فتح "الغزو" الروسي لأوكرانيا أبواب التساؤل حول مدى انعكاس الوضع على الجزائر، وهي التي تعتبر الزبون الوفي لروسيا من حيث الأسلحة ثم القمح، وأيضاً أوكرانيا، غير أن رفع كميات الغاز الموجه لأوروبا لتعويض الروسي يبقى تحدياً يخفي عدة تفسيرات.
تهامس حول تعويض الغاز الروسي
ويتهامس المتابعون حول تأثير الحرب الروسية الأوكرانية في الحليف الجزائر، وأمام "الصمت" الدبلوماسي المطبق بخصوص التطورات الحاصلة بين البلدين، يهتز الاقتصاد العالمي على جميع المستويات المالية والتجارية والصناعية والطاقة، إذ تعرف أسعار القمح والغاز والبترول ارتفاعات غير مسبوقة، ما يجعل الجزائر بين الارتياح والتخوف.
وفي حين أن عين أوروبا على الجزائر لتعويض الغاز الروسي بفضل احتياطاتها الضخمة وقربها الجغرافي، إذ تعتبر ثالث أكبر مصدر للغاز الطبيعي للاتحاد الأوروبي بعد روسيا والنرويج، ومورد غاز رئيساً لكل من إيطاليا وإسبانيا، ما سيوفر لخزينة الدولة مداخيل ضخمة، إلى جانب ارتفاع أسعار النفط التي تجاوزت الـ100 دولار للبرميل.
يطرح المراقبون في المقابل استفهامات حول مدى قبول موسكو بأن تلعب الجزائر دور رجل الإطفاء الذي ينقذ أوروبا من التجمد وقطع إمدادات الغاز الروسي، ما قد يؤثر في العلاقات الجزائرية الروسية، ولو أن ذلك يبقى مستبعداً تحت أي ظرف في الأقل خلال هذه الفترة الزاهية بين البلدين، وهو ما شرحه المحلل الاقتصادي سيريل فيدرشهوفن، مؤسس شركة "فيروكي" للاستشارات، بالقول إن الجزائر تواجه موقفاً صعباً، مضيفاً أنه إذا أرادت الجزائر الاستمرار كمصدر رئيس للطاقة، عليها مساعدة أوروبا، وهذا أمر منطقي، لكن في المقابل ستهدد الخطوة خطط تعميق علاقاتها مع موسكو.
غذاء الجزائريين
روسيا وأوكرانيا لهما ثقل دولي في إنتاج الغذاء والحبوب الأساسية، بخاصة القمح والذرة والشعير وزيوت الطعام، ويمكن وصفهما بأنهما سلة غذاء العالم، إذ تتربع روسيا على مقعد أكبر مصدر للقمح في العالم، ورابع أكبر مصدر للذرة، فيما تمثل أوكرانيا رابع أكبر مصدر للقمح وللذرة الصفراء على مستوى العالم، وقد صدرت الدولتان 30 في المئة من القمح المتاح للتجارة العالمية في سنة 2020، وصدرت أوكرانيا وحدها 17 في المئة من كمية الذرة والشعير المتاحة للتجارة العالمية في ذات السنة، لكن ما يلفت الانتباه هو "ابتلاع" المنطقة العربية ما يقارب 40 في المئة تقريباً من شحنات الذرة والقمح الأوكراني، بينما تعتبر روسيا مصدراً رئيساً وتاريخياً للقمح باتجاه مصر وغيرها من دول المنطقة بما فيها الجزائر التي "طلَّقت" القمح الفرنسي الذي كانت تعتمد عليه بشكل أساسي.
وارتفع سعر القمح في اليوم الأول من الغزو، بشكل غير مسبوق، وبلغ نحو 384 دولاراً للطن الواحد، مقابل حالة جفاف تهدد الجزائر تضاف إلى تداعيات جائحة كورونا.
نقمة قد تحمل الكثير من النفع
وفي السياق، ترى أستاذة العلاقات الدولية، عابر نجوى، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن إطلاق عملية عسكرية بهذا الحجم تثبت إرادة روسيا في الزحف شرقاً لاسترجاع جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق التي اقتطعت منه أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وقالت إن تحدي روسيا للغرب وحلف الناتو والتوجه إلى توظيف القوة الصلبة بهذا الشكل يحمل الكثير من الرسائل، لعل أهمها حالة الضعف التي باتت ملازمة لدول حلف الشمال الأطلسي الذي يبقى عاجزاً عن صياغة قرار يستطيع ثني روسيا عن التقدم، مشددة على أن من أهم انعكاسات الغزو ارتفاع أسعار الغاز الذي ستوظفه موسكو لزيادة الضغط على أوروبا التي تعتمد على 40 في المئة من الغاز الروسي لتغطية حاجتها منه، ما يوفر فرصة للجزائر للاستفادة من هذه الطفرة في الأسعار.
وتعتبر نجوى أنه بالنسبة إلى حاجة الجزائر من القمح، إذ كانت أوكرانيا من بين أهم الموردين لهذه المادة، يبدو التوجه لرفع المنتوج المحلي أو إيجاد مورد آخر قادر على تغطية الاحتياجات كبديل مقبول في حال استمرار حالة الحرب، مبرزة أن الحرب كما أنها نقمة قد تحمل الكثير من المنافع لأطراف أخرى، وتبدو حالة الحرب المتفجرة فرصة لجني العديد من المكاسب بخاصة فيما يتعلق بارتفاع أسعار الغاز، فضلاً عن حاجة الغرب وأميركا إلى توفير مصادر بديلة عن الغاز الروسي، الأمر الذي يفتح هامشاً مريحاً للمقايضة والتفاوض بشأن العديد من الملفات العالقة التي تهم الجزائر، وختمت حول رد فعل روسيا في حال قبول الجزائر مساعدة الغرب بالغاز، أن التحالف لا يعني قطع جميع خيوط التعاون والتواصل، فالتفاهمات والمقايضة والتنسيق دائماً حاضرة.
لا تداعيات... ولكن
من جانبه، يعتقد أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبد القادر عبد العالي، أنه إذا بقيت الأزمة مقتصرة على ميدان المعركة في أوكرانيا، فلن تكون هناك تداعيات ذات شأن على الجزائر، لكن في حال طال أمد الحرب وتوسع نطاقها، وتم توجيه عقوبات تجارية ضد روسيا، يمكن أن تتأثر الجزائر والدول التي لها علاقات تجارية وتسليحية مع روسيا، بل وبقية العالم بالإمدادات التكنولوجية والغذائية ذات المصدر الروسي والأوكراني، وسينعكس ذلك أيضاً بصفة مباشرة على اضطرابات كبيرة في أسواق المواد الغذائية عالمياً، مشيراً إلى أنه يمكن للجزائر الاستفادة من الوضع بصفة غير مباشرة، من خلال ارتفاع أسعار الغاز والبترول، وقال إن هذه الحرب يمكن أن تأتي بمفاجآت غير منتظرة إذا تم تصعيد المواقف بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين من "الناتو" من جهة، وروسيا من جهة أخرى.
ويواصل عبد العالي أن الجزائر ستضطر إلى إيجاد بدائل أخرى مثل فرنسا وكندا في مجال الواردات الغذائية، مقابل ارتفاع الطلب على الغاز الجزائري في حالة استمرار الحرب، لكن هي احتمالات تظل مستبعدة على ضوء الواقع المحدود في أوكرانيا، مضيفاً أن الجزائر قد تتأثر على مدى أشهر مقبلة من حيث الإمدادات الغذائية والتسليح، غير أنه يمكن تعويض ذلك نظراً إلى أن روسيا لا تعد شريكاً تجارياً استراتيجياً للجزائر مقارنة بالصين وفرنسا وإيطاليا.