غموض كبير أحاط بقمة شرم الشيخ الثلاثية، التي جرت أمس بين الرئيس المصري وولي عهد الإمارات ورئيس وزراء الاحتلال، سواء من حيث تاريخ التحضير لها أو موضوعات وجدول أعمال اللقاء أو مَن الذي بادر للدعوة لها، وهو غموض دائمًا ما يلف كل لقاءات الزعماء العرب بمسؤولي دولة الاحتلال، وشح المعلومات هو أمر شائع في مثل هذه القمم، وهو يشمل أيضًا شح الصور والبيانات، ممّا يبقي الباب مفتوحًا دومًا للتسريبات التي تأتي بعد أيام أو أسابيع عبر الإعلام الأجنبي، وكثيرًا عبر إعلام دولة الاحتلال.
لكن الكثير من التكتم والغموض لا ينجح في التعتيم على الحقيقة، ولا تنجح في ذلك البيانات المقتضبة والمدروسة بعناية والموجهة للجمهور، فالكل يدرك أن صافرة التطبيع، التي أذنت بإعلاء وإعلان مسيرة التطبيع التي انطلقت في المنامة عام 2018؛ قد أخرجت عفريت التطبيع من القمقم، وبات للتطبيع مؤسسات وأجندة ورعاية سياسية ومالية وأهداف، وإسرائيل - التي كانت ظمأة للتطبيع وتشكو عزوف العرب العلني عنه - أصبحت تشعر بالكثير من الرضى والإشباع التطبيعي من فوق رأس الفلسطينيين، بالرغم من إمعانها في التنكر لأبسط حقوقهم، وبالرغم من تغولها واستباحة القدس والضفة استيطانًا وتهويدًا، وهو ما حقق نهج اليمين الإسرائيلي السياسي الذي كان يدعو لعدم ربط التطبيع العربي بالتقدم في المسيرة السياسية.
قمة شرم ربما تظهر رأس الجبل، بينما الكثير من الجبل لا زال مخفيًا؛ لكنها تظهر حجم الوقاحة والتجرؤ، وحجم العجز العربي وزمن انكشاف العري، فباتت دولة الاحتلال دولة إقليمية مهمة يتشارك معها النظام العربي في مواجهة التحديات، ويتشارك معها الجبهة والمصير، بدلًا - وهو الأمر الأكثر طبيعية - من أن تقود مصر علاقات عربية مع إيران وتركيا لحماية أمن الإقليم، بعد حل القضايا والإشكالات البينية التي مهما عظمت لا ترتقي لأن تشكل أساسًا لصراع عميق، نجح الإسرائيلي في جعله فزاعة تبرر كل تحالف، حتى لو كان مع العدو الحقيقي.
جوهر نقاشات القمة تركز على تشكيل تحالف أو تنسيق لمواجهة ما يسمى إسرائيليًا بالتحدي الإيراني، لا سيما في ظل الاقتراب من اتفاق الأطراف الدولية على العودة للاتفاق النووي مع إيران الموقع عام 2015، بالإضافة لقضايا تخص تحديات مصيرية لها علاقة بالاقتصاد وتصدير الغاز وسد النهضة والعلاقة مع أمريكا، كما ان العلاقة مع تركيا وكسبها لصالح التحالف ضد إيران كانت حاضرة أيضًا، وذلك بحسب إعلام الاحتلال وموقعي "بلومبيرغ" و"اكسيوس".
وقد ركز الإعلام الاحتلالي على أن الزعماء الثلاثة تباحثوا في أمر إنشاء ما يشبه قوة نيتو إقليمية في مواجهة التهديدات الإيرانية وحلفائها لدول الخليج.
خلال أشهر محدودة، حظي بينت (رئيس وزراء دولة الاحتلال) بزيارتيْن مهمتيْن لشرم، وقبل أسابيع زارت وزيرة الطاقية الإسرائيلية كارين الهرار القاهرة لحضور مؤتمر حول الطاقة، وحظيت ببلقاء مع الرئيس، بينما قادة الاحتلال الذين لهم علاقة بالأمن؛ من وزير الأمن غانتس إلى رئيس الأركان وقائد سلاح الجو، استقبلوا بحفاوة بالغة في الإمارات والبحرين، ما جعلها زيارات روتينية لا تلقى تغطية إعلامية مميزة.
نجحت إيران بصمودها وإرادتها القوية وبتصميم قادتها على إجبار أمريكا للإذعان لمطالبها، على الأقل بالعودة للاتفاق النووي (وهو أمر بات قريبًا) دون شروط أمريكية كانت معلنة سابقًا، ويبدو أن أمريكا تدرس رفع الحرس الثوري من قائمة "الإرهاب"، كما تنازلت أمريكا عن شروطها بربط الاتفاق بما يسمى بالتوترات الإقليمية والصواريخ والتسليح ...الخ، وأصبحت ندًا لإسرائيل، بينما نجحت إسرائيل في تعويض خسارتها على جبهة إيران بإنشاء جبهة موازية إسرائيلية - عربية، وتطمح الآن لأن تضم إليها تركيا، تركيا أردوغان الذي على ما يبدو يقدر الآن بأن إسرائيل تمتلك مفاتيح الحل لبعض المعضلات التركية.
وما ينظر إليه البعض على أنه تمرد إماراتي - سعودي على طاعة السيد الأمريكي، نتيجة غضبهم من التوجهات الأمريكية تجاه إيران وتجاه بعض حلفائها (الحوثيين)؛ ليس سوى مناورة استعراضية منفوخة سرعان ما سيتم تنفيسها ذاتيًا، مقابل تعويضات تافهة ذات بعد شخصي، ومن جهة أخرى يبدو وكأنه توظيف مبالغ فيه للخلافات مع أمريكا لتعميق وشرعنة العلاقات الأمنية والسياسية مع إسرائيل، بتبرير اضطرار مصالح ما يسمى بالأمن القومي الخليجي.
حضرت إسرائيل بقضاياها للقمة، وحضر عرّاب التطبيع ولي عهد الإمارات، وحضرت مصر الحزينة في ضيافة مصر، ولم يكن لها من قضايا سوى بعض المعونات وبعض الوعود؛ وغابت قضية العرب المركزية، غابت قضية القدس وأهلها وفلسطين واحتلالها، وإن حضرت غزة فهي من باب كونها جزءًا من التحديات الأمنية الإسرائيلية.