• اخر تحديث : 2024-05-10 13:04
news-details
مقالات عربية

لماذا هذه الحرب؟ وما هي أسباب ودوافع روسيا لشن حربها على أوكرانيا؟ وما الأهداف التي يسعى بوتين لتحقيقها؟ وهل كانت هذه الحرب اضطرارية لروسيا أم حربًا اختيارية؟ فمن المعروف أن الحروب إما أن تكون اضطرارية أو اختيارية.

من الواضح أن روسيا - بصفتها دولة عظمى تجاور حلف الناتو، الذي أسّس أصلًا لمواجهة حلف وارسو - لديها الكثير من المخاوف والهواجس الأمنية، لا سيما في ظل نوايا الناتو المعلنة، وفي ظل سعيه للتوسع شرقًا وضم الكثير من الدول التي كانت جزءًا من حلف وارسو سابقًا، فعوضًا عن عدم تفكيك حلف الناتو بعدما فكك حلف وارسو؛ زاد الغرب من طموحاته وأطماعه شرقًا في محاصرة روسيا والحد من طموحها؛ بل ومحاولات تفكيكها وتأليب بعض الدول التي لا زالت تحت مظلتها، وفرض المزيد من العقوبات عليها وتصنيفها ضمن محور مُعادٍ.

روسيا بوتين، التي ترفض الاستسلام وتطمح لأن تبقى قطبًا دوليًا، كان لا بدّ لها من أن تضمن نفوذًا قابلًا للدفاع، أي منطقة جغرافية عازلة، والحد من تآكل جغرافية نفوذها؛ أوكرانيا بالنسبة لروسيا هي تلك المنطقة، لكن لأسباب كثيرة رفض الغرب الاستماع للمطالب الروسية، ويبدو أن الغرب أراد جرّ روسيا إلى الفخ الأوكراني لاستنزافها ميدانيًا وعسكريًا، ولتبرير شن حرب غربية اقتصادية ودبلوماسية وإعلامية ورقمية، لدحر روسيا وخلع أنيابها وتطويعها لاحقًا، وقد قبلت القيادة الأوكرانية بأن تكون طعمًا لروسيا في الفخ الغربي.

بوتين انزلق للحرب ووقع في الفخ، وكسب عداء الكثير جدًا من العالم، لا سيما وأن الغرب وإعلامه يتمتع بسيطرة كبيرة، فلم يتعلم بوتين درس التاريخ الصعب لكلّ المحتلين مهما كانت المبررات التي يسوقونها لتبرير احتلالهم، وبالأخص عندما يتم احتلال دولة بمساحة أوكرانيا، وفي قلب أوروبا، وتتمتع بدعم غربي مفتوح في كافة المجالات، فروسيا تجد نفسها اليوم في مواجهة مقاومة أوكرانية مسلحة بأفضل الأسلحة الغربية المضادة للدروع والمضادة للطائرات على مساحات جغرافية واسعة جدًا، كما تجد نفسها تواجه حربًا اقتصادية شاملة يشنها عليها الغرب لا قِبل للاقتصاد الروسي بمواجهتها، ولابدّ أنها ستساعد على تأليب الشارع الروسي ضد سياسات بوتين، وهو شارع - على الأقل - غير متحمس لقيادة بوتين.

كما أن العالم الرقمي المسيطر عليه غربيًا بات هو الآخر جزءًا من ماكنة الحرب ضد روسيا، فأسيء وجه روسيا في العالم وتحولت إلى وحش، فيما تحولت أوكرانيا وقيادتها السياسية (المعروفة سابقًا بالطغمة الفاسدة) إلى سندريلا التي تحظى بالتعاطف العالمي، على الرغم من أن الجيش الروسي لم ينزع قفازاته ويحاذر من ارتكاب جرائم ضد المدنيين.

على خلاف حروب أمريكا في العراق وأفغانستان ويوغوسلافيا، وحروب روسيا في الشيشان وفي سوريا، التي كانت تتميز باستخدام الكثير من القوة التدميرية وإيقاع الخسائر الفادحة بين المدنيين والقصف بلا رحمة؛ فإن الجيش الروسي حتى الآن، وبعد أربعة أيام من الحرب، لا زال يتقدم بحذر ويمتنع عن إلحاق الأضرار بالمدنيين وبالبينة المدنية، رغم أن ذلك يتسبب بإلحاق الكثير من الخسائر في صفوفه ويبطئ تقدمه، فحتى الآن لا نراه ينتقم أو يثأر أو يتصرف بجنون، وحتى الآن لم نرَ أبراجًا تسقط أو عمارات تتفجر على ساكنيها للإرهاب وجباية الثمن.

فقط للمقارنة بين الجيش الروسي وبين الجيش الذي يتباهى قادته بأنه "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم"؛ لا زال عدد الضحايا في صفوف المدنيين الأكران - بعد أربعة ايام من الحرب ضد دولة كبيرة يسكنها أكثر من 44 مليون نسمة - لا يتعدى بضع مئات، وهو رقم لا يستهان بهِ، بينما كل عدوان إسرائيلي على قطاع هو أصغر من أصغر مدينة أوكرانية، ولا يمتلك ما يقارن مع القدرات التسليحية الأوكرانية، يجبي الآلاف من الضحايا والكثير من المجازر المتعمدة ضد الأطفال والنساء، بل وكانت دولة الاحتلال تعلن صراحة عن أنها تستخدم القوة الكبيرة للإرهاب ولجباية الثمن والردع. صور القصف المروع لساعة واحدة على القطاع تكفي لأن تتوزع على كل صور القصف على أوكرانيا على مدار الأيام الأربعة.

هناك من كتب عن نهاية التاريخ في أعقاب انتهاء الحرب الباردة بهزيمة وتفكيك الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية، لكن هذه الحرب قد تفتح بوابة كتابة التاريخ على مصراعيها، والحرب الحذرة ضد أوكرانيا قد تتحول إلى حرب شرسة عنيفة مفتوحة على جبهات واسعة، وذلك قبل أن تسلم روسيا بوتين بأيّ تراجع، فمكانة بوتين وطموحاته باتت على المحك، وهو سيكون أقرب للانتحار في ساحات الحرب على الانتحار سياسيًا في ساحات الكرملين.