للحرب على الشعبين السلافيين في روسيا وأوكرانيا رؤوس عديدة أعدها الغرب الانغلوساكسوني بالتعاون اللصيق مع الصهيونية العالمية وسارت فيها الدول الغربية مرغمة، احد هذه الرؤوس كان استهداف الكنيسة الارثوذكسية الروسية رمز الوحدة الروحية بين السلافيين فتوجب تحطيم هذا الرمز وتشويهه.
خصص البيت الأبيض غرفة سوداء خاصة للإشراف على تدمير الارثوذكسية وتفتيتها في روسيا تمهيدا لاخضاعها وجعلها اداة، كما السلطة السياسية في أوكرانيا، لبعض موظفي سفارة الولايات المتحدة في كييف. بدأ العمل بهذه الخطة منذ زمن بعيد، إلا أن تكثيف الجهود عليها حصل بعد العام 2005 وبدأت الضغوط تتزايد بشكل تدريجي على الكنيسة الارثوذكسية الاوكرانية لفصلها عن الكنيسة الارثوذكسية الروسية والتي بلغت ذروتها في العام 2008 أثناء احتفالات الذكرى الـ 1020 لتنصير روس على نهر الدنيبر لكنها فشلت حينها.
الان عادت لتمد برأسها منذ أكثر من سنتين، فتم اغراق الشركة المسيحية الأرثوذكسية في جميع أنحاء العالم في أزمة، بسبب قرار بطريرك القسطنطينية برثولوميو الأول الاعتراف بـ "أساقفة" غير مكرسين قانونيا شكل منهم كنيسة انشقاقية، لعنتها الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية الشرعية المعترف بها عالميا، هذا الاعتراف جرى بسعي من رئيس البلاد حينها بيوتر بوروشينكو صاحب المذهب اليهودي وبتدبير وترتيب من الإدارة الأميركية ومن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو تحديدا وفريقه وعلى رأسه السفير جيفري بيات. هذه الخطوة الحقت ضررا جسيما بالوحدة العالمية للعقيدة الرسولية الأرثوذكسية القديمة التي تعود إلى ألفي عام، لا بل إنها مهدت الطريق للصراع الديني العنيف بين الأخوة في أوكرانيا وانتقلت الى العالم الأرثوذكسي بأسره، وكأنه أريد من هذه المؤامرة، أن تحدث شرخا وجرحا لا يلتئم بين الأشقاء الأرثوذكس، وقد نجحوا بذلك حتى الآن على الأقل.
لقد بدأت بعض الدوائر الغربية بحملة تشويه سمعة الكنيسة الارثوذكسية الروسية التي تحافظ بقوة على الشهادة الأخلاقية للمسيحية الارثوذكسية التقليدية وتعتبر منارة لها، وسعى هؤلاء للنيل منها مستعينين ببعض الذئاب المتلبسين ثياب حملان.
لقد دفعت هذه الأوساط الغربية لدعم الفصل الديني والعنصري في داخل الكنيسة الأوكرانية وراحت تشن عليها هجوما هو الأشرس معتبرة بذلك أنها تنفذ هجومًا روحيًا ضد روسيا والأرثوذكسية عموما. كما أن هذه الدوائر سعت وعبر عزفها على "الخيار الأوروبي" الذي يُفترض أن شعب أوكرانيا اتخذه في عام 2014، الى وسم هذا الشعب ببعض التدابير اللأخلاقية المصاحبة التي يطلبها الغرب والتي لا يمكن لها أن تسود في المجتمع الأوكراني المحافظ إلا بتدمير الأرثوذكسية. هذه التدابير المطلوبة غربيا هي تسيد وفرض فكر وزواج "المثليين" والذي لقي اعتراضات مسيحية في المدن الأرثوذكسية مثل أثينا، بلغراد، بوخارست، كييف، أوديسا، بودغوريتسا، صوفيا، وتبليسي وبالطبع في موسكو. وتواصل إدارة الولايات المتحدة بقوة وعزم بالتحالف مع أتباعها في الإتحاد الأوروبي، الضغط على الدول المنتزعة من الحضن الشيوعي في أوروبا الشرقية لتبني مثل هذه "القيم الأوروبية الديمقراطية" العدمية.
وربما كان الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للمبادرين، هو الدفع بالخلاف حول أوكرانيا للوصول إلى كسر ما يرون أنه "القوة الناعمة" للإتحاد الروسي، الذي تمثل الكنيسة الأرثوذكسية قلبه وعقله الروحيين. ومن هنا يظهر الهدف الحقيقي من السعي وراء شق الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية الذي هو في واقع الأمر استكمالا للانقلاب السياسي الذي حدث في العام 2014، وتسميم العلاقات بين أوكرانيا وروسيا.
