وصل الرئيس الصهيوني إسحاق هرتزوغ الى تركيا وهي الزيارة الاولى منذ 14عاما، وهذه الزيارة وان كان الهدف المعلن منها هو فتح افاق جديدة لتعزيز فرص التعاون بين الكيان الصهيوني وتركيا لنقل غاز الشرق الاوسط الى اوروبا من خلال الاراضي التركية كبديل عن الغاز الروسي.
مرت علاقات تركيا مع الكبان الصهيوني أثناء حكم حزب العدالة والتنمية بفترات صعود وهبوط كثيرة وأثرت متغيرات كثيرة فيها، ويعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القضية الفلسطينية كفرصة له لتقديم نفسه وتقوية دوره وبلاده المركزيين في العالم الإسلامي. لذلك، كلما كان يسعى إلى رفع مكانته في العالم الإسلامي، استخدم هذه المسألة لصالح بلده وحزبه.
حيث فجأة يتحول إلى بطل ومدافع عن القضية الفلسطينية احتجاجا على هجوم الكيان الصهيوني على سفينة مرمرة واستشهاد عدد من النشطاء الذين كانوا ينوون نقل المساعدة الإنسانية إلى غزة، ولكن في وقت لاحق تهجم على معارضي إقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني، وقال لهم : "ألم تأخذوا الرخصة مني لنقل المساعدات إلى غزة"؟، وعندما بدأت الأزمة السورية استضاف اردوغان عددا من قادة حركة حماس والفصائل الفلسطينية المقيمين في سوريا من الذين يتحالفون مع سياساته، ولم يقبلهم في اسطنبول بل لم يألوا جهدا في توفير السكن والإقامة وإمكانية قيامهم بالنشاط السياسي في اسطنبول.
لكن اردوغان نفسه عندما وصل الأمر إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بسبب المصالح المحلية والإقليمية والدولية قام بإغلاق مكاتب أعضاء حماس والفصائل الفلسطينية في تركيا، بل أجبرهم على مغادرة بلاده نزولا لرغبة تل أبيب!!
وعندما قامت عدد من الدول العربية وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، صرخ أردوغان موجها كلامه الى قادتهم: "يا عديمي الشرف! لماذا تخونون القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني؟ ..."ولكن اليوم يحذو حذوهم بالضبط ويدعي أن ضرورة تطوير العلاقات ليس فقط لصالح كلا الجانبين بل لصالح منطقة الشرق الأوسط برمتها، أيضا وهناك أمثلة أخرى كثيرة في هذا المجال.
ملخص القول ان أردوغان وعدد الأمثلة هذه التي سقناها، تدلل على تناقضا واضحا في سياسته تجاه القضية الفلسطينية والعلاقات مع الكيان الصهيوني.
الجميع يعلم ان تركيا أول دولة إسلامية - وقبل كافة الدول العربية – قد اعترفت بالكيان الصهيوني في 28 اذار 1948. ومنذ العام 1960 إلى 2010 كانت هناك علاقات واسعة النطاق بين الجانبين في المجالات السياسية والعسكرية والاستخباراتية والاقتصادية والتكنولوجية. اذ تعتبر تركيا والكيان الصهيوني في التسعينيات، "حلفاء استراتيجيين إقليميين". وفي المرة الأخيرة التي شهدت العلاقات بين البلدين التوتر كانت عند قيام الكيان الصهيوني بنقل عاصمته إلى القدس الشريف حيث واجه برد فعل تركي، سحب على ضوئه الجانبان سفرائهما وعلى مدى السنوات القليلة الماضية تم إدارة سفارتي الجانبين على مستوى القائم بأعمال السفير. ولكن، على الرغم من وجود خلافات سياسية، استمرت العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين التركي والصهيوني، حيث بلغ حجم التجارة بينهما وفق المركز الإحصائي التركي إلى أكثر من 7 مليارات دولار في نهاية عام 2021.
لا شك فان الخلاف بين تركيا والعدو الصهيوني، رافقه خلاف مع الولايات المتحدة، مما شكل ذلك ضغطا على تركيا في التضخم الذي طال اقتصادها وهبوط قيمة الليرة التركية الى أدنى مستوى لها.
المعلوم ان تركيا تدعم (الاخوان المسلمين) وقد وجدت في هذه الورقة وسيلة لابتزاز الدول الصديقة للإخوان لكنها خسرت بلدان الخليج ومصر التي تعادي الاخوان، فاضطرت امام ضغط هذه الدول الى التراجع وعودة العلاقة مع مصر والامارات والسعودية، بالإضافة الى الانفتاح مع العدو الصهيوني.
فيما وجدت اسرائيل ان تركيا بأشد الحاجة لها لغرض اعادة ترتيب علاقاتها بمنطقة الشرق الاوسط لذا كانت مطالب اسرائيل كثيرة اتجاه تركيا وخاصة فيما يخص قادة المقاومة، حيث طلبوا من أنقرة إغلاق مكاتب أعضاء حركة حماس والفصائل الفلسطينية وطردهم من تركيا والحد من تنقلهم، واتخذت تركيا في الأشهر القليلة الماضية خطوات تنفيذا للمطالب الإسرائيلية. كما لم يشارك أي من المسؤولين السياسيين والحزبين في الحكومة التركية في المؤتمر الدولي لحركة حماس الذي كان يقام كل عام بدعم الحكومة التركية في اسطنبول. بل وأثناء وجود إسماعيل هنية وخالد مشعل في أسطنبول لمدة 3 أيام لم يجتمع معهما أي مسؤول تركي، وخلال الزيارة التي قام بها المتحدث باسم الرئيس التركي إبراهيم كالين إلى الأراضي الفلسطينية الأسبوع الماضي – ربما لتبرير مخاوف السلطة الفلسطينية والرأي العام الداخلي التركي والاستجابة لها – قام الأخير بلقاء رئيس السلطة محمود عباس حصراً ولم يكن له أي لقاء مع قادة حماس أو أية فصائل فلسطينية أخرى.
مما لا شك فيه أن قيام الحكومة التركية بدعوة رئيس الكيان الصهيوني لزيارة أنقرة في الوضع الحالي سيكون له بالتأكيد عواقب إقليمية ويمكن أن يؤثر على الأمن القومي لجمهورية إيران الإسلامية في مختلف المناطق، بما في ذلك القوقاز وسوريا وما إلى ذلك. ونقلت صحيفة "هآرتس" عن مسؤول في الكيان الصهيوني قوله قبل بضعة أشهر إنه بما أن أنقرة وتل أبيب تتفقان على الحد من تواجد إيران ونفوذها في سوريا وأذربيجان، يمكن أن تكون إيران منصة جيدة للتعاون بين الجانبين كما ان تركيا ارادت ان تسبق الامور قبل ان يتم الاعلان عن الاتفاق النووي في فيينا ولما في ذلك من تداعيات على تميز الجمهورية الاسلامية على كافة المستويات لذا فقد استبقت تركيا الاحداث بالإعلان عن علاقتها مع الكيان الصهيوني مستفيدة من كسر الطوق الذي قامت به بعض الدول العربية ومنها الامارات والبحرين.
لا ننكر ان هناك معارضة كبيرة داخل تركيا في توجهها نحو العدو الصهيوني فالتيارات الاسلامية في تركيا تملك اوراق ضغوط كبيرة في هذا المجال ولكن اصحاب رؤوس المال سيجدون في عودة العلاقات وسيلة للمزيد من النشاطات الاقتصادية، خاصة إذا تم الاتفاق على مرور الغاز الاسرائيلي من تحت الاراضي التركية وصولا الى اوروبا.
بأي شكل من الاشكال فان تركيا بلد اسلامي وان انخراطه بالمشروع الصهيوني سيؤثر على القضية الفلسطينية وحركة المقاومة وعلى القواسم المشتركة الإسلامية، وبالنتيجة تصب لصالح اميركا بالمنطقة والعالم اجمع.