• اخر تحديث : 2024-07-03 03:33
news-details
تقارير

الحرب في أوكرانيا.. مراقبون وعسكريون سابقون يدعون إسرائيل لترجيح كفة مصالحها على الأخلاق والقيم


تواصل إسرائيل البحث عن السير بين نقاط الأزمة الروسية الأوكرانية دون أن تتبلل وسط بحث عن إمساك العصا من طرفها الأخلاقي ومن طرفها المتعلق بمصالحها فيما يدعو عدد كبير من المراقبين العسكريين والاستراتيجيين الإسرائيليين للاحتفاظ بكفة المصالح.

ويرى معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب أن "العملية العسكرية الروسية" في أوكرانيا تدلل على تصعيد سياسي وعسكري بين روسيا وبين الغرب منوها إلى أن حجم الغزو لم يتضح بعد. ويقول إنه طبقا للتصريحات العلنية الروسية فإن هدف العملية هو نزع سلاح أوكرانيا وتصفية تأثير ونفوذ جهات "قومجية" فيها. ويقدر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن روسيا تتطلع بواسطة تشكيلة من القوة لزعزعة استقرار أوكرانيا وإسقاط نظام الحكم فيها. منوها إلى أن أوكرانيا من طرفها تدعو مواطنيها للدفاع عن النفس وإبداء التكافل وتقف بصلابة أمام روسيا وفي المقابل أعلنت دول شرق أوروبا التي تحد أوكرانيا حالة طوارئ فيما تتسارع وتيرة الأحداث.

نظام عالمي جديد

ويوضح المعهد أن روسيا تطمح لقيادة نظام عالمي جديد تكون فيه لاعبا مركزيا مبينا أنه في إطار ذلك ترد أهمية النفوذ الروسي على المنطقة ما بعد سوفياتية خاصة في أوكرانيا. ويشير المعهد إلى أن مطالب روسيا المطروحة على طاولة المفاوضات مقابل الغرب ما زالت ماثلة على حالها ومن ضمنها عدم انضمام أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي على أن يسحب الأخير قواته العسكرية من مناطق النفوذ الروسية في شرق أوروبا.

وتابع المعهد الإسرائيلي أنه من هنا يستنتج القول إنه كلما استكملت روسيا العملية العسكرية في أوكرانيا وتصعّد الأوضاع يمكن توقع مطالبتها بمؤتمر دولي للتسوية وعندئذ سيضطر الغرب للاستجابة على ما يبدو”. كما يرجح “المعهد” الإسرائيلي أن روسيا تنوي في هذه المرحلة إدارة النزاع العسكري في حدود أوكرانيا دون اجتياز حدودها نحو دول حلف الأطلسي.

وعلى غرار تقديرات جهات إسرائيلية كثيرة يعتقد معهد دراسات الأمن القومي الذي يلهم عادة حكومات الاحتلال في ساساتها العامة، أن عقوبات الغرب تسبب مصاعب كبيرة للاقتصاد الروسي لكنها لا تكفي كي توقف عدوانية موسكو ومنعها من استكمال العملية السعكرية في أوكرانيا.

زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط

كما يرجح المعهد أن روسيا أخذت بالحسبان مسبقا هذه العقوبات الاقتصادية لكن عقوبات إضافية من شأنها المساس بالرئيس بوتين وبمقربيه. ويضيف المعهد: “على خلفية فرض العقوبات ينبغي التطرق لارتفاع أسعار النفط وتأثيراته على الاقتصاد الروسي المعتمد بالأساس على تصدير الوقود. على ضوء كل ذلك روسيا ما زالت تطمح لزيادة ضغوطها على الغرب واستخدامها بوسائل إضافية. هكذا المناورة البحرية الروسية في البحر المتوسط التي تشكّل رسالة أيضا للحلف الأطلسي وهكذا أيضا تصريحات أخيرة في الصحافة الروسية حول الشرق الأوسط والحدود السوري- الإسرائيلي تدلل على الإمكانية بأن روسيا ربما تسعى لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط أيضا.

ومن هنا يستنتج المعهد أن الرد الإسرائيلي الرسمي على ما يجري في رشق أوروبا في الأيام الأخيرة يهدف لإرسال رسالة لروسيا تدعو للحفاظ على النظام القائم في الحدود الشمالية- مع سوريا ولبنان. ويدعو المعهد الإسرائيلي للتنبه للأصوات الصادرة من روسيا نفسها ويشير لبدء احتجاجات داخلية في موسكو ضد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. بالإضافة لذلك يذكّر المعهد برسائل ضباط كبار سابقين في الجيش الروسي دعوا الرئيس فلاديمير بوتين بعدم شن حرب على أوكرانيا ومع ذلك يقول المعهد الإسرائيلي إن تأثير المعارضين الروس للحرب ليس جوهريا في المرحلة الحالية وإن كانت هناك حاجة للإصغاء لهم. ويعتبر أن أحداث 2014 تدلل على أن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا الآن تهدف بالذات لرفع الدعم الداخلي لبوتين.

دوافع بوتين أيديولوجية

من جهته قال مدير عام معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب الجنرال في الاحتياط أودي ديكل إن بوتين ظهر في الماضي بصورة القائد البراغماتي الذي يتقن التكتيك منوها إلى أن قراره بالسيطرة العسكرية على أوكرانيا تنبع من دواع أيديولوجية أكثر مما هي تخطيط استراتيجي يأخذ بالحسبان سلسلة تبعات وانعكاسات مقصودة وغير مقصودة.

ويتابع ديكل في تغريدة: "في كل الصور والفعاليات الدبلوماسية التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا بدا بوتين كقائد وحيد ومنعزل في قمة القيادة الروسية. وحرص على التظاهر بأنه هو الوحيد الذي يتخذ القرارات وصاغ وعيا أمنيا مطلقا في تفعيل القوة نحو أهدافه الداخلية والخارجية بوحي النموذج السوفياتي في فترة جوزيف ستالين. تعود وتتكرر في التاريخ ظاهرة فقدان زعيم مخضرم (يحكم بوتين منذ 22 سنة) القدرة على الفصل بين مآربعه الخاصة وبين احتياجات الدولة ومواطنيها".

تبعات على الحرب مع إيران

في تغريدة أخرى قال ديكل عن تأثيرات محتملة للأزمة في شرق أوروبا على الشرق الأوسط: "علينا أن نكون جاهزين لانعكاسات الوضع في أوكرانيا على منطقتنا ولقيام روسيا بتغيير قواعد اللعبة في الجبهة الشمالية والتقارب مع إيران. الواضح أن الشرق الأوسط يحترم القوي ومن يستخدم القوة لا الدبلوماسية والعقوبات والتصريحات الفارغة".

وعلى خلفية ذلك يدعو ديكل إسرائيل لإبداء عدم ارتداعها عن مواصلة العمل في سوريا ضد التموضع الإيراني فيها لأن الإيرانيين يستغلون عمليا الفرصة من أجل إرسال أسلحة لسوريا ولبنان. وحتى بوتين سيحترمنا أكثر بحال كنا غير متلعثمين ونبدي عدم خوفنا من التحرك”. كما قال ديكل إن “الدول السنيّة” تمتاز بالتقلبات وهي تسير مع من يلائمها في الفترة المعطاة منبها إلى أنها تفقد بقية الثقة المتآكلة أصلا بالولايات المتحدة كجهة يعتمد عليها. ولذا يقول زميله في المعهد دكتور يوئيل جوجانسكي إن حليفات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تراقب الأحداث في أوكرانيا وسط خوف من عدم وقوفها لجانبها مستقبلا بحال واجهت تهديدات مشابهة.

الجانب الصحيح من التاريخ

وتفاوتت مواقف المراقبين العسكريين والاستراتيجيين في إسرائيل حيال هذه الحرب لكنها بمعظمها تؤيد انحياز إسرائيل لمصالحها ومواصلة التهرب من موقف واضح فيقول الجنرال في الاحتياط الداد شافيط في هذا المضمار: "بالنسبة لإسرائيل اعتقد أنه يجب ألا تجلس جانبا. تاريخيا، قيّميا وسياسيا نحن لا نستطيع أن نقف لجانب الطرف غير الصحيح من التاريخ".

ويعتقد الجنرال في الاحتياط الباحث في المعهد الداد شافيط أن هناك رواية تقول إن بوتين هو القوي الآن والغرب هو الضعيف مشككا بذلك بالقول: "تدحرج بوتين نحو هذه العملية وعمليا هو حشر في هذه الزاوية ولا أحد يعلم كيف تنتهي هذه العملية العسكرية”. في تغريدة أخرى ينضم شافيط لانتقادات إسرائيلية غير رسمية للغرب بقوله: “يتعامل الغرب مع الوضع بطريقة خطيرة-هذا ليست خطوة صغيرة، هذه ليست شبه جزيرة القرم. بوتين لا يستطيع أن ينهي هذا الفصل إلا بحال ركع الغرب على ركبتيه أو يثبت نظام دمى حاكم في أوكرانيا. بادين يرى الأحداث كامتحان للقيادة. سلفا قالت واشنطن إنها لن ترسل قوات لأوكرانيا لكنها تعزز جاهزيتها العسكرية في دول حلف الأطلسي فيما يدرك الروس أنه بحال تدحرجت الأحداث إلى دول البلطيق ستتحول الحرب لحرب مباشرة مع الولايات المتحدة".

دعم الصين

ويقول عوديد عران الباحث في المعهد السفير الإسرائيلي السابق في عدة دول آخرها الأردن إنه ينبغي الذكّر بأن إسرائيل لاعب ثانوي وعليها عدم اتخاذ موقف. ويضيف في تغريدة "ربما تطالب الولايات المتحدة وأوروبا أن نبدي موقفا واضحا أكثر يميل نحو الغرب لكن على إسرائيل عدم اتخاذ موقف واضح جدا. منظومة الاعتبارات الإسرائيلية مركبّة ويجب أن تأخذ بالحسبان حضورا روسيا في المنطقة خاصة في سوريا وكذلك العلاقة بين روسيا وإيران وأيضا يهود روسيا".

وفي تغريدة ثانية قال عران إن الغرب لا يملك خيارا عسكريا ويعلن ذلك منوها إلى أن الإسرائيليين يدركون أن هناك أوضاعا لا يمكن فيها مواجهة تهديد دون جواب عسكري”. ويشير عران إلى أن الصين تمنح الدعم الاقتصادي لروسيا مذكّرا باستعدادها لاقتناء غاز ونفط روسيا بحال طالت العقوبات الغربية سوق الوقود الروسي.

أطماع بوتين

من جهته قال الجنرال في الاحتياط أساف أوريون إنه "قبل أن يدلي بوتين بأي تصريح كان واضحا أن روسيا تهدف إلى حسم الجيش الأوكراني واستبدال نظام الحكم في أوكرانيا".

في تغريدة أخرى أشار أوريون لوجود تحد كبير أمام الغرب الذي فشل منع اجتياح روسيا لأوكرانيا بواسطة تهديدات اقتصادية، ويضيف "هذا تحدي لحلف شمال الأطلسي أيضا ولأمن أوروبا كافتها". ودعا أوريون إسرائيل للتنبه لما يجري في سوريا الآن ولاحتمال تغير السياسات الروسية فيها عقب الحرب في أوكرانيا.

وقالت الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي الدكتورة كارميت فلانسي إن التصعيد في أوكرانيا يشكّل اختبارا هاما لصيانة العلاقات بين إسرائيل وبين الحكم  بسبب التدخل الروسي في سوريا بالأساس. معتبرة أن المصلحة الإسرائيلية المركزية تكمن بصيانة حرية الحركة للطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية مما يحتم على إسرائيل التزام سياسة حذرة حيال روسيا، وتضيف “هكذا يمكن فهم التنديد الإسرائيلي الخفيف وقبل ذلك القرار بالامتناع عن بيع بطاريات القبة الحديدية لأوكرانيا”. وبالنسبة لفالانسي فإنه من المبكّر بلزرة رؤية لكن من الواضح أن روسيا تستغل الرافعة السورية جيدا مقابل إسرائيل بل مقابل الولايات المتحدة.

اتفاق فينا

وترى زميلتها الباحثة سيما شاين أنه حتى الآن لا توجد تبعات للحرب على مباحثات النووي في فينا مرجحة عدم وجود مصلحة لروسيا بتمكين بادين بالتوصل لاتفاق نووي ويتوقع حصول تأخير يحول دون إحرازه خاصة أن الوضع الراهن يعطي لإيران ذريعة للماطلة وكسب الوقت.

وترى الدكتورة غاليا ليندشتراوس الباحثة في “المعهد” في تغريدة أن الحرب في أوكرانيا تحشر تركيا في موقف مركّب فمن جهة هي تدعم الحفاظ على سيادة أوكرانيا التي ترتبط معها بعلاقات تعاون أمني مهمة ومن جهة أخرى تملك روسيا رافعات ضغط جوهرية عليها.

وفي تغريدة ثانية تقول ليندشتراوس إن المعضلة الماثلة أمام تركيا تكمن بأن روسيا واحدة من الدول المركزية التي تزودها بالوقود علاوة على الحنطة المستوردة من روسيا وأوكرانيتا ناهيك عن أهمية السياحة الروسية، معتبرة أيضا أن الدور الروسي في سوريا عاملا رادعا لأنقرة.