للوصول إلى هذا الهدف وجُب من الناحية الأخلاقية إهانة المسيحية الأرثوذكسية؛ ومن الناحية السياسية تقويض الدولة الروسية باعتبارها الحامي التقليدي القوي للأرثوذكسية. ومن الواضح والجلي أن إدارة الولايات المتحدة وتحديداً وزارة الخارجية أصبحت محرضًا عمليًا على هذا الصراع. وقد أشارت إلى ذلك أكثر من مرة عبر تصاريح رسمية صادرة عن الخارجية الأميركية او عبر تدخلها المباشر مع الكنائس المحلية الأرثوذكسية وإدارات دولها السياسية للضغط عليها، أو عبر الزيارات المتكررة لوزير خارجيتها بومبيو وفريقه الى مراكز القرار الارثوذكسي، او من خلال تدخل سفيره جيفري بيات الذي انتقل من كييف بعد افتعاله للإنشقاق، إلى اليونان للإشراف على تفعيله.
على أن تدخّل وزارة الخارجية الأميركية لم يقتصر فقط على التخطيط والإرشاد والتنسيق وتقديم النصائح وحسب، فقد قام مسؤولون في وزارة الخارجية الأميركية (من بينهم وزير الخارجية بومبيو شخصيًا) عشية شق الكنيسة الأوكرانية بتحذير أبرشية أميركا اليونانية الأرثوذكسية (ومقرها أيضًا في نيويورك وهي جزء من البطريركية المسكونية) من أن الحكومة الأميركية كانت على علم بـ "فقدان" مبلغ كبير من المال حوالي 10 ملايين دولار من مبلغ يقدر بـ 37 مليون دولار تم جمعها من مؤمنين لإعادة بناء كنيسة القديس نيقولاوس للروم الأرثوذكس في نيويورك التي تهدمت بعد انفجار 11 ايلول الإرهابي في العام 2001. وبحسب ما ورد أشار تحذير وزارة الخارجية إلى أن المدعين الفيدراليين لديهم أدلة موثقة تؤكد سحب هذه الأموال بناءً على أوامر البطريرك المسكوني بارثولوميو. واقترح أن الوزير بومبيو "سيغمض عينيه" عن هذا "التسرب" المالي، مقابل تحرك بطريركية القسطنطينية لصالح "الاستقلال" الكنسي الأوكراني، مما ساعد على رضوخ البطريرك بارثولوميو وإقناعه بالسير وفق الإرشادات الأميركية.
ومن المعروف أن القديس نيقولاوس العجائبي، يحظى بشعبية كبيرة لدى اليونانيين باعتباره شفيع البحٌارة. وقد أطلقت الأبرشية اليونانية بالتعاون مع الجالية اليونانية الغنية في الولايات المتحدة الأميركية في العام 2011 حملة واسعة لجمع الأموال، وقُدم تصميما مبتكرا رائعا للمهندس الإسباني الشهير سانتياغو كالاترافا لبناء الكنيسة ومجمعها الكبير وفق الأشكال البيزنطية التقليدية. جمعت الملايين وبوشر البناء، ثم وفجأة في كانون الأول من العام 2017 توقفت جميع أعمال البناء بسبب نقص الأموال، وعلى الرغم من دعوة الأبرشية لشركة محاسبة كبرى لإجراء تدقيق، لم تكن هناك إجابات واضحة لما حدث للمال وقد انتقلت التحقيقات الى مكتب المدعي العام الأميركي وسلطات ولاية نيويورك التي كما يبدو توصلت الى اجابات شافية في هذا الموضوع !!!
من هذا المكان بالذات عثرت وزارة الخارجية الأميركية على الزر الصحيح للضغط وتحفيز البطريرك بارثولوميو على التحرك في مسألة شق الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية والإساءة الى الكنيسة الارثوذكسية الروسية. وللعلم فإن أبرشية قداسة البطريرك بارثولوميو في وطنه تركيا لا تتعدى بضع مئات من اليونانيين المسنين المتجمعين في حي فنار بإسطنبول. وأيا كان تمويل البطريركية، فإن شريان الحياة المالي للفنار هو الجاليات اليونانية في الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا ونيوزيلندا.
علاوة على ما سبق، يبدو الآن أن اليد المباشرة لوزارة الخارجية الأميركية في هذا العمل الدنيء ربما لم تكن مجرد استخدام "عصا" التهديد القانوني، هناك سبب للاعتقاد بوجود "جزرة" أيضًا فقد خرج الى العلن ما يشبه الفضيحة حيث ذكر انه تم دفع مبلغ 25 مليون دولار من أموال الحكومة الأميركية إلى القسطنطينية لتشجيع البطريرك بارثولوميو على المضي قدمًا في أوكرانيا. كما وردت تقارير إعلامية تفيد بأن نفس الرقم 25 مليون دولار تلقاه الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو من رجال أعمال اوكران لتقديمه إلى الفنار كحافز للبطريرك بارثولوميو لإنشاء كنيسة أوكرانية مستقلة. لكن بوروشنكو لم يوصل كامل الأموال إلى البطريرك، فخلال زيارته للفنار في 9 نيسان 2018، سلم بوروشنكو 10 ملايين دولار فقط للبطريرك واحتفظ لنفسه بـ15 مليون دولار الباقية، إلا أن البطريرك بارثولوميو سرعان ما علم بالصفقة، فألغى مشاركة وفد البطريركية المسكونية في احتفالات الذكرى 1030 لمعمودية روس في 27 تموز العام 2018 في كييف.
لم يكن مثل هذا القرار من جانب بارثولوميو سوى إنذار قوي لبوروشنكو لإعادة الأموال المسروقة. بالطبع كان الرئيس الأوكراني السابق بيوتر بوروشينكو مضطرًا إلى إعادة 15 مليون دولار أميركي إلى بطريرك القسطنطينية والتي كان قد خصصها لنفسه. ونتيجة لذلك أعطى بارثولوميو موافقته أخيرًا على إرسال وفد من الفنار إلى كييف ...
عندما عرض بوروشنكو على البطريرك بارثولوميو 10 ملايين دولار، كان الأخير يدرك أن المبلغ الكامل هو 25 مليون دولار وطالب بوروشنكو بكامل المبلغ. كيف عرف البطريرك الرقم الحقيقي لو لم يبلغ بذلك عن طريق نيويورك !؟!
دون الخوض في جميع التفاصيل، تتمتع الفنار والأبرشية اليونانية في الولايات المتحدة بعلاقة طويلة ملتبسة مع الإدارات الأميركية تعود على الأقل إلى إدارة ترومان، وتشمل بعض المراحل غير الجديرة بالعرض.
وكما يقول أحد الروابط اليونانية الأميركية: "من السهل أن نفهم رضوخ البطريركية لضغوط ابتزاز وزارة الخارجية ولكن ان تشتري السلطات الحاكمة في كييف طرس الإنشقاق فإن ذلك سيترك المؤمنين عرضة للبيع والشراء لمن يدفع أكثر! "
فهل أن هذه التجارة هي التي دفعت لاعتماد اللغة المتعجرفة والمتعالية من قبل بطريرك القسطنطينية واعتباره لنفسه سيدا مطلقا يأمر وينهي في كل بطريركات العالم الارثوذكسي، ما أوصل الأوضاع في هذا العالم إلى درجة عالية من الخطورة.
يبدو أن القسطنطينية، في الوقت الحالي على الأقل، لا تنوي إنشاء كنيسة أوكرانية مستقلة، بل وضعها تحت سلطتها. وليس من الواضح ما إذا كان المسؤولون الأوكرانيين، في مثل هذه الحالة، قد قبلوا بما حصلوا عليه مقابل المال الذي دفعوه، إلا أنهم مرغمين وصاغرين ذهبوا إلى خيارات الفخ الذي نسجته لهم الادارة الاميركية، فلا مناص لهم. أما بالنسبة للقسطنطينية المهم ليس ما هو مناسب لأوكرانيا بقدر أهمية إلحاق الضرر بالكنيسة الروسية وتثبيت السيطرة الأحادية والبابوية للبطريرك بارثولوميو، التي تتعارض مع الارثوذكسية الحقة والتي لن يحصل عليها ابدا. أما المستفيد الوحيد من هذا الشرخ فهو المتدخل دائما في شؤون الاخرين الا وهو الاميركي - الأنغلو ساكسوني والصهيوني الرابض وراء كل هذه المشاريع. هؤلاء المجرمون القتلة الذين يتفرجون بحبور على صراع الاخوة و يتاجرون بدمائهم لجني الأرباح وفرض تعاليمهم الشيطانية.