رواتب شهرية وتقاعدية بدعم روسي غير معلن.
تغيرات محورية
باتت الحدود البرية -التي تسيطر عليها روسيا- مفتوحة أمام حركة السكان والبضائع في "الجمهوريتين" اللتين أصدرتا "جوازات سفر" خاصة بهما تعترف بها روسيا فقط، لكن التغيرات المحورية التي طرأت على المنطقتين بشكل عام، شملت:
النزوح: بناء على الإحصائيات الرسمية، تفوق أعداد النازحين (داخليا) 1.5 مليون نسمة، بينما تقدر أعداد النازحين إلى روسيا المجاورة بنحو 600 ألف.
التجنيس: تسارع روسيا الخطى بشكل علني لتوزيع جنسيتها على سكان دونيتسك ولوغانسك. وفي يوليو/تموز 2021: أعلن دميتري كوزاك نائب رئيس إدارة الكرملين أن حوالي مليون أوكراني حصلوا على الجنسية الروسية بين عامي 2016 و2020 فقط، بينما ذكر دينيس بوشيلين رئيس "جمهورية دونيتسك الشعبية" أن 400 ألف من السكان حصلوا فعلا على الجنسية الروسية.
التسييس: تغيب مظاهر الحياة السياسية "الأوكرانية" تماما عن المنطقتين اليوم. وفي المقابل، تنشط فيهما عدة أحزاب روسية محدودة الشعبية، لكنها موالية لنظام الحكم في روسيا.
عام الصراع الأول 2014 كان الأكثر سخونة ودموية، وفيه حدثت مأساتان:
إسقاط طائرة ركاب ماليزية من طراز بوينغ 777 فوق دونيتسك، في 17 يوليو/تموز، مما أدى إلى مصرع 298 شخصا كانوا على متنها.
ما حدث في "إيلوفايسك" من مأساة راح ضحيتها 368 جنديا أوكرانيا دفعة واحدة في أغسطس/آب، بقصف نفذه الانفصاليون أثناء عملية انسحاب من البلدة.
وبشكل عام، أدى الصراع المسلح في منطقتي دونيتسك ولوغانسك إلى مقتل 14 ألف أوكراني، من بينهم 8 آلاف جندي، بحسب إحصاءات أممية.
زعماء "الجمهوريتين"
قبل أن تعترف روسيا رسميا باستقلال "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين"، كانت تتعامل معهما في كل مجال تقريبا، عدا حركة الطيران.
في "الجمهوريتين"، تعاقب على الحكم من اتصفوا بشدة الولاء لروسيا، وآخرهم دينيس بوشلين رئيس "جمهورية دونيتسك الشعبية"، وليونيد باسيتشنيك رئيس "جمهورية لوغانسك الشعبية".
ويتردد اسم بوشيلين منذ سنوات بحكم نشاطه واستقرار الأوضاع السياسية نسبيا في دونيتسك، خلافا للوغانسك التي شهدت خلافات كثيرة بين مسؤوليها.