كشفت العملية الروسية على أوكرانيا عنصرية الدول الأوروبية بأبشع صورها، كما كشفت عنصرية معظم وكالات الأنباء. وبانت الأمم المتحدة على حقيقتها وأكدت عنصريتها وازدواج المعايير لديها في التعامل مع القضايا الإنسانية.
سبعة أيام فقط من معاناة الأوكرانيين والأجانب الذين يعيشون في أوكرانيا دفعت الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش ان يناشد العالم باسم الإنسانية لمساعدة اوكرانيا؛ علمًا بأن المدن الأوكرانية وحتى العاصمة أو أي مبنى مدني لم يتعرض للغارات الجوية العنيفة الروسية. فحتى اليوم الاهداف كلها عسكرية ويتوسع بنك الأهداف وتتصاعد كثافة القصف مقارنة مع التصعيد الأمريكي الأوروبي وحلف الناتو في إجراءاته.
ويبدو أن 7 سنوات من العدوان على اليمن لم تحرك تلك الإنسانية التي لا يملك غوتيريش اية ذرة منها. فأطلق "نداءً ًإنسانيًا" بتوفير مبلغ مليار و651 مليون دولار "لتلبية الاحتياجات المتصاعدة للمتضررين من العمليات العسكرية الروسية داخل أوكرانيا، وللنازحين إلى دول الجوار.
جاء ذلك في اجتماع أممي شارك فيه عبر دائرة تلفزيونية وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، ومفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، وعدد من ممثلي الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، وقال غوتيريش في كلمته خلال الاجتماع: "منذ الأسبوع الماضي، انزلقت أوكرانيا في حالة من الفوضى، وانقلبت المنطقة رأسا على عقب".
لكن غوتيريش تناسى مأساة الشعب اليمني؛ حيث يعاني حوالي 30 مليون يمني خطر الموت جوعًا إذا نجوا من غارات الغدر لتحالف العدوان. كما أنه لم يتحرك قيد انملة لفك الحصار الجائر لمفروض من قبل تحالف العدوان على المنافذ اليمنية البرية، البحرية والجوية. كما ان الأمم المتحدة لم تتدخل لمنع احتجاز السفن التي تحمل تصاريحها مما يؤكد تآمرها مع تحالف العدوان.
ولقد عاينا حقارة وعنصرية معظم وكالات الأنباء وشبكات التلفزة إلى جانب دول جوار اوكرانيا الذين تعاملوا بعنصرية لا مثيل لها؛ حيث التعامل كان حسب الجنسية، لون البشرة وليس على أساس إنساني. وتذكرني هذه الحمية والعنصرية للدول الأوروبية في مشهد مختلف ومناقض له بنسبة 180 درجة: حيث كانت مشاعرهم متجمدة كليًا حين نفذ الصرب مجازر بحق المسلمين في البوسنة والهرسك وذلك لعنصريتهم ضد الإسلام والمسلمين. فهذه الدول الأوروبية التي تدّعي الحضارة والإنسانية؛ فصلت عنصريًا أصحاب البشرة الملونة عن الاوكرانيين، ووضعتهم في مخيمات تفتقر إلى أدنى وسائل العيش الكريم. وذنبهم الوحيد أن عيونهم ليست زرقاء، بشرتهم قاتمة، وشعرهم ليس أشقرًا مع العلم بأنهم كانوا يعيشون في أوكرانيا. فالمعاناة كانت مشتركة مع اصحاب البشرة البيضاء ولكن العنصرية تفرض التمييز في التعامل.
فعلى الأمم المتحدة ورؤساء الدول الأوروبية والذين يدَّعون الحضارة أن يعودوا بالوراء إلى حوالي 1400 سنة هجرية ليتعلموا معنى الإنسانية وكيفية التعامل الإسلامي مع الغير. فحين عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر بحكم مصر أوصاه بعدة وصايا في كيفية التعامل مع أهل مصر في كافة الجوانب ويسمى "عهد الأشتر". ومن أهم الوصايا: "الناس صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق". وتعتبر هذه المقولة من أعظم وأرقى ما قيل في التعامل الإنساني منذ أكثر من 1000 عام.
وفي العودة إلى اليمن أنقل إليكم آخر ما قاله المسؤولون الأمميون لتتأكدوا من عنصرية الأمم المتحدة وازدواجية المعايير لديها:
1. برنامج الأغذية العالمي يضطر إلى تقليص المساعدات الغذائية في اليمن، ويحذر من تأثير ذلك في ظل ارتفاع معدلات الجوع. وحذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة اليوم من نفاد الأموال اللازمة لمواصلة تقديم المساعدات الغذائية إلى 13 مليون شخص يدعمهم في اليمن. واعتبارًا من شهر يناير/كانون الثاني، سيحصل ثمانية ملايين شخص على حصص غذائية مخفضة، بينما الخمسة ملايين شخص المعرضين لخطر الانزلاق في ظروف شبيهة بالمجاعة، سيظلون يحصلون على حصص كاملة.
2. حذر برنامج الأغذية العالمي، يوم الخميس بتاريخ 24 فبراير/شباط 2022، من أن 13 مليون يمني قد يواجهون المجاعة بسبب الصراع الأهلي الذي طال أمده ونقص التمويل اللازم للمساعدات الإنسانية.
وقالت الأمم المتحدة: 16 مليون يمني يسيرون نحو المجاعة. وقال المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي في مقابلة مع "أسوشيتدبرس"، إن اليمن "في وضع سيء للغاية". وأضاف: "نقوم بإطعام 13 مليون شخص في بلد يبلغ عدد سكانه 30 مليون نسمة، وأموالنا نفدت". وقال: "لدينا الآن ضعف عدد الأشخاص الذين يعانون في جميع أنحاء العالم. بالتالي، ماذا سأفعل لأطفال اليمن؟ هل أسرق من الأطفال في إثيوبيا أو أفغانستان أو نيجيريا أو سوريا؟ هذا غير صائب".
وأوضح بيزلي، أن وكالته اضطرت إلى خفض الحصص الغذائية إلى النصف لثمانية ملايين يمني بسبب نقص التمويل. وقال: "ربما نقوم بتخفيضها إلى الصفر. ما الذي تعتقدون حدوثه؟ سيموت الناس، ستكون كارثة".
فهل تأكدتم الآن من عنصرية وازدواجية المعايير لدى الأمم المتحدة والدول الأوروبية. فالأمم المتحدة هي أرفع جهة دولية من المفترض أن تنفذ مهامها وتعالج المشاكل بغض النظر عن جنسية أو لون البشر.
وإن غدًا لناظره قريب