كيفما نظرنا إلى هذا، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا لا يبشر بخير للمصالح الإسرائيلية، التي أساسها منع تحول إيران النووي والتموضع الإيراني في سوريا.
سطحياً، مع أن إسرائيل تعلن على رؤوس الأشهاد بأنها تعارض الاتفاق بشدة لأنه مليء بالثغرات، وبعد بضع سنوات سيسوغ النووي الإيراني؛ لكن جهاز الأمن فيها، عملياً، وفي الأحاديث المغلقة، تأمل في توقيع الاتفاق بسرعة كي يتوقف الاندفاع الإيراني نحو النووي ويكون تحت الرقابة، وإن لزمن قصير. وكانت الخطة الإسرائيلية هي استغلال نافذة الفرص الناشئة للسماح لجهاز الأمن بكسب الوقت، بهدف استكمال الاستعدادات لعملية عسكرية محتملة في إيران. أما التطورات الأخيرة في أوكرانيا فتضع علامة استفهام كبيرة على التوقيع على الاتفاق النووي، وثمة افتراض بأن فرض عقوبات شديدة على روسيا سيقلص استعدادها للتعاون مع الغرب في الموضوع النووي الإيراني.
إن نجاح روسيا في أوكرانيا كفيل بأن يعطي ريح إسناد لقبضتها في الشرق الأوسط أيضاً، في الوقت الذي تتعلق فيه إسرائيل بقدر ما بنية طيبة لموسكو لمواصلة عملها الهجومي ضد أهداف إيرانية في سوريا. حرصت إسرائيل في السنوات الأخيرة على عدم المس بالمصالح الروسية في المنطقة. هذا لم ينجح دوماً، والعلاقات بين روسيا وإسرائيل بالنسبة لنشاط الجيش الإسرائيلي في سوريا شهدت ارتفاعات وهبوطات في السنوات الأخيرة.
لكنه أمر ليس مضموناً إلى الأبد. فقبل بضعة أسابيع، أجرت طائرات قتالية روسية جولة مشتركة مع طائرات سورية بعثت تساؤلات فيما إذا كانت محاولة روسية للتضييق على خطى إسرائيل في المجال الشمالي. عملياً، كما أفادت وسائل الإعلام الأجنبية، فإن الجولة الروسية – السورية لم تعرقل حرية العمل الإسرائيلية في سوريا. كل هذا سيكون في علامة استفهام الآن، وبخاصة بعد أن اختارت إسرائيل جانباً ووقفت إلى جانب أوكرانيا.
في ضوء كل هذا، حاولت إسرائيل مؤخراً السير بين القطرات كي لا تغضب الروس، وأن تحافظ على حرية العمل الإسرائيلية في سوريا. غير أن إسرائيل نشرت عشية الغزو الروسي لأوكرانيا بيان تأييد لأوكرانيا-ولم يتأخر الرد الروسي: فقد أوضحت موسكو بأنها لا تعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان.
بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، قررت إسرائيل تشديد النبرة؛ ففي بيان للإعلام أفاد وزير الخارجية يئير لبيد: "الهجوم الروسي على أوكرانيا خرق خطير للنظام العالمي. إسرائيل تشجب الهجوم وتستعد لتقديم مساعدة إنسانية لمواطني أوكرانيا".
يمكن القول بأن فكرت أوساط وزارة الخارجية بما تقوله، إذ إن الروس – المعروفين أنهم لا ينسون ولا يغفرون – كفيلون بتغيير سياستهم تجاه حرية العمل الإسرائيلية في سوريا والشرق الأوسط كله. في مثل هذه الحالة، تجد إسرائيل نفسها في مشكلة كبيرة بسبب التحول النووي الإيراني الذي لن يتباطأ بواسطة الاتفاق وبسبب التضييق على خطواتها والمس بحرية عملها في المجال الشمالي